تحرص كل من تركيا ومصر في المرحلة الحالية علي توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة بعد الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء تركيا طيب أوردجان لمصر, فهناك فرص سانحة اليوم للتعاون الاقتصادي وزيادة الاستثمارات المشتركة بينهما وأن يقودا حركة التجارة في إفريقيا والشرق الأوسط لما تمتلكان من مقومات تؤهلهما لهذا الدور. وإذا كانت تركيا لديها الطموح في الوصول إلي المركز العاشر بين الدول الصناعية الكبري في العالم وتستخدم أدواتها لتحقيق هذا الطموح فإن مصر تمتلك هي الأخري العديد من المميزات الكبري للمنافسة مع حليفتها تركيا حيث هناك مجالات متعددة للمنافسة منها الزراعة والسياحة وصناعات النسيج, بالإضافة إلي قوتها وتأثيراتها في شقيقاتها العربيات وجاراتها الافريقيات, كما لاننسي أن تركيا تعتبر شريكا قويا لأوروبا وبوابة لأسواق وسط آسيا والبلقان ومصدرا للتكنولوجيا والاستثمار الأجنبي وبالتالي يمكن القول بأن التقارب بينهما يفيد جدا علي الصعيدين السياسي والاقتصادي لأنه يحقق شراكة اقتصادية قد تكون طريقا لتوجهات سياسية إذا أخذت في الاعتبار البعد الاقتصادي لمتخذي القرار السياسي. ورغم هذا الانجاز الذي تحقق بعد ثورة يناير في تقارب مصري تركي ولأن الساحة مهيأة الآن أكثر من ذي قبل في التشكيك بكل شئ والبحث في النوايا احيانا فهناك من يري أن زيادة التقارب مع تركيا واقبالها علي تحقيقه فإن له أهدافا أخري غير معلنة وهي رغبة تركيا في عودة مصر لحظيرة الدولة العثمانية مرة أخري معللين ذلك بأن تحركاتها لمزيد من السياسة والاقتصاد مع مصر هدفه السعي لاستعادة النفوذ العثماني في كل من إفريقيا وآسيا بل وأوروبا أيضا؟ كثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين يعارضون هذا الفهم لأن الأمور الحالية تختلف تماما وإذا كان هناك تنافس في أداء دور سياسي أو اقتصادي في المنطقة فإن ذلك لايعني قبول أي طرف للخضوع للآخر, فالتنافس حق مشروع والاقتصاد لايعرف لغة المجاملة وحتي الانتقال إلي الديمقراطية وأسلوب الحكم يختلف من دولة لأخري فبينما نجح الاسلاميون في الوصول إلي السلطة في تركيا بطريقة ديمقراطية وبالاستفادة من دعم الغرب فإن التيار الاسلامي في مصر تداعبه أحلام الوصول للسلطة في ظل قدرته التنظيمية الكبيرة وشعبيته لدي قطاع كبير من الشعب يتعاطف معه نظرا لاقصاء دام عدة عقود ويعتبر النموذج المصري للتغيير والتوجه إلي الديمقراطية هو الأفضل عند الغرب وينظرون إليه باعجاب أكثر. وأمام هذا التحول الايجابي في علاقات البلدين كان لابد للمنظمات غير الحكومية أن يكون لها السبق في متابعة نتائج هذه اللقاءات حتي يتم ترجمة ثمارها في إجراءات تنفيذية تحقق في النهاية طموحات الشعبين المصري والتركي. جموع الفلاحين بالبلدين في تكامل يسير جنبا إلي جنب مع المسيرة السياسية, ومن هنا كان قرار التعاونيات الزراعية في قيادة قاطرة التنمية والتعرف عن قرب عن التجربة التركية في الزراعة والوصول إلي الاكتفاء الذاتي في الغذاء لمواجهة الارتفاع العالمي في الأسعار والتكتل الاقليمي والدولي وذلك من خلال وفد يمثل تعاونيات الفلاحين وبشراكة مع رجال أعمال يعملون في مستلزمات الانتاج الزراعي خاصة الأسمدة ليؤكدوا جدارتهم في ترجمة آمال وتطلعات ثورة يناير إلي واقع عملي. وقد حرص الوفد المصري من ممثلي الفلاحين ورجال أعمال منتجين للأسمدة علي التعرف علي أنشطة التعاونيات التركية في مجال الزراعة واستخدام الأسمدة والمخصبات ومدي حرصها علي البيئة ومعدلات الاستخدام الآمنة ومايمكن أن يتحقق في مجال الأسمدة وفتح أسواق جديدة للانتاج المصري. رجال الأعمال في تركيا نجحوا في تحويل مؤسساتهم الانتاجية إلي مؤسسات عالمية قادرة علي المنافسة وحققوا جودة عالية في الانفتاح رفعت معدلات التصدير إلي حدود15 في المائة سنويا المهندس عبد السلام الجبلي رئيس مجلس ادارة شركة أبو زعبل للأسمدة والكيماويات يقول: قبل10 سنوات كان الأتراك مثلنا وربما أقل لكن صورتهم تغيرت تماما خلال هذه الفترة الصغيرة جدا حيث تحولت تركيا إلي نموذج اقتصادي وسياسي وتنموي وتعليمي وكل هذه مؤهلات لفرض كلمة الأتراك في المنطقة دون مخاوف أو حسابات بالاقتصاد لا بالهيمنة والتخويف التي يروج لها الكارهون للتقارب المصري التركي. يكفي أن متوسط دخل الفرد التركي ارتفع من2000 دولار سنويا عام2002 إلي نحو10 آلاف دولار عام2009 رغم الأزمة الاقتصادية التي أثرت علي صادرات تركيا التي انخفضت إلي نحو100 مليار دولار سنويا مقابل115 مليارا قبل ظهور الأزمة الاقتصادية. ان نجاح تركيا في تحقيق هذا المعدل المرتفع في النمو الاقتصادي يعني تأكيد قدرتها علي أن تبقي دولة قوية اعتمادا علي ذاتها واستناد سياساتها الوطنية والاقليمية إلي قاعدة اقتصادية قوية تعزز قرارها السياسي وتزيد من وزنها الدولي خاصة ان كانت ثمار التنمية تصل إلي جميع فئات المجتمع لتزيد من تماسك وقوة النسيج الوطني التركي.