لم يمض وقت طويل علي خروج حركة شباب المجاهدين من العاصمة الصومالية مقديشيو في أغسطس الماضي وما حمله هذا الخروج من آمال كبيرة لاستعادة الأمن في الصومال , حتي عادت الحركة لتشن سلسلة من العمليات الإرهابية بدأتها بهجوم انتحاري نفذته في الرابع من أكتوبر الماضي واستهدفت خلاله منشآت ومدنيين داخل العاصمة, لتفتح هذه العمليات مجالا جديدا للتدخل الخارجي في الصومال تحت غطاء دعم الحكومة الانتقالية الصومالية في ملاحقة عناصر حركة الشباب وتأمين حدود دول الجوار من هجمات الحركة. فلم تكن الأزمة الإنسانية التي تعاني منها أجزاء واسعة من الصومال منذ شهور نتيجة لانتشار ظاهرة المجاعة, بالسبب الكافي لمنع حركة الشباب من القيام بعمليات إرهابية بل إن الحركة آثرت أن تقدم كل الذرائع لتدخل اقليمي مدعوم من قبل قوي دولية. ومن ثم ساهمت في تعقيد الأزمة الصومالية التي كانت تنتظر تسوية حقيقية في ظل فرص بدأت تلوح في الأفق. فمع هزيمة حركة شباب المجاهدين أمام القوات الحكومية المدعومة من القوات الإفريقية في يوليو الماضي واضطرارها للانسحاب من مقديشيو, وهي الفصيل المعارض الرئيسي في الصومال, وظهور معلومات تفيد بوجود انشقاقات داخل حركة الشباب وانقسامها إلي ثلاث فرق وانسحاب بعض عناصرها واستسلام عناصر أخري للحكومة الفيدرالية. بات واضحا أن هناك تراجعا في قوة حركة شباب المجاهدين وخاصة أن هذا التراجع انعكس بشكل واضح علي قدرة الحركة علي إغاثة المتضررين من المجاعة في المناطق التي تسيطر عليها في الدولة, حيث سمحت الحركة لمنظمات الإغاثة الإنسانية بالدخول إلي مناطق المجاعة بعد أن كانت تمنع هذه المنظمات خلال العامين الماضيين من التواجد وممارسة أعمالها خشية أن تتجسس هذه المنظمات علي تحركاتها. كما تقلصت الإمدادات المالية التي تصل إلي الحركة, والتي كان الجزء الأكبر منها يأتي من الدول العربية بعد أن أصبحت هذه الدول منشغلة بتطورات عدة في أعقاب ثورات الربيع العربي, أما الجبايات التي كانت تجمعها الحركة في الداخل فقد تراجعت هي الأخري في ظل ظروف المجاعة المنتشرة في أرجاء الدولة. وبالفعل اعتبرت الحكومة الانتقالية يساندها المجتمع الدولي أن مؤشرات تراجع قوة حركة الشباب تفتح آفاقا سياسية جديدة قد تسمح بالتوصل إلي تسوية للأزمة الصومالية واستعادة الاستقرار مرة أخري في هذه الدولة التي ظلت تعاني من صراع علي السلطة لأكثر من عقدين من الزمن, فأقدمت الحكومة الانتقالية برئاسة الشيخ شريف شيخ أحمد علي عقد مؤتمر تحت رعاية الأممالمتحدة في شهر سبتمبر الماضي, وشاركت فيه بعض القوي السياسية الداخلية حيث توصل المجتمعون إلي خارطة طريق تتضمن ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في أغسطس المقبل. إلا أن حركة شباب المجاهدين لم تمهل الحكومة الانتقالية التي لم تخف ضعفها وفشلها في تحقيق السلام, وعادت الحركة في استعراض واضح للقوة وتأكيد الاستمرار في مسلسل العنف وتحد لمختلف القوي المعارضة لها. فبعثت برسالة واضحة للحكومة الانتقالية والقوي الإقليمية والدولية المساندة لها وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي نجحت في يونيو الماضي في اغتيال أحد مناصري حركة الشباب والمتهم في تفجيرات سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا عام1998 فضل عبد الله. وكانت فحوي هذه الرسالة ان حركة الشباب التي أعلنت انضمامها إلي تنظيم القاعدة في فبراير2010 لا تزال تصر علي إسقاط الحكومة الانتقالية برئاسة شيخ شريف احمد وتستمر في مواجهتها للقوات الحكومية المدعومة من القوات الإفريقية التي تنظر إليها الحركة باعتبارها قوات أجنبية غازية لأراضي الصومال. إلا