وكيل تعليم البحر الأحمر يتابع المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة    رئيس الطائفة الإنجيلية يهنئ السيسي والمصريين بذكرى 30 يونيو    صوامع الشرقية تستقبل 609.935 طن قمح في موسم الحصاد    إسبانيا: تراجع نمو مبيعات التجزئة بنسبة 0.6% في مايو    أول تحرك برلماني بشأن وقف الإفراج عن سيارات ذوي الهمم وحجزها في الموانئ    مقتل شخصين وإصابة العشرات إثر انقلاب قطار في شمال روسيا    السفارة الأمريكية في بيروت تحذر مواطنيها من السفر إلى لبنان    "فورين بوليسي": المناظرة بين بايدن وترامب يمكن أن تصنع تاريخ السياسة الخارجية    روسيا: قد نعدل العقيدة النووية في المستقبل ونأخذ في الاعتبار التجارب المستفادة من الحرب في أوكرانيا    موسى أبو مرزوق: نتنياهو يريد توسيع جبهات القتال لتوريط أمريكا    مدافع إنجلترا يُعلن جاهزيته لمواجهة سلوفاكيا في يورو 2024    «البحث عن حل وسط».. وزير الرياضة يعد ميكالي بإنهاء أزمة لاعبي الأهلي مع منتخب مصر الأولمبي    القبض على طالب تعدى على سيدتين في طريق مصر الإسماعيلية    ارتفاع مصابي حادث انقلاب سيارة بالطريق الزراعي بأسوان ل11 شخصا    مصدر أمني ينفي شائعات الجماعة الإرهابية حول مراكز الإصلاح والتأهيل    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان أحمد بدير بدورته ال17    وفد صيني رسمي يزور مركز الفسطاط للحرف التقليدية ويعبر عن إعجابه بالفنون المصرية    وزير الأوقاف: مصالح الأوطان والعمل على قوتها من صميم مقاصد الأديان    لجان مرورية وتفتيشية على المنشآت الصحية بمراكز المنيا    خلال يومين.. فحص 1080 حالة خلال قافلة طبية في مركز مغاغة بالمنيا    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    تنفيذ فعاليات "يوم الأسرة" بمركز شباب قرية الديرس بحضور 50 أسرة بالدقهلية    جامعة القاهرة تحتل المركز 271 عالميًا بتصنيف يو إس نيوز (US-News) ل 2024    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    تحرير 24 ألف مخالفة مرورية متنوعة    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    مصرع عامل بنزيما إثر حادث تصادم في بني سويف    أسوشيتدبرس: مناظرة ترامب وبايدن قد تغير مسار حملة انتخابات أمريكا    إزالة فورية لبناء مخالف في قنا    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    "انت جامد على مين؟".. ميدو يطلق تصريحات نارية: الزمالك البعبع وأرجع للتاريخ (فيديو)    اقتصادية النواب: ترشيد استهلاك الكهرباء بداية حل أزمة.. والوعي المجتمعي ضرورة    ما هي الوصية التي أوصانا بها الرسول قبل وفاته ب3 أيام؟.. إمام مسجد الحسين يوضح    مصدر ليلا كورة: الأهلي يتحفظ على مشاركة عاشور وعبد المنعم في أولمبياد باريس    إعلامي: الأفضل لأمير توفيق التركيز على الصفقات بدلًا من الرد على الصفحات    رئيس الرعاية الصحية يُكرم الصيادلة والأطباء الأكثر تميزًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا نقصد من قراراتنا000!؟    مواجهات نارية.. مجموعة السعودية في تصفيات آسيا النهائية المؤهلة ل كأس العالم 2026    جامعة بنها تتقدم 370 مركزا على مستوى العالم بالتصنيف الأمريكي "US news"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    صحيفة عبرية: إسرائيل هدمت نحو 120 ألف منزل في قطاع غزة منذ بداية الحرب    في ذكرى ميلاده .. محطات فنية في حياة صلاح قابيل    الدوري المصري، زد في مواجهة صعبة أمام طلائع الجيش    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا اليوم.. تعرف عليه    الصحة تحذركم: التدخين الإلكترونى يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    ما تأثيرات أزمة الغاز على أسهم الأسمدة والبتروكيماويات؟ خبير اقتصادي يجيب    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن السعيد
