ماذا تعني دعوة هيلاري كلينتون للمعارضة السورية بعدم إلقاء السلاح.. والاستعداد لدعم المعارضة الإيرانية بالسلاح.. والتهديد بشن عدوان علي طهران في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية ثورات وانتفاضات واحتجاجات ضد النظم البوليسية وتحالف الاستبداد والفساد من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية فيما يسمي الربيع العربي؟. لقد انطلقت من وول ستريت حركة احتجاجية امتدت الي عواصم أوروبية ضد أنظمة الإدارة الاقتصادية الرأسمالية المتوحشة من أجل العدالة الاجتماعية, تلك الاحتجاجات يراها مفكرو المشرق العربي مؤشرات الخريف الأمريكي, الذي قد يحول الربيع العربي الي جحيم؟!يقول المفكر اللبناني زياد الحافظ, إن هذه الاحتجاجات تكشف عن عناصر ضعف جوهرية باتت تهدد التماسك الداخلي الي حد تحييد إن لم نقل إلغاء صورة دولة المؤسسات والقانون التي تمكن الولاياتالمتحدةالأمريكية من تجديد نفسها, فعناصر الضعف هذه تتجلي في ذهنية أفرزت سلوكا سياسيا وثقافيا يسبب الانحدار, وهو ما يدل علي النزعة الاقصائية للآخر في الثقافة الأمريكية منذ الهجرة الأولي الي نشأة الدولة, الي سيطرة القوي الضاغطة سواء كان ذلك بحجة الدين أو بقوة المال وهو ما يأتي دائما علي حساب الآخرين. ويري الحافظ أمين عام المنتدي القومي العربي, أن القانون لا يلعب دورا كبيرا في ضبط التفاعلات والتداعيات الناجمة عن الممارسات الاقتصادية في الولاياتالمتحدة, ويفسر ذلك بأن النظام السياسي الأمريكي سمح بالأساس لقوي ومجموعات الضغط( اللوبيات) بصياغة التشريعات التي تصب في مصالحها والسياسات التي تخدم هذه المصالح( اللوبي اليهودي نموذج), وليس مصالح الشعب الأمريكي, لاسيما الفقراء, فالقانون أداة في خدمة مصالح قوي الضغط وليس الجمهور العام. ويلفت النظر هنا الي أن دور الدولة في المجتمع الأمريكي لا يحظي بإجماع الأمريكيين, فهناك انقسام عمودي في المجتمع حول دور الرعاية الاجتماعية التي يمكن أن تقوم بها الدولة, فالنخب لا ترغب في تحمل تلك المسئولية, وهذه نقطة ضعف مركزية تجعل المعالجات مؤقتة وهدفها إبعاد الاستحقاق( التزامات الدولة والحكومة) قدر الإمكان, وهذا يعكس من جانب آخر فقدان القيم المشتركة الذي يسهم في تفكيك تماسك المجتمع واندلاع الاحتجاجات الشعبية, حتي من جانب من كان مؤمنا بالحلم الأمريكي, الذي ارتكز علي الخدمات التي تقدمها الدولة والحصول علي الرفاهية المادية, فإذا بالسياسات الاقتصادية وقوي الضغط تطيح بهذا الحلم وتعجز عن معالجة الأزمة الحالية. لكنه يشير في الوقت نفسه, الي أن الولاياتالمتحدة تشهد محاولات حثيثة من قبل بعض الفئات لتقوية مكانة السلطة التنفيذية خاصة سلطة الرئيس علي حساب المؤسسات الأخري, وهذا أمر صحي لوضع حد للتجاوزات, غير أن المشكلة كما يقول هي أن الكونجرس أصبح رهينة لمجموعات الضغط والمصالح التي أفقدت المؤسسات مصداقيتها, وسلوك بعض الرؤساء كسر هيبة موقع الرئاسة في النظام, والصراع بين المؤسستين أدي الي شلل في الإدارة, الأمر الذي وضح في تخفيض التصنيف الائتماني الذي أعلنت عنه شركة ستاندارد آند بور, والملفت هنا هو أن شركة خاصة سمحت لنفسها بتقييم الأداء السياسي للحكومة بدلا من المؤسسات الشرعية, ما يعكس تدني مصداقية المؤسسات التي خطفتها مجموعات الضغط والمصالح وشلت أداء الحكومة, خاصة في القضايا المصيرية بالنسبة للولايات المتحدة مثل الاقتصاد. ويربط الحافظ بين ما يحدث حاليا وبين ظاهرة عسكرة المجتمع الأمريكي, التي بدأت في عهد الرئيس رونالد ريجان والتي قضت علي التوزيع العملي بين القيادة