أعلنت السفيرة الأمريكية بالقاهرة عن تقديم حكومة بلادها 330 مليون دولار مساعدات جديدة لدعم مصر اقتصاديا في إطار مساعي تفعيل المساعدات الأمريكية لمصر وتسييلها لدعم الاقتصاد المصري... وقد أكدت السفيرة في اجتماعها مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية دعم بلادها الكامل لجهود الحكومة المصرية لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتجاوز آثار الأحداث الراهنة. ويأتي هذا الإعلان عن المساعدة الأمريكيةالجديدة بعد مرور ما يقل عن شهر علي خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة, وبعد مرور نحو 31 يوما فقط من تفجر أزمة الدين الأمريكي.. فبتاريخ 1 سبتمبر الماضي وصل حجم الدين الأمريكي إلي نحو 7.41 تريليون دولار أي ما يعادل 8700 مليار جنيه مصري.. وقد وصل الحال بالولاياتالمتحدة إلي أن تقدمت بضمانات وكفالات للدائنين للصبر عليها في السداد وللاستمرار في إقراضها خلال الفترة الحالية... ولاتقف المديونية الأمريكية عند هذا الحد, بل إنها تستمر إلي أن وصل الحال بالحكومة الأمريكية إلي إنها لم تتمكن من سداد رواتب موظفيها الشهر الماضي إلا عندما رفعت سقف الدين الأمريكي للسماح بزيادته عن 16 تريليون دولار حتي يتسني لها الاقتراض لسداد المستحقات علي الحكومة الأمريكية.. أي أن الولاياتالمتحدة نفسها لا تعتقد أنها قادرة علي الاعتماد علي نفسها بدون اقتراض جديد.. أكثر من ذلك, فإن الأمر الأكثر غرابة هو وصول هذا الدين الأمريكي إلي نحو 97% من الناتج المحلي الإجمالي.. أي أن الولاياتالمتحدة قد وصلت بالفعل إلي مرحلة التآكل الحقيقي للناتج... فما بالنا بخدمة ديونها بعد خفض التصنيف الائتماني الذي سيرفع بالتأكيد من معدلات الفائدة التي يحصل عليها الدائنون. في خضم كل هذه الظروف التي تمر بها الولاياتالمتحدة والتي بلاشك أن شغلها الشاغل الآن هو البحث عن دول تقبل إقراضها بعد انصراف عدد من الدائنين الرئيسيين مثل الصين واليابان وبعض الدول الأوروبية التي تعاني أساسا من تفاقم مديونياتها.. في خضم كل هذا تأتي الولاياتالمتحدة وهي في أوج أزمتها المالية لتقديم مساعدات نقدية لمصر.. هذه المساعدات التي لاندري هل ستقدم بنفس الطريقة والشكل والأسلوب التي كانت تقدم به من قبل؟ ذلك الأسلوب الذي أضاع علي مصر كل الفرص االاقتصادية الحقيقية التي يمكن أن تحسن من القيمة المضافة لأنشطة عديدة ومتعددة انخرطت فيها هذه المعونة الأمريكية غير محددة الهوية.. فهذه المعونة بكل وضوح لاتستهدف أمورا اقتصادية أو جوانب معيشية أو رفاهية مواطنين, ولكنها تتطرق إلي جوانب ترتبط بحقوق طوائف أو شرائح معينة بالمجتمع أو لها مآرب سياسية أو تغييرات فكرية. بداية لايقبل أي عاقل في مثل هذه الظروف التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي فكرة أن الولاياتالمتحدة تتجه إلي مساعدة الاقتصاد المصري... فالأولي أن تساعد اقتصادها المكبل بالديون والموشك علي تعادل الناتج مع الدين. ثم إن الأمر الأكثر غرابة هو إعلان الولاياتالمتحدة عن قائمة دائنيها في الشهر الماضي, حيث أعلنت عن أن مصر احتلت المرتبة (34) بين الدول الدائنة للولايات المتحدةالأمريكية بقيمة بلغت 30.6 مليار دولار في سبتمبر 2010, وهي قيمة مشتريات سندات الخزانة الأمريكية, ورغم أن البعض يعتبر هذه السندات بمثابة نقود الاحتياطي أو الأصول الرسمية للدولة, إلا أنها مديونية لمصر علي الولاياتالمتحدة.. وبالطبع لو تتبعنا أوان تكون هذه المديونية نجد أن الحكومة المصرية قامت بشراء هذه السندات خلال عامي 20072008, وهي عز فترة أزمة الاقتصاد الأمريكي (أزمة الرهن العقاري).. أي أنه ببساطة, فإن الحكومة المصرية دعمت الولاياتالمتحدة واشترت سندات بلا غطاء حقيقي لتساعدها للخروج من أزمتها التي تسببت في أزمة مالية عالمية في عام 2008. والشيء المحزن هو مقابلة نائب رئيس مجلس الوزراء للسفيرة الأمريكية, وهو الوضع الذي اعتادت عليه الإدارة الأمريكية, فمنصب نائب مجلس وزراء ماكان يجب أن يقبل مقابلة السفيرة الأمريكية.. ثم إن دعوة السفيرة لعقد ورشة عمل للعديد من الوزارات المصرية أمر يعد تدخلا في الشئون المصرية, لأن مثل هذه الورشة سيتم فيها بالطبع تحديد مجالات إنفاق هذه المساعدة, والتي بالطبع لن تتجه إلي مساعدة القطاع الزراعي ولا الصناعي, ولكن ستتجه لخدمة المجتمعات المدنية والأحزاب الوطنية والأفكار التي تأتي من هنا وهناك. أعتقد أنه اقتصاديا من الأفضل لمصر وهي في مرحلة انتقالية (مرحلة تحديد الهوية) رفض مثل هذه المعونات المغلفة والموجهة.. ولنأخذ عبرة بالمعونات الأمريكية من الثمانينيات وحتي... 2010 ماذا قدمت لمصر؟ قدمت أدوات تنظيم النسل وفتحت معاهد إعداد القادة وقدمت أفكارا جديدة وأوجدت ميولا غير معهودة ورفعت أقطابا غير معروفة.. لماذا لم تقدم هذه المعونة للقطاعات الإنتاجية؟ مثلا صناعة النسيج أو زراعة القمح أو القطن أو الذرة.. أو لماذا لم تقدم لصناعات مثل الحديد أو الألمونيوم أو الفيرسيلكون أو غيرها؟... بالطبع لم تفكر الحكومة الأمريكية في تقديم هذه المعونة لهذه الصناعات, ولكنها تركز علي تقديمها لبناء أفكار أو توجهات سياسية أو اجتماعية معينة ... في النهاية سنكتشف أنها غير ملائمة للمجتمع المصري لأنها بسهولة جاءت من خارجة, بصرف النظر عن حسن أو سوء نيات الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه مصر... أي أنه يا مسئولي مصر هذه الفترة لايجوز فيها قبول مساعدات أو معونات موجهة علي الإطلاق.. وإلا فلا جديد لمصر.. ومصر المستقبل ستكون هي نفسها مصر مبارك.