ب‏:‏ توكل كرمان
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 10 - 2011

بمنطق المثل الشعبي القائل ادعي علي ابني وأكره اللي يقول آمين وصف السياسي اليمني الشيخ عبدالسلام خالد كرمان عضو مجلس الشوري في الحزب الحاكم‏,‏ ووالد توكل كرمان خلال كلمة له أثناء انتخاب رئيس جديد لمجلس الشوري. أنه رغم ترحيبه بمنح جائزة نوبل لابنته, إلا أنه يعتذر عما يبدر من الابنة من قلة أدبها في الخطاب, كما يقدم أسفه لأعضاء الحزب الحاكم معترفا بأن توكل لا تسمع كلامه, وذلك وسط تصفيق حار من كل أعضاء المجلس الذين حيوه علي صراحته.. قليلة الأدب تلك في نظر الوالد الذي اعتبرها المتمردة الوحيدة بين أبنائه الكثيرين, كان قد تم تصنيفها ضمن أقوي500 شخصية علي مستوي العالم, إلي جانب اختيار مجلة التايم الأمريكية لها كأكثر النساء ثورية في التاريخ, واختيارها من قبل منظمة مراسلون بلا حدود كواحدة من7 نساء ساهمن في تغيير العالم, وهي الحاصلة علي بكالوريوس جامعة صنعاء في العلوم والتكنولوجيا عام1999, ودرجة الماجستير في العلوم السياسية, ودبلوم التربية, ودبلوم الصحافة الاستقصائية من الولايات المتحدة الأمريكية, ودبلوم جامعة كامبريدج في اللغات, وآخر في البرمجة اللغوية العصبية.. وإلي جانب ثقافتها المتنوعة تعد عضوا ناشطا في الكثير من الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية, ومنظمة العفو الدولية.. إلي جانب عشقها للشعر والفن, حيث قامت بإخراج العديد من الأفلام الوثائقية في قالب درامي مؤثر حول حقوق الإنسان والحكم الرشيد في اليمن منها فيلم دعوة للحياة حول ظاهرة الانتحار في بلادها, وفيلم المشاركةالسياسية للمرأة اليمنية, وفيلم تهريب الأطفال.. وكل هذا ولم تبلغ بعد الثالثة والثلاثين فهي من مواليد برج الدلو في7 فبراير1979, حيث تنحدر أسرتها من منطقة ريفية تسمي مخلاف شرعب في محافظة تعز,.. وانتقلت بعدها للعاصمة صنعاء, ورغم انتماء توكل لحزب الإصلاح الإسلامي الذي يقوده عبدالمجيد الزنداني مرشد جماعة الإخوان فياليمن وحليف الرئيس صالح لسنوات طويلة, فإن توكل المناضلة قد تعرضت لحملة هجوم قاسية من شيوخ الحزب لقيادتها حملة اعتراضات واسعة ضد زواج القاصرات دون17 عاما, وذلك بعد القشة التي قسمت ظهر البعير في حادث هروب طفلة من زوجها الكهل أرغمت علي الزواج منه ولم يزل عمرها13 عاما.. قادت كرمان حملتها ضد زواج القاصرات فكان لها صداهاالواسع في الدوائر الإنسانية العالمية مما ألزم اليمن بتغيير قوانين الزواج..
توكل التي أهدت جائزتها لميدان التحرير قائلة: إنها تتمني تقبيل تراب مصر معتبرة أن الجائزة تكريم للشعب اليمني والعربي كله كانت قد بدأت مسيرة نضالها في اليمن عام2006 كأكثر المدافعين عن حرية الصحافة من خلال مقالاتها النارية في العديد من الجرائد والمجلات الصادرة في اليمن.. ومع تزايد انتهاكات النظام اليمني لحقوق الإنسان, وحرية الإعلام, ومصادرة الصحف, وسحب التراخيص, والمحاكم الاستثنائية للصحفيين, صعدت توكل جهودها ضد نظام صالح بتنظيم الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات منذ عام2007 في الساحة الواقعة أمام مقر مجلس الوزراء التي أطلقت عليها في مقالاتها اسم ساحة الحرية لتغدو منصة سلمية لإطلاق حمم رفض النظام التي أجهض النظام سلامها وسلميتها لتغدو ساحة ثورة تصبغ الأرض بدماء الشهداء.
