عاشت عقودا من الزمان يتاجر بها جل أهلها يقتاتون علي شرفها لتزداد سطوتهم يبيعونها قطعا في سوق النخاسة طلبا لرفعتهم ثم لما أطل الزمان عليها وهلت علي البسيطة شمس الطهر أو كادت أقسم أهلها أنها ماولدت الا نجسة وماعرف الطهر يوما اليها سبيلا هذي طبيعتها فمن أرادها فليكن مثلها أو قل فليكن مثلنا. خشوا علي تجارتهم الرائجة من بوار حتمي مقبل فألصقوا بها بهتانا كل ما تقترفوه في حقها. أنا لا اتحدث عن امرأة بدلت دينها فقام يتنازعها أهلها السابقون واللاحقون أو صاحبة فن هابط قررت أن تتوب فهبط عليها شياطين الإنس يعدونها بالفقر ويأمرونها بالفحشاء والمنكر, إنما أتحدث عن السياسة التي ما فتيء بعض أهلها يقسمون أنها نجسة ويطلقون نصيحتهم الببغاوية لاتنزلوا الدين من عليائه وطهره الي السياسة بوضاعتها ودنسها وهي في الحقيقة قول باطل قد يراد بها باطلا. عرفت السياسة كلغة وكمصطلح بأكثر من تعريف وقد أبحرت في كثير منها فلم أجد للدنس أصلا ولم أر أن له بها صلة, فقد عرف معجم تاج العروس السياسة بأنها( القيام علي الشيء بما يصلحه) ولم يشترط في ذلك أن تكون السياسة فاسدة في ذاتها. وحين نتلمس شمس الطهر الموكل لها اعادة السياسة المدنسة الي مايجب أن تكون عليه نجد أن الشريعة الإسلامية تمتلك من العبقرية في المباديء والمقاصد والممارسات ما يؤهلها أن تقوم بدورها فكيف عرف علماء المسلمين السياسة؟ يقول ابن عقيل الحنبلي( السياسة ماكان من الأفعال بحيث يكون الناس أقرب الي الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول أو ينزل به الوحي ما لم يخالف مانطق به الوحي) فهل رأيتم أنبل من ذلك؟ وها هو النبي يعلن أن المؤمنون عند شروطهم فلا كذب ولاخديعة. ويروي علي كرم الله وجهه حديثا لايقل روعة عن سابقة المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم فلا فرق بين غفير ووزير وإن تعهدوا بعهد صار كالسيف لاينقض ولايلغي. فكيف يسوس الحاكم قومه في ظل الشريعة؟ يقول ابن حجر في نفسيره لحديث النبي الخاص باعادة بناء الكعبة الوارد في صحيح البخاري( يستفاد من الحديث أن الامام الحاكم يسوس رعيته بما فيه اصلاحهم ولو كان مفضولا أي أقل في الفضل مالم يكن محرما). كما يقول الراغب الأصفهاني في كتابه الذريعة الي مكارم الشريعة حول تفسير الآية الكريمة في سورة البقرة أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون(44) يقول( لايصلح لسياسة غيره من لايصلح لسياسة نفسه ولهذا ذم الله من ترشح لسياسة غيره فأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وهو غير مهذب في نفسه) هل ذكرك هذا القول بشيء؟.هل كان يصف به من قرون رئيسنا المخلوع؟ هل سمعه الأصفهاني وهو يأمر الناس بالاقتصاد في تناول الشاي المحلي بالسكر بينما تأتيه الحلويات من فرنسا رأسا؟ هل رآه يلتحف الحرير في ليلة من ليالي البرد القارس وألف من خيرة أبناء مصر يلتحفون السماء في عرض البحر الأحمر يموتون بردا وغرقا قد حرموا من قبر في تراب بلادهم المنهوبة بعد أن حرموا العيش فوقها فصارت بطون الحيتان قبورهم؟ كلا لم يره ولكنها عبقرية الإسلام واعجاز منهجه وحكمة تشريعه. وحول هذا المعني يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم الدين والسياسة(فالإسلام بخيره وشره, وحلوه ومره, ويجيز استعمال المكر والدهاء مع أهل المكر والدهاء, ويقول:الحرب خدعة ويري أن الضرورات تبيح المحظورات, وأنه يجوز في وقت الضيق والاضطرار, مالايجوز في وقت السعة والاختيار. ومن قواعده:ارتكاب أخف الضررين, وأهون الشرين, واحتمال الضرر الخاص لدفع الضرر العام, وقبول الضرر الأدني لدفع الضرر الأعلي, وتفويت أدني المصلحتين لتحصيل أعلاهما. وكلها من النظرة الواقعية التي هي من خصائص الإسلام وشريعته) فمن هذا الذي يزعم عدم واقعيته وهو أول من برأ للخلق مبدأ التدرج في التشريع ولنا في تحريم الخمر المثل والآية مرددين خلف عمر بن عبدالعزيز المقولة الخالدة( انما ذم الله الخمر ثم حرمها). وحين تري ممارسات الخلفاء الراشدين وكيف فهموا الشريعة ومقاصدها تعلم كيف خسر العالم حين ابعدت الشريعة ونزعت السياسة من الاسلام. فيا ممارسي السياسة لاتحرموها من صدر أمها الرؤوم إن أرادت به تحصنا لا تحرموها من توبة صادقة ينتظرها العالم وإن كرهها البعض ياسيادتي لاتحرموها من الاسلام وطهره. المزيد من مقالات حسام الكاشف