أن رسالة حركة الشباب التي حاولت إرسالها للحكومة الانتقالية والعالم لإثبات وجودها وتأكيد مطالبها قد فتحت مجالا للتدخل الخارجي في الصومال تحت ذريعة مواجهة أحد فروع تنظيم القاعدة الذي تتصاعد تهديداته لأمن دول الجوار الصومالي وخاصة بعد اتهام كينيا لحركة الشباب باختطاف أجانب من داخل أراضيها. فقد مثلت عملية مقديشيو وما تبعها من عمليات لحركة الشباب إعلانا عن استمرار تنظيم القاعدة بعد مقتل قادته فجاءت هذه العملية بعد أربعة أيام من اغتيال زعيم تنظيم القاعدة في اليمن أنور العولقي ومن ثم أظهر هذا التفجير حركة شباب المجاهدين التي أعلنت تضامنها في بداية عام2010 مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن, باعتبارها فرعا لتنظيم القاعدة في المنطقة يسير علي نفس النهج الذي يتبعه التنظيم, فحمل هذا التفجير ملامح العمليات الإرهابية التي يشتهر بها تنظيم القاعدة من حيث استهدافه لأهداف مدنية واعتماده علي أسلوب الهجمات الانتحارية بما يعتبر تغيرا في التكتيك العسكري للحركة, وكانت الحركة قد استخدمت هذا الإسلوب في السابق ضد معسكرات القوات الأفريقية وبعض المواقع حيث قتل ثلاثة وزراء في هجوم انتحاري استهدف حفلا للتخرج في مقديشيو في ديسمبر2009, كما قتلت انتحارية وزير الداخلية الصومالي في يونيو الماضي. إلا أن قادة الحركة ظلوا مترددين في الإعلان عن مسئوليتهم والاعتراف بتدبيرهم لهذه العمليات. ومع ذلك فإن هجوم مقديشيو كان الأكثر دموية في تاريخ حركة شباب المجاهدين منذ بدء عملياتها المسلحة ضد القوات الإثيوبية عام.2007 وفي ظل تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة نتيجة اجتياح المجاعة لأجزاء واسعة من البلاد تصاعدت المطالب التي تري ضرورة وجود حماية دولية مسلحة للمساعدات بعد تعرض بعض هذه المساعدات للسطو المسلح, فقد طالبت الحكومة الصومالية بتوافر قوة حماية دولية للمعونات, وعقب تفجيرات مقديشيو حض رئيس الوزراء الصومالي عبد الولي محمد علي عمال الإغاثة علي عدم ترك الصومال متعهدا لهم بتحسين الأمن. كما اقترح رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي خلال قمة إقليمية عقدت بكينيا خلال شهر سبتمبر الماضي حول الجفاف والمجاعة في شرق إفريقيا. إنشاء ممرات إنسانية تحميها قوات حفظ السلام في الصومال لتأمين وصول المعونات للمناطق المتضررة من المجاعة وتسيطر عليها حركة شباب المجاهدين. وطالب قائد قوات حفظ السلام الإفريقية فريد موجيشا عقب تفجيرات مقديشيو بتدخل دولي لمواجهة حركة الشباب. ومع ذلك فإن كل هذه المطالب لم تجد صدي لها خشية أن تزيد أي حماية دولية مسلحة للمعونات الغذائية من التوترات مما يؤثر سلبا علي إيصال المساعدات للمتضررين من المجاعة داخل الصومال, إلي أن بادرت كينيا وللمرة الأولي في تاريخها منذ الاستقلال بتحريك قواتها العسكرية وعبورها حدودها مع الصومال والتوغل داخل الأراضي الصومالية لملاحقة عناصر حركة الشباب الذين اتهمتهم الحكومة الكينية باختطاف أربعة أجانب من داخل كينيا, إلا أن حركة الشباب نفت هذا الأمر, ومن ثم دخلت الصومال مرة أخري في دائرة التدخلات الخارجية التي استنزفت الكثير من مقدراتها خلال السنوات الماضية, وساهمت بصورة كبيرة في فشل التوصل إلي تسوية للأزمة الصومالية في ظل تضارب المصالح بين الأطراف الخارجية والقوي الوطنية الداخلية. ويزداد تعقد المشهد الصومالي بتزايد الأطراف المتصارعة داخل الصومال, ويصبح الخاسر الأكبر هم المدنيين الصوماليين الذين تحولوا إلي أهداف للمجاعة وللعمليات العسكرية للقوات الحكومية والقوات الإفريقية وعمليات حركة شباب المجاهدين بالإضافة للقوات الكينية المتدخلة.