وإذا ما كان السيد كرمان قد توكل علي الله من قبل قوله ما قاله عن ابنته توكل في جلسة الشوري, قارئا لابد في سره المعوذتين ليدرأ عنها شر الحاسدين بأسلوب الآباء المخضرمين الذين يخفون سعادتهم الغامرة بإنجازات ونجاحات الأبناء تحت قناع الاستياء بنوعية أقوال تقول علي اللسان ما لا تتغني به القلوب: المهم بعد الجائزة ياخد باله من صحته المضعضعة والجائزة مسئولية كبيرة وربنا يعطيه أو يعطيها العافية لتحمل تبعاتها الجسيمة و...دلوقت الخصوم حيحطوه أو يحطوها في دماغاتهم ويا سابل الستر يارب و...المسألة مش مسألة فلوس المهم ما بداخل النفوس و...آهي البنت المناكفة قليلة الأدب أخذتها كما أبلغونا وعقبال أنجالكم.. الابنة المباركة بقدراتها المتفردة التي ما أن تطرق بها أبواب عشرات الآلاف من اليمنيات المنقبات حتي يخرجن خلفها مسيرات لا نهاية لها.. تهتف فيرددن الهتاف.. تعتصم فيلبين الاعتصام.. ترأس المظاهرة فتغدو أيقونتها التي قادتهن في أكثر من80 اعتصاما.. تدعو إلي يوم الغضب فينهال شلال الغضب هادرا جمعا وأسابيع وشهورا لتهتز أركان المبني الرئاسي اليمني في صنعاء فيمد رئيس الجمهورية شخصيا يده إلي التليفون يهدد عبر الأسلاك طارق شقيق كرمان.. يملي عليه أوامره الرئاسية بضبط أخته وجعلها بما له عليها من سلطة أخوية رهن الإقامة الجبرية في البيت مستشهدا بالحديث من شق عصا الطاعة فاقتلوه.. وأختك كسرت العصا حتي نفذ معين الصبر.. ولما لم يتم تنفيذ الفرمان الجمهوري تزامن اختطاف طارق مع عملية اقتحام جماعة مجهولة للبيت في صنعاء في17 يونيه الماضي, ومنذ ذلك التاريخ وكأن طارق قد سقط في قرار الجب اللهم إلا رسالة إلكترونية عبر البريد ومواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك تسلمتها توكل من مجموعة تسمي كتائب الثأر لليمن وللرئيس علي عبدالله صالح تطالبها بالاعتذار للشعب اليمني والاعتراف بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية في مقابل إطلاق سراح شقيقها المختطف طارق كرمان, ومن يومها نصبت كرمان خيمة دائمة في ساحة التغيير, مركز حركة الاحتجاج في صنعاء, حيث تقيم مع زوجها وأبنائها الثلاثة هربا من ضغوط رجال نظام عبدالله صالح الذي أصبحت كرمان بمثابة شوكة في خاصرته, وذلك بعدما اعترضت سيارتها وهي بصحبة زوجها أمام منزلهما فرقة أمنية انتزعتها عنوة من داخل السيارة لتساق إليالسجن المركزي, حيث لم تكن المرة الأولي التي تعتقل فيها, والتي استجوبت خلالها بتهمةالدعوة للانقلاب علي النظام الجمهوري, لكنها رفضت التهمة قائلة إنها تدعو للحفاظ علي الجمهورية من اللصوص الذين حولوها إلي مملكتهم الخاصة الفاسدة التي عانت من الثلاثي المخيف الجهل والفقر والمرض والتي كانت تلك مبررات ثورة26 سبتمبر1962, لذا فهي تدعو الشعب اليمني لاستعادة ثورته وجمهوريته من اللصوص الذين أخذوها منه ليحولوا اليمن عام2011 إلي سداسية التردي: الفقر, والجهل, والمرض, والحروب, والحركات الانفصالية, والتوريث..
