مع بداية العمليات العسكرية الدولية ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي والتي تقودها القوات الفرنسية, تداولت وسائل الاعلام تصريحات لمسئولين أمريكيين تشير إلي اتجاه الولاياتالمتحدة نحو اقامة قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار في النيجر لمراقبة تحركات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي, وأن تطورات الحرب في مالي قد تمنح فرصة لايجاد مقر للقيادة الامريكية الموحدة لأفريقيا( أفريكوم) في هذه المنطقة, مما أثار جدل واسعا حول طبيعة الحضور العسكري الأمريكي في أفريقيا وما يرتبط به من ماهية الأهداف الغربية من تأجيج حرب دولية في غرب أفريقيا. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر زاد الاهتمام الأمريكي بالحصول علي مناطق تستقر فيها قواتها العسكرية تحت دعوي حماية مصالحها من الخطر الإرهابي, وعلي الرغم من ان المسئولين الأمريكيين يرون ان الوجود العسكري الامريكي في أفريقيا محدود في ظل وجود قاعدة عسكرية دائمة وحيدة هي قاعدة ليمونيه في جيبوتي التي يوجد بها2000 جندي, إلا أن الحضور العسكري الأمريكي في القارة قد اتخذ أشكال أخري من اشهرها القواعد الجوية للطائرات وخاصة الطائرات بدون طيار التي اقامتها الولاياتالمتحدة خلال السنوات الاخيرة في دول عديدة في القارة ومنها إثيوبيا وأوغندا وجزر سيشل وموريتانيا وبوركينافاسو وتعمل هذه الطائرات بالقيام بأعمال التجسس او ضرب اهداف واغتيال اشخاص محددين, وكانت الصومال مسرحا لعمليات الطائرات بدون طيار الأمريكية حيث قامت هذه الطائرات باغتيال بعض عناصر حركة الشباب مثل صالح نبهان, كما استخدمت طائرات بي سي12 في مالي في العام الماضي, بعد سيطرة الجماعات المسلحة علي الشمال لكن السفيرة الأمريكية في مالي, ماري بيث ليونارد, طلبت وقف هذه الاستكشافات الجوية خوفا من إسقاط الطائرة ويصبح الطيار رهينة, هذا بالاضافة إلي تقديم القوات الأمريكية لتدريبات للعديد من الجيوش الأفريقية إلا أن هذا الحضور العسكري في القارة لم تعد تراه الولاياتالمتحدة كافية في المرحلة الراهنة, فمن ناحية تشهد مناطق المصالح الامريكية اضطرابات شديدة وتحديدا في اقليمي الشرق والغرب الأفريقي مما جعل المسئولين الامريكيين يبحثون عن وسائل جديدة للتواجد داخل أقاليم القارة ودون أن تظهر اعتراضات داخلية في دول القارة علي هذا التواجد, مثل حالة مالي التي تشهد صعودا واضحا للجماعات الارهابية, او حالة دول شرق أفريقيا التي تعاني من انتشار عمليات حركة شباب المجاهدين وجيش الرب للمقاومة ومن ثم ارسلت الولاياتالمتحدة عناصر عسكرية في عام2011 لدول الإقليم التي تعاني من ارهاب جيش الرب وارسلت طائرات بدون طيار لأوغندا للتتبع زعيم الحركة جوزيف كوني. ومن ناحية أخري, فإن القوات العسكرية الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر استقرت في ثلاث مناطق رئيسية في العالم هي أفغانستان والعراق والقرن الأفريقي, واليوم تنسحب هذه القوات من أفغانستان والعراق ومن ثم تمثل اقاليم افريقيا الاخري فرصة ثمينة للقيادة العسكرية الأمريكية لنشر قواتها في المناطق التي ينتشر بها أعدائها الإرهابيين بل وتكون قريبة من المناطق الأخري التي يظهر فيها أعداء آخرون مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن. ومن ثم تحاول الولاياتالمتحدة استثمار الصراعات التي تشهدها القارة في تنفيذ خططها العسكرية فقد رفضت دول المغرب العربي ونيجيريا في السابق اقامة مقر أفريكوم في اقليمها أوفي منطقة الساحل, ولكن اليوم وفي ظل تهديدات التنظيمات الإرهابية التي تنمو في إقليم يضم مصالح حيوية للقوي الغربية وخاصة الولاياتالمتحدة التي ترغب في تقليل اعتمادها علي بترول الشرق الأوسط تجد نفسها يمكنها أن تسيطر علي إقليم تحتل دوله مراكز متقدمه دوليا في انتاج النفط كنيجيريا والجزائر والجابون وانجولا. في الوقت الذي تشهد غالبية دول الشرق الأوسط اضطرابات حادة عقب ثورات اطاحت بأنظمة سياسية موالية للولايات المتحدة لا تزال أنظمة استبدادية موالية للولايات المتحدة تسيطر علي الحكم في غرب القارة فرئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري يحكم البلاد منذ1987, ورئيس الجابون علي بونجو الذي ورث الحكم من أبيه ويحتاج إلي الدعم الخارجي للاستمرار في السلطة, هذا فضلا عن العلاقات الأمريكية النيجيرية الإستراتيجية, ومن ثم قد تجد الولاياتالمتحدة أن ما يحدث من تطورات في إقليم غرب أفريقيا ومنطقة الساحل يمثل فرصة لا يمكن عدم إنتهازها لإقامة قواعد وأشكال مختلفة من التواجد العسكري في القارة.