أريد أن أبكي وأصرخ بأعلي صوت.. لماذا الغدر والخيانة؟.. ولماذا لا يرضي بعض الأزواج والزوجات بما قسمه الله لهم, فهم يتمتعون بكل شيء.. المال والحياة والأسرة السعيدة المستقرة؟.. فما الذي يجرفهم إذن نحو الملذات الحرام؟..وهل يرجع ذلك حقا إلي غواية الشيطان.. أم أن جيناتهم وتركيباتهم النفسية لها دور في هذا السلوك منذ البداية؟. هذه الكلمات ليست كلماتي, وإنما هي كلمات زوج مجروح من الغدر والخيانة, وقد قالها في بريد السبت, ووجدتها تعبر عن إحساسي, وأشعر بأنها تخرج من قلبي, وأريد أن أكررها مئات المرات, فأنا سيدة متزوجة منذ خمسة وعشرين عاما, أحببت زوجي وأولادي أكثر من روحي ومن الدنيا كلها, وقد تربيت في بيت أهلي علي الحب للعالم كله, والعطاء بلا حدود ومساعدة الآخرين دون كلل أو ملل, ولم نعرف غير الصدق في تعاملاتنا ونلنا حب كل من اقترب منا, ونما هذا الحب تجاهي من كل زميلاتي, وصرت عضوا في اتحاد طلاب الجامعة, والتحقت بفرق الكرة الطائرة, وجمعتني علاقات قوية مع زميلاتي اللاتي كن يلجأن لي لمساعدتهن في حل مشكلاتهن سواء الشخصية أو التي لها صلة بالجامعة قدر استطاعتي. وعندما بلغت سن التاسعة عشرة تقدم لخطبتي ثلاثة شباب في وقت واحد, واختار أخي زميله في الجامعة, وباركت الأسرة اختياره دون السؤال عنه, أما أنا فلم يكن لي رأي في ذلك, إذ لم تربطني صلة حب بأحد, وفضلت أن أرتبط بمن يرشحونه لي, وكان أول رجل يدخل حياتي, وكان يزورنا باستمرار, ويصلي ويقرأ القرآن, ونزولا علي رغبته عقدنا القران, وتسلل حبه إلي قلبي, ووجدت فيه شابا طيبا, وإن كان انطوائيا وليس له أصدقاء. ومع مرور الأيام والاحتكاك به, وعبر مواقف عديدة, وجدته كذابا, فحذرته من الاستمرار في الكذب, فأنا لا أستطيع أن أعيش مع إنسان غير صادق, فبكي بشدة, وبكيت لبكائه.. ثم هدأت من روعه, وقلت له إن كل شيء يمكن حله والتجاوز عنه إلا الكذب. وتصورت أنه يحبني, وتأكدت من أنني أحبه, وتزوجنا, ثم كانت المفاجأة بأن أهله جميعا يكذبون.. الكذب لمجرد الكذب.. بل يجدون سعادة كبيرة في الكذب الذي لا يكشفه أحد, ناسين ربنا تماما, ووجدت زوجي أقلهم كذبا.. ثم شيئا فشيئا لم يعد مثلما كان, فبدلا من الطيبة التي كانت بادية عليه صار يعاملني بجفاء, وأصبح فظا غليظ القلب! ولم أيأس من إصلاح حاله, وبعد مرور عشر سنوات علي زواجنا انتقل إلي شركة كبري براتب يعادل ستة أضعاف راتبه, وبدلا من أن يحمد ربنا, تعرف علي زميلة له وأحبها, ولك أن تتخيل مشاعره في البيت وجفاءه لي بسببها, فبإحساس الزوجة شعرت بذلك وحاولت أن أبعده عن هذا الطريق دون أن أصارحه بما لمسته فيه ثم واجهته بكذبه علي, فاتهمني بالجنون والغيرة الزائدة عليه.. ومر عام طويل وكئيب ونحن علي هذه الحال.. يوم كويس.. وعشرة لا.. وبذلت أقصي ما تتخيل يا سيدي لكي أقربه من بيته وأولاده.. وهيهات أن يتغير, فهو لا يشعر بي ويأخذ ما يريده دون أي إحساس مني. وجاءني ذات يوم مهموما وحزينا, وعلمت أن من أحبها سوف تتزوج غيره, وهذا هو السبب الذي قلب حياته رأسا علي عقب.. ووجدته يأتي إلي غرفتنا ويقول لي: سامحيني, فلم أناقشه في شيء, وبالفعل سامحته, ونسيت ما فعل كأي زوجة تريد الحفاظ علي بيتها. وتصورت أنه تعلم الدرس, ومرت سنتان علي هذه الحال, ثم حدثت مواقف كثيرة, وتليفونات غير مفهومة, عرفت منها أنه تعرف علي أخريات كثيرات, وتراوحت