بلقيس الثانية يشن الآن الإعلام الرسمي الموالي للنظام حملة ضارية ضدها معتبرا أن جائزة نوبل قد منحت لها لتتآمر علي بلدها, ويذهب البعض المفتري عليها فيما يعرف بالحراك الجنوبي السلمي الداعي للانفصال إلي القول بأن الجائزة كافأت المحتلين الشماليين علي اعتبار أن توكل جزء من التركيبة السياسية للنظام الشمالي المحتل كما يصفه الجنوبيون.. وبدا أن وقع مفاجأة نيل كرمان للجائزة كانت صعبة للغاية علي الناشطات الأكبر سنا والأعمق تجربة من كرمان, خاصة اللاتي عرفن بأفكارهن الليبرالية وعمق تجاربهن فيالنضال لنيل المرأة حقوقها, إذ اعتبر بعضهن أن كرمان قد خدمتها المصادفة والتوقيت!!.. ولعل أبرز إخفاقات كرمان إعلانها عن النضال من أجل مجلس انتقالي للثورة يعمل علي إدارة الحوار بين كافة القوي السياسية والاجتماعية من أجل حل مشاكل البلاد والوصول إلي أجندة وطنية واضحة, حيث لم يلق عرضها أي رضا أو تجاوب حتي بين قطاعات الشباب الثوري, لكن ما ظل يحسب لها بالفعل هو تمردها علي الطاعة الحزبية وقدرتها علي قول لا حتي داخل الحزب وخارجه, حيث تعتلي خطيبة الثورة اليمنية المنصة الخشبية في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء لتلقي خطابها فينصت لها مئات الآلاف من المتظاهرين لتهتف كرمان:
لن تضربوا قيدا علي حريتي
أنا أهدم الدنيا ببيت شارد
وأعمر الدنيا ببيت شارد
وعن المبادرة الخليجية جاء ردها المعلن جهرا: نشكر الأشقاء بدول الخليج الحريصين علي استقرار اليمن, ونعلم أن مبادرتهم جاءت حرصا علي اليمن, لكن حرصهم علي اليمن يجب أن يترجم إلي تلبية مطالب الشعب اليمني بإسقاط النظام الذي كان السبب بما لحق بهم وبجيرانهم, والذي تعامل مع دول الخليج مبتزا وليس جارا.. وتعد من أبرز القضايا التي أثارتها توكل علي ساحة الحرية قضية الجعاشن, وهي منطقة دائمة الخضرة تقع في ذيالسفال في محافظة إب, وكان الشيخ محمد أحمد منصور شيخ مديرية الجعاشن, وعضو مجلس الشوري اليمني قد طرد ثلاثين عائلة, بعد قيامه بدك منازلها, وإتلاف مزروعاتها, لرفض أفرادهادفع الجباية التي يفرضها عليها, وتبعا لما أذاعته توكل فإنه لدي ذلك الشيخ الجبار سجونا خاصة يقف عليها حراس غلاظ شداد يعتقلون بداخلها المواطنين الرافضين الدفع إملاقا أو تمردا, وبعد مرور سنة لم يزل أفراد من تلك العائلات يدورون بين مكاتب وبنايات الوزارات ومجلس النواب والشوري للبحث عن حل والاطمئنان علي ذويهم الغائبين دون جدوي, وبالرغم من صدور قرار من مجلس النواب عام2009 بعودة المعتقلين من السجن الخصوصي وتعويض عائلاتهم وإغلاق سجون منصور بالضبة والمفتاح, فإن ذلك الوضع التعسفي باق علي ما هو عليه لتؤكد صاحبة نوبل للسلام أنه من بعد قضية الجعاشن واختطاف النساء والاعتداء عليهن كما حدث مع الناشطة الزهراء صالح في الحراك الجنوبي التي اعتقلت لمدة ثلاثة أشهر, فإن تلك الإرهاصات تعلن إيذانا برحيل النظام الذيأصبح يسدد ضربات عشوائية تتجاوز جميع الخطوط الحمراء في سكة المثل يا رايح كثر من الفضائح..
و..لقد شهدت مسيرة كرمان قفزات متسارعة وواسعة وكبيرة أبرزها تخليها عن النقاب, ونقل نشاط منظمات المجتمع المدني إليالشارع من خلال الاعتصام الأسبوعي الذي كانت تنظمه في ساحة التغيير بما جعلها ناشطة ميدانية أكثر منها سياسية, إلي جانب أنها تقدم نموذجا مثاليا للدور المفترض الذي يمكن أن يلعبه الإسلاميون الجدد في إحداث تغيير في فكر وسلوك الحركات الإسلامية وسلوكها بما من شأنه ترسيخ التحول الديمقراطي, والاعتراف بالآخر, وكبح نزعات العنف.. وتكمن أهمية جائزة كرمان في كونها تعطي محفزا قويا للشباب الإسلامي علي الانفتاح علي العالم والغرب خاصة, وبلاشك فإن نوبل ستأخذ بخطاب كرمان الذي بدأته تجاه مزيد من العقلانية والتسامح والحوار للعب دور مؤثر للتقارب بين السنة والشيعة والإسلاميين والعلمانيين لتأسيس ثقافة التعايش والاعتراف بالآخر بدلا من ثقافة الإقصاء والتكفير والإلغاء.. ولقد كان أول خطاب ترسله توكل كرمان بعد نوبل إلي أوباما ووزيرة خارجيته جاء في بعض منه:
سعادة الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المحترم
سعادة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون المحترمة
تحية أخوية ملؤها الحب والسلام وبعد..
