وسط هذا الكم الهائل من القضايا المتشابكة والمشاكل المتراكمة ابتداء من التعليم إلي أزمة البطالة, ومن انفجار التجارة العشوائية والتهريب إلي طوفان العنف والبلطجة, من قضايا الأمن والامان إلي الموجات المتدافعة والمتلاطمة من محاولة كل فئة إثبات حقوق الذات خارج نطاق مفهوم الوطن!! وسط كل هذا.. ألا يحق للمرء ان يتساءل, كيف اصبحت مصر الموحدة منذ عصر مينا3200 قبل الميلاد, اي منذ اكثر من خمسة آلاف عام, اقرب ما تكون إلي الجزر المنعزلة كل يدور في فلكه, ورؤيته لا تتجاوز مصالحه.. ويقف في موقع الترصد وليس المنافسة في مواجهة الآخر؟ بل اقرب الي حالة الاستعداد والتأهب لخوض عمليات مواجهة وقتال بين الأفراد ومنها إلي الأحياء والقري.. في مصر اول دولة موحدة في العالم! الا يحق للمرء ان يتساءل ويشعر بالمرارة ويبتلع العبرات, عندما تتحول الأوضاع إلي مواجهات عنيفة ويسقط جرحي في محافظة كفر الشيخ التي كانت عاصمة مملكة الشمال تقع فيها.. بينما تأتي لنا الأنباء من محافظة اسوان, بما لا يقل عنها عنفا من اعتصامات ومواجهات وتعديات طالت المناطق الاثرية وحركة السياحة, وبذلك تتلاقي معاناة عاصمتي الاقليم الشمالي والجنوبي من تشرذم الابناء!. كيف تحولت خطوط السكك الحديدية المصرية, وهي ثاني خطوط انشئت في العالم بعد لندن, وذلك في عام1851, نهبا لعمليات قطع الطريق وتعطيل حركة السير.. فأصبحت عراقة مائة وستين عاما, بين مطرقة المطالب الفئوية وسندان الاعتصامات وافتراش القضبان أو اقتلاعها!!! وقدلاحقتها في العراقة وفي المعاناة ايضا, هيئة البريد المصرية, التي يعود تاريخها إلي عام..1865 ومنها إلي هيئة النقل العام الأحدث في عمر الزمان. الاشارة الي هذه الامثلة ليست مجرد سرد للتاريخ. ولكنه لتأكيد ان جذور الدولة المصرية الموحدة تعود إلي5211 عاما في عمق التاريخ, وان ريادتها في مشروعات البنية الاساسية كانت تضعها في مصاف ان لم تكن تتجاوز العديد من الدول الصناعية المتقدمة. فماذا حدث ؟ الامر المؤكد ان هذه القضايا المتشابكة والمشاكل المتفجرة, ذات طبيعة متراكمة منذ سنوات مضت, وإذا كانت ثورة25 يناير قد اطلقت لها العنان للتعبير عن المكتوم من المعاناة.. إلا أن الأمر أصبح أقرب إلي موجات متتابعة من الغليان والانفجارات البركانية من قبل الأفراد, بينما توارت مصلحة الوطن والمسئولية الاجتماعية تجاهه, وهذا هو الحصاد المر للسنوات العجاف, وليس نتيجة اختفاء هذا النظام أو تواري تلك الزمرة من الطبقة الحاكمة, كما يحلو للبعض ان يردد في بعض الاحوال. فهل يكفي الإعلان عن مسلسلة من الندوات أو بعض المبادرات المتناثرة والواهنة تحت شعار المسئولية الاجتماعية للشركات, لتكون البديل عن المساهمة الفعلية والعملية في تقديم الحلول لمشاكل الوطن علي غرار ما يشهده العالم في الدول الصناعية المتقدمة, بل وفي بعض الدول الصناعية الصاعدة, ابتداء من مشروعات البنية الاساسية وتوفير المياه النقية إلي التوعية وعلاج الأمراض ومكافحة الفقر والعشوائيات. لو كان هناك وعي ودعم من جانب الشركات والمؤسسات بما في ذلك البنوك والهيئات الاقتصادية المختلفة بمفهوم المسئولية الاجتماعية والتنمية, لما ثارت هذه الانتفاضة الشعبية في دمياط علي سبيل المثال. حيث إن غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة, أوجد فجوة ثقة بين اهالي دمياط والمسئولين عن شركة اجريوم, فالتجاهل يوجد البيئة المواتية