حياتنا بين التصالح والخناق, وأخذ يقول لي انت دايما ظالماني.. وحدثت نفسي أنني ربما أكون ظالمة له, لكن الشواهد أكدت لي من جديد صدق ما توقعته.. إنه يعرف كثيرات ومعظمهن من الشغالات والأوساط الوضيعة.. ولم أتمالك نفسي, فطلبت الطلاق وكنت أريده بالفعل من كل قلبي, فرد علي لن أطلقك.. وعرضت الأمر علي أهلي, فاتهموني بالجنون, فأنا في سن لا تسمح لي بهذا الطلب وبناتي مقبلات علي الزواج, فإحداهن مخطوبة والثانية علي وشك الخطبة, فامتثلت لرؤيتهم, واتفقت معه علي ألا يكون بيننا أي كلام, وأن يستمر الوضع عاديا أمام الأولاد, فوافق. وربما يكون ما فعلته صحوة متأخرة مني.. ومرت علي هذا الوضع الجديد حتي الآن سبعة أشهر كاملة.. وأشعر طوال هذه المدة بأنني ولا حاجة بالنسبة له.. فهل هذا هو جزائي بعد خمسة وعشرين عاما من العطاء له ولأولادنا الذين أفنيت عمري في تربيتهم؟ إنني لن أقول لك إنني ملاك.. فبالتأكيد لدي عيوب كثيرة, وأولها أنني ضعيفة وسلبية, لأنه هو نفسه قال لي ذات يوم يا ريتك ماكنتيش كل ما اطلب منك حاجة تقولي.. حاضر! ولا أريد هذه النهاية لمشوار عمري, فساعدني علي أن أكون حاجة.. وأن أصبح إنسانة سعيدة.. لقد نصحني أولادي بأن أتعلم أشياء جديدة, ولكني لا أستطيع التركيز.. ولقد قرأت في الصحف أن التركيز يتحقق بالعمل.. فهل يمكن أن أجد عملا مناسبا بلا راتب؟.. فأنا لا أريد الفلوس ومستعدة للتعب.. فالأيام تمر وحالتي تزداد سوءا.. وأرجو أن تنقذني, فلقد اسودت الدنيا كلها أمامي وأشعر بأنني أسير في نفق مظلم لا نهاية له. من عاشت خمسة وعشرين عاما مع الرجل الذي ارتضته زوجا لها وهي في ريعان الشباب قادرة علي أن تواصل رحلة الحياة معه بحلوها ومرها.. لا أن تتحطم معنوياتها وتترك نفسها أسيرة للهواجس القاتلة سواء كانت قائمة علي دلائل دامغة في سوء سلوك زوجها أو مجرد شكوك سرعان ما تختفي بمجرد أن يقول لها كلمات منمقة باللسان بينما تؤكد تصرفاته عكس ذلك. لقد تعودت علي حالة التقلب المزاجية التي تنتاب زوجك, وكنت تغفرين له هفواته أو زلاته وتصفينه بالرجل الطيب, وهذا دليل علي أن هناك مداخل له يمكن أن تدخلي منها إلي قلبه, وتتعرفين علي ما يكنه في صدره ولا يبوح لك به.. إنني لا أؤيده في صنيعه معك, ولكني ألتمس طريقا إليه يساعد علي تواصل الحياة بينكما, فما أقسي الطلاق الذي وصفه الرسول صلي الله عليه وسلم بأنه أبغض الحلال.. وعليك أن تذكريه دائما ببناتك, وبالعروس المخطوبة أو التي تنتظر العريس, فيشعر بالمسئولية, ويتأكد من أن ما يفعله مع من هن في مثل أعمار بناته أمر لا يقره عقل ولا دين.. وسيدرك وقتها أن المراهقة المتأخرة التي يعانيها سوف تجلب عليه المتاعب وربما تؤدي به إلي ما لا تحمد عقباه. ولا تنسي يا سيدتي أن تربية الأولاد أعظم عمل تثاب به الأم التي فضلها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الأب ثلاث مرات حينما أوصي رجلا بحسن صحبة أمه, قائلا له: أمك.. ثم أمك.. ثم أمك.. ثم أبيك.. فعلا ما أعظمها رسالة التي تؤدينها, وما أروع صنيعك. فاهدئي بالا وثقي بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا, وأنت ربيت أبناءك علي الفضيلة وسوف تحصدين الجائزة حين يأذن الله.. أما رغبتك في العمل ولو بغير أجر لكي تشعري بأن لك وجودا وقيمة في الحياة, فسوف أبحثها معك بإذن الله.. وهو وحده المستعان.