أجدني ممتنة لتهنئتكما لي ولزميلتي رئيسة ليبيريا الين جونسون سيرليف والناشطة السياسية الليبرالية ليماجبوي بمناسبة حصولنا علي جائزة نوبل للسلام لعام2011 بما يعد بمثابة تقدير للإنجازات الاستثنائية للحركة النسائية وللنشطاء المدنيين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية وحقوق المرأة.. وإنني لفخورة بشراكتنا في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية وحقوق المرأة خلال الفترة الماضية, وأعتز بأنني عملت خلالها في شراكة إيجابية مثابرة وجادة من أجل تلك المبادئ والحقوق الإنسانية باعتبارها قيما إنسانية عالمية, ويسعدني القول إنني سأحرص علي استمرار وتطوير تلك الشراكة في الحاضر والمستقبل بما يكفل تحقق تلك المبادئ وتمتع المواطنين بها في بلدي اليمن وخارجها..
لقد مثلت تهنئتكم أيضا تعبيرا عن التزام أمريكا وشعبها العظيم برعاية ودعم تلك القيم والمبادئ, وبشكل خاص اعترافا بالشباب اليمني الذي يقود مسيرة التغيير الديمقراطي في اليمن من خلال ثورته التي أذهلت العالم بسلميتها ولاتزال تقدم المزيد من الإدهاش والإعجاب.. لقد قرر أبناء بلدي التخلي عن سلاحهم وشرعوا في استكمال حريتهم بسلمية تجسد حضارة أمتنا فواجههم النظام ببطش وترويع بالغين ذهب ضحيته مئات الأبرياء والآلاف من الجرحي إلا أن أبناء شعبنا العظيم يصرون علي تحقيق أهداف ثورتهم كاملة والحفاظ علي سلامتها.. وأنني أدعو الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما وجدتها نصيرة للمظلومين وراعية للحقوق الديمقراطية في العالم أن تدعم تحركا دوليا من أجل اتخاذ إجراءات دولية تفضي إلي تجميد الأرصدة لكبار المسئولين ورموز النظام ومنعهم من السفر تمهيدا إلي إحالتهم للملاحقة والمحاكمة الدولية كمرتكبي مجازر ضد الإنسانية..
توكل عبدالسلام كرمان
القيادية في الثورة الشبابية الشعبية
الحائزة علي جائزة نوبل للسلام عام2011
ومن منطلق المنبر العالمي الذي جلست عليه توكل ترسل برقية شكر ثانية إلي رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني جاء فيها:
تحية طيبة وبعد..
أود بشكل خاص وباسمي وباسم أبناء شعبنا العظيم الذي يخوض أسطورة النضال السلمي منذ أكثر من ثمانية أشهر لنيل حريته أن أشكركم لدوركم الرافض للقمع والوحشية التي تقابل بها جموع الثوار السلميين في اليمن من قبل بقايا نظام الحكم الفاشل والمستبد, وأود أن أؤكد أننا وقبل أن نجد في جائزة نوبل عرفانا وتقديرا لنضالاتنا السلمية فقد وجدنا في دولة قطر الشقيقة النصرة والمساندة الأخوية التي سيظل شعبنا ممتنا لكم عليها..
ويحمل موكب نوبل الثائرة اليمنية إلي آفاق المستحيل حيث لم يعد هناك بعد نوبل والشراكة مع الولايات المتحدة في الدفاع عن الديمقراطية من مستحيل في أن تتولي رئاسة بلاد اليمن: بالتأكيد الرئاسة ليست بعيدة عني, وهناك من يشجعني للترشح مستقبلا.