السياسية المنتخبة وبين العسكريين المحترفين, فقد أدي ذلك علي مدي السنوات الماضية الي ظهور نوع من الانتهازية تتجلي في موافقة العسكر علي دعم المشاريع المفضلة لدي السياسيين( غزو العراق2003نموذج), تمهيدا للحصول علي وظائف مدنية مربحة بعد التقاعد سواء في شركات المجمع العسكري الصناعي أو مراكز الأبحاث أو شركات النفط, وهذا يفسر إصرار القيادات العسكرية علي بقاء القواعد الأمريكية في العراق وأفغانستان استمرارا لعمليات العسكرة وفرض حلول عسكرية للنزاعات( إقحام الناتو والتدخل العسكري في ليبيا, والاستعداد لتسليح المعارضات السياسية في دول أخري نموذج لذلك). ويشير في هذا الصدد الي ظاهرة جديدة وخطيرة بدأ المجتمع الأمريكي يعرفها وتنتشر فيه في الآونة الأخيرة, تهدد تماسك المجتمع, وهي انتشار شركات الأمن الخاصة لحماية الأثرياء ومجمعاتهم السكنية وتتشكل عناصرها من عسكريين سابقين وممولة من مؤسسات مالية خاصة! وحول الدوافع وراء الاحتجاجات يقول الدكتور كامل وزني الخبير في الشئون الأمريكية, إن خسائر الشعب الأمريكي في الاستثمار العقاري بلغت31% كمعدل وسطي, وهناك نحو18مليون منزل غير مباع, ونسبة البطالة تقارب1 ,9% لكن الحقيقة هي أن عدد العاطلين يقارب16%, وهناك28% من المنازل بات حجم قروض شرائها أكبر من قيمة العقار نفسه, وبلغت المديونية الحكومية نحو41 ,3 تريليون دولار في حين تخطي العجز في الميزان التجاري حاجز500 مليار دولار, الأمر الذي يفسر الرغبة المحمومة لدي المجمع العسكري الصناعي الأمريكي في إثارة نزاعات مسلحة داخلية في بلدان بالمنطقة لحل مشكلاته, وتبني وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذا الحل للمشكلة الاقتصادية واعرابها صراحة عن الاستعداد لتسليح المعارضات لنظم الحكم في المنطقة, وتأجيجها الصراع في ليبيا بالدعوة علنا لقتل القذافي, الأمر الذي قد يحول الربيع العربي الي جحيم, ويؤكد في نفس الوقت أن إدارة أوباما أصبحت خاضعة تماما للوبي اليهودي. ومن ثم يري وزني أن رفع المتظاهرين شعار احتلال وول ستريت جاء تعبيرا عن شعور المحتجين أن السياسة تخدم وتحمي أطماع الشركات ومجموعات المصالح والضغط والمجمع العسكري الصناعي, كما يعبر عن عمق الشرخ المتزايد بين الشعب الأمريكي وبين مؤسساته الاقتصادية والمالية.. رفع المحتجون شعار نحن ال99%, وهو الشعار الذي كانت ترفعه تلك المؤسسات والشركات والبنوك. ويضيف أن أحداث وول ستريت لها ما بعدها, فهناك حالة إحباط بسبب البطالة, وعجز حكومي أمام مجموعات الضغط والمصالح, وفقدان ثقة في المنظومة المالية والنقدية, ومطالب بخفض الانفاق العسكري الذي بلغ700مليار دولار سنويا, وخوف من المستقبل ورفض رهن الأجيال القادمة بالأعباء, لكن وزني لا يتوقع أن يأتي الخريف علي الولاياتالمتحدة قريبا, ويري أنه قد يأتي اذا استمرت تلك السياسات علي ما هي عليه بين عامي2025 و.2030أما الدكتور هاني سليمان فيري أن ما يشهده وول ستريت هو نتاج سلسلة للحروب التي خاضتها الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وحتي الآن في بقاع العالم, والتي تسهم علي صعيد الاقتصاد والمال والمجتمع والمواطن الأمريكي في نقلها من الصف الأول الي الصف الثاني عالميا, حيث أصبحت الأزمة أزمة بنيوية وليس مجرد أزمة اقتصادية. ويضيف: ان علماء الاقتصاد يجمعون علي تلازم السببين الداخلي والخارجي في نشوء الأزمات الاقتصادية والمالية, وبتطبيق ذلك علي الولاياتالمتحدة فإنه الي جانب ما سبق هناك أزمة ناجمة عن تحكم الشركات الكبري, وتهميش فئات اجتماعية واسعة دفعت الي الدعوة الي احتلال وول ستريت.