للشائعات, كما ان الضرب بمصلحة المواطن عرض الحائط, تكون نتيجته شروخا وتصدعات في حائط الوطن يقاس علي ذلك في العديد من القضايا والمشكلات المثارة, فهي ليست وليدة الاشهر الاخيرة, ولكنها نتيجة تراكمات سنوات من الشعارات الجوفاء.. أو التجاهل التام لقضية المسئولية الاجتماعية للشركات والتنمية المستدامة, وعدم تواصل الإدارة مع العاملين وكذلك البيئة المحيطة بها. ترجم ذلك في اعتصامات الاجور المطالبة بالتثبيت, كما اتضح في عمليات الاستيلاء الجماعي علي مشروعات الاسكان, وانتقل إلي المشروعات الي تم تخصيصها وتجاهلت الادارات الجديدة مطالب وحقوق العاملين فيها أو الذين أحيلوا إلي المعاش. والحديث عن المسئولية الاجتماعية للشركات ليس ضربا من الرفاهية ولكنه يستمد جذوره مما يحدث في العديد من الدول, ومن جانب الكثير من الشركات. فعلي سبيل المثال لا تقيد الشركات في بورصة جنوب افريقيا, اعتمادا علي تقريرها المالي السنوي, ولكن طبقا لتقرير متكامل يشمل اداءها في مجال المسئولية الاجتماعية والتنمية المستدامة, كما يوجد التقرير الدولي للتنمية المستدامة( والذي يشمل البيئة مع الاداء الاقتصادي والمالي) وكذلك المستوي العالمي لاخلاقيات الاعمال بالنسبة للشركات العالمية العابرة للقوميات. الاحزاب الحاضر الغائب. وإذا تركنا الشركات والمؤسسات والهيئات جانبا, وانتقلنا الي دور الاحزاب وما ترفعه من شعارات حول الوطن والمواطنة.. فسوف نجد أنفسنا في مواجهة تساؤل اكثر مرارة في النفس, فهل تكفي إقامة معارض الادوات المدرسية من كشاكيل واقلام, الي ملابس العيد وشوادر لحوم الضحية, لتكون البديل عن المسئولية الاجتماعية من جانب الاحزاب, حتي لو لم تكن بهدف اغراض انتخابية وإيجاد تجمعات سياسية ؟. لقد خلت البرامج الانتخابية من التحديد الواضح والصريح للاهداف الاقتصادية وكيفية العمل علي تحقيقها من خلال خطة متكاملة في مجالات العجز المالي واستنزاف الاحتياطي النقدي, الي قضية الدعم وانكماش الصادرات انتهاء بترنح الاستثمارات وارتفاع البطالة. وإذا تركنا الانتخابات جانبا, فسيكون التساؤل حول دور الاحزاب في استيعاب المواطن الذي يحمل في داخله تراكمات اجتماعية واقتصادية, وفي ضم صفوف الوطن الذي يواجه مخاطر التصدع والانشقاقات ؟ إن المواطن ليس مجرد صوت انتخابي أو مجرد كائن يسبح في الفضاء, ولكنه فرد يكون مجموع الوطن الذي يتآكل احتياطيه من العملات الاجنبية من36 مليار دولار في نهاية العام الماضي الي22 مليار دولار في نهاية اكتوبر.2011 كما ادت سلسلة زلازل الغضب الشعبي وتوابعها الاقتصادية والأمنية إلي انحسار صافي تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر في مصر, من24262 مليار دولار في الربع الاخير من السنة المالية الماضية الي رقم سلبي بلغ1636 مليون دولار في الربع الثالث من السنة المالية الحالية, بمعني خروج اموال اكثر من الداخل الي مصر. لقد كانت الازمة المالية العالمية, كفيلة بدفع الاحزاب وكبار رجال الاعمال والمصريين في الغرب الي مراجعة مواقفهم ومحاولة استيعاب غضب الأفراد, من خلال مبادرات اجتماعية واقتصادية, هل يمكن ان تكون احداث مابعد25 يناير حافزا للشركات والاحزاب, لتحمل مسئوليتها الاجتماعية, بعيدا عن الشعارات وسياسةالتجاهل لحق الوطن الذي تتآكل قدراته الاقتصادية وتماسكه الاجتماعي في ظل ضبابية سياسية وتنافس حزبي. المزيد من مقالات نزيرة الأفندي