ومع رشفات متتابعات من فنجان قهوة يمني محوج بالحبهان أعود ومن حولي أصداء ثورة اليمن المطالبة بإقصاء الرئيس عبدالله صالح, ونوبل كرمان2011 إلي ثورة سبتمبر اليمن عام1962 التي يصحبني فيها محسن العيني رئيس وزراء اليمن الأسبق ووزير خارجيته والمندوب الدائم السابق لدي الأمم المتحدة زوج الروائية اليمنية القديرة عزيزة عبدالله... إلي ماضي اليمن وبحور الرمال يأخذني الوزير ابن قرية الحمامي التي تبعد نحو خمسة عشر كيلو مترا عن صنعاء, الذي بدأ مسيرته يتيما يرعي الغنم بين سبعة من الأخوة ماتت عنهم الأم ثم الأب يلوذون إلي مكتب الأيتام وهو اسم المدرسة الابتدائية الوحيدة في صنعاء العاصمة التي أنشأها الأمير يحيي لتخريج الموظفين الكتبة للدوائر الحكومية, وفي مكتب الأيتام شيع العيني ابن السابعة عام1931 المئات من ضحايا الجوع الذين دفنوا في مقابر خزيمة جماعات, وكان الإمام يحيي بعد صلاة الجمعة يستعرض من نافذته بقصر غمدان طابور الجيش والطلبة, وكانت صنعاء صغيرة محاطة بالأسوار, تقفل أبوابها السبعة بعد الغروب, ولا تفتح إلا بعد الفجر عند الشروق, وتعيش في ظلام دامس, ووحدها دار الشكر, حيث يعيش الإمام وأسرته التي تضاء بالكهرباء من مولد صغير.. شوارعها غير معبدة ولكنها نظيفة.. ولم يكن فيها فنادق أو مطاعم, بل مجرد سماسر متواضعة ينزل فيها المسافرون مع دوابهم.. حتي السيارات كانت معدودة لا تتجاوز أصابع اليد, حتي ليقال إن الإمام يحيي عندما قتل في سيارته في ضواحي صنعاء, لم يجدوا ما ينقلون عليه الجثمان إلا سيارة كبير اليهود جشوش.. ويختفي الكبريت والجاز الذي يستخدم للإضاءة في صنعاء عاصمة اليمن, ويقال إن البحر مغلق, فإذا جاء الجاز والكبريت فذلك يعني أن البحر قد فتح.. وينتقل العيني إلي المدرسة المتوسطة التي تفتتح للمرة الأولي في اليمن تحت إشراف وزير المعارف الأمير سيف الإسلام عبدالله الذي كان قد حضر اجتماعات جامعة الدول العربية واحتك برجالات العرب الذين شجعوه علي إقناع والده الإمام وأسرته بضرورة الانفتاح علي العالم ونشر التعليم واستقدام المدرسين العرب, وإرسال الطلاب اليمنيين إلي المعاهد العربية..
وتصل المجموعة الأولي من المدرسين المصريين واللبنانيين وتنتعش الحركة السياسية والفكرية في صنعاء.. يصل الورتلاني المناضل الجزائري, وجمال جميل الضابط العراقي معلم الجيش اليمني, والدكتور أحمد فخري عالم الآثار المصري الشهير, وتصل سرا إلي صنعاء صحيفة صوت اليمن التي كان يصدرها اليمنيون الأحرار في عدن.. ويسمع الشباب في اليمن لأول مرة كلمات: الظلم والطغيان والاستبداد والحرية والتعليم والإصلاح والعدل.. وتشاهد اليمن للمرة الأولي سيارات الجيب الأمريكية بوصول وفد أمريكي برئاسة الكولونيل إدي الذي أهدي إلي الإمام المعجزة.. محطة إذاعة صغيرة.. كان يفتحها في الصباح بمفتاح بدوبارة يضعه في جيبه ويغلقها قبل ذهابه للنوم, وكان حفل تسليم الإذاعة بمثابة يوم العيد, حيث تدافع الناس علي أصناف الحلوي التي يشاهدونها لأول مرة.. ويأتي عام1947 ليتم اختيار أربعين طالبا من مدارس صنعاء وذمار والحديدة وتعز للدراسة في الخارج.. في لبنان.. ويتوقف طلبة البعثة في الحديدة, حيث ذهبوا لصلاة الجمعة ليلاحظوا للمرة الأولي أن المصلين يضمون أيديهم, ويقولون بصوت واحد آمين بعد انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة. ففعلوا مثلهم, ولما انتهوا سألهم البعض: لماذا ضممتم؟ ولماذا قلتم آمين؟ فهذا ما يفعله الشوافع أتباع الإمام الشافعي, وأنتم زيود, وفي المذهب الزيدي لا ضم ولا آمين بعد الفاتحة. فقالوا وما الفرق؟ ألسنا جميعا مسلمين؟!.. واليمنيون يصلون خلف أي إمام, دون أن يسألوا عن مذهبه, والمذهب الزيدي في حقيقته أقرب المذاهب إلي السنة كما جاء في رأي الشيخ محمد أبوزهرة.. وفي عدن ذهب أعضاء البعثة إلي السينما للمرة الأولي في حياتهم, وشاهدوا فيلم عنتر وعبلة.. ولم ينم أحد منهم بعدها أياما.. إعجابا وذهولا!!
وقد قام مندوب الإمام بشراء البذلات الحديثة اللازمة لأعضاء البعثة, ولما طالبوه بالطربوش الأحمر, قال إنه غير ضروري وليس موجودا في عدن, وكانت صورة الطالب المصري المثالي في الأذهان والخيال مرتبطة بالطربوش, فلما ازدادوا تمسكا به قال المندوب: فور نزولكم من الباخرة في السويس سيستلم كل واحد منكم طربوشه من ممثل السفارة اليمنية الذي سيكون في استقبالكم علي رصيف الميناء.. وقد سافر الوفد من عدن علي الباخرة الحق التابعة لشركة ألبس, آخذين معهم مطبوعات اليمنيين الأحرار صوت اليمن واليمن المنهوبة المنكوبة.. الخ.. وقبيل وصول الباخرة إلي ميناء السويس ألقوا بالمطبوعات في البحر, فقد كان تصورهم أن ممثل الإمام سيكون في الميناء, بل ربما أن الملك فاروق شخصيا سيكون في شرف استقبالهم علي الرصيف!.. السويس المدينة التي أمضوا في فندقها ليلة العيد وكان البعض من أبناء الأسر الصنعانية يبكون طول الليل لأنه أول عيد لهم يقضونه بعيدا عن أسرهم.. وفي اليوم التالي تحركت السيارات إلي القاهرة ليتوقفوا أكثر من مرة تقدم إليهم فيها زجاجات الكوكا كولا التي تغامزوا عليها خشية أن تكون خمرا.. وعند تشجيعهم علي شربها, كانوا رغم العطش يتركون ثلثها أو ربعها ويلومون من يشربها كاملة قائلين له ألا يترك شيئا للخادم؟!.. وفي القاهرة نزلوا في لوكاندة أكستادي في شارع فؤاد الأول 26 يوليو أمام الأمريكين.. وكانت المشكلة في تناول الطعام استخدام الشوكة والسكين.. فكان البعض يأخذ الفرخة بيده, وسرا يفصصها ويفتتها تحت المائدة, وبسرعة يضعها علي الطبق, ثم يتباهي بأكلها بالشوكة والسكين بكل بساطة وشجاعة.. وقد زاروا حديقة الحيوان.. وكان السير في طابور واحد.. ووقف المصريون يتفرجون عليهم ويسألون: من أين أنتم؟ وعندما يجيبون: من اليمن يقولون أجدع ناس! وهل تتكلمون اللغة العربية هناك؟!.
لقد بدأ الشعب اليمني نضاله لتغيير أوضاعه بثورة أطاحت بالإمام يحيي وحكمه عام1948, وكانت هذه الثورة قبل أية ثورة في الوطن العربي كله, ورغم فشلها واستعادة الإمام أحمد العرش في أقل من شهر, فقد عاود الشعب انتفاضته في عام1955, ثم واصل الجيش والقبائل والطلاب انتفاضتهم حتي كتب لثورة الشعب أن تطيح بالنظام الإمامي الكهنوتي, وتعلن الجمهورية في السادس والعشرين من سبتمبر..1962 وإذا ما كانت مصر الجمهورية العربية المتحدة آنذاك قد هبت يومها لمساعدة اليمن فما ذلك إلا لأن السعودية في الشمال كانت قد احتضنت الإمام وأسرته وأصرت علي فرضه علي الشعب اليمني, ووقفت بريطانيا في الجنوب موقفا عدائيا, فلم يجد اليمنيون بدا من طلب العون, وكانت مصر بحكم مسئولياتها القومية أقدر وأسرع من لبي النداء.. و..تمر الثورة اليمنية بمرحلة خطيرة فيعقد مