سبحان من له الدوام, يتساقط الزعماء كما تتساقط أوراق الشجر, وتحل زهور الربيع العربي محل الأوراق الذابلة, ويتنفس الناس نسمات الحرية ويعيشون فرحة انتصار الكرامة علي ذل القهر والمهانة. لقد انتشرت عدوي انتفاضة الشعوب فكانت صرخة النصر مدوية في سماوات المنطقة العربية وتحركت المياه الراكدة ونفض البشر عن كياناتهم غبار اليأس والإحباط. ومع اختلاف ظروف الثورات العربية في البلدان الخمسة التي حدثت فيها, إلا أن هناك تشابها واضحا في دوافعها, وكذلك في صفات زعمائها وتكوين نسيجهم الآدمي. كل الزعماء الذين سقطوا أداروا ظهورهم لأفراد شعوبهم واستخفوا بعقولهم واستباحوا آدميتهم وأهدروا كرامتهم, وكل الزعماء فقدوا البصيرة وتعاموا عن الرؤية الصائبة لمستقبل بلادهم وأهملوا في حمل أمانة أوطانهم وضلوا طريق الهدي والرشاد وتقطعت صلاتهم برب العباد في تأكيد العدل والحق والصواب. وكل الزعماء الساقطين فقدوا إحساسهم بالزمن وسرقوا عمر الوطن وانغمسوا في ملذات الطمع والجشع وتمادوا في طغيانهم وتعالوا في غطرستهم وعاشوا غيبوبة النشوة ولذة الاستعلاء والشعور الطاغي بالكبرياء والعظمة ورسموا لأنفسهم استمرارا لبقائهم وخلودهم وعمدوا لتأكيد التوريث ضمانا لبقاء كرسي الملك والملك مع أن الملك لله الواحد القهار, كلهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم وتصوروا أنهم ملكوا الدنيا وما فيها وعملوا لحساب أنفسهم علي حساب الرعية والبسطاء من الناس. كل الزعماء دافعوا عن سلطانهم بالقهر والقمع والإذلال والتجبر والسيطرة وحكم الحديد والنار, وسيطر عليهم إحساس الألوهية وتأكدت داخلهم فكرة أنهم أصحاب الفضل وأولياء النعمة علي أفراد شعوبهم وأنهم أساس بقاء هذه الشعوب حية ترزق وأنه بدونهم ستموت الأوطان ويتحول الناس إلي قطيع من الجياع العراة! لقد عاشوا ضلالات العظمة وصنعوا لأنفسهم دروعا بشرية من المنافقين والمتسلقين والانتهازيين من أجل استمرار خيالاتهم الضالة وتصوراتهم الكاذبة ولكي يستمروا في حالة من التوهان والعزلة عن بقية البشر ولا يواجهوا حقيقة أمرهم ولا يهبطوا من أبراجهم العاجية إلي أرض الواقع وحياة البشر العاديين. أيضا نسوا أنهم إلي زوال وأن الدوام لله وحده وتناسوا آدميتهم وخلعوا عن أنفسهم إنسانيتهم فأصبحوا في حالة من البرمجة البشرية مثل الماكينة التي انتزع منها نبض وحس الإنسان. وكيف بعد كل هذه الصفات نتعجب لما حدث ويحدث في ربيعنا العربي, اللهم اجعل حكامنا يستوعبون الدرس واجعلنا جميعا لا نتنازل أبدا عن حياة عامرة بالتقوي والإيمان وأن نزرع كل يوم في نفوسنا أزهار التواضع والمحبة والسعي إلي خير أوطاننا. تلقيت هذه الرسالة من الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ولقد أصاب فيها كبد الحقيقة, فالكرسي يغير صاحبه دائما ويجعله ينسي نفسه فيغرق في الملذات ويزداد غطرسة وجبروتا.. لكن القوي الجبار يمهل دائما ولا يهمل.. فاللهم ول أمورنا خيارنا ونق نفوسنا وانصرنا علي من عادانا.. والحمد لله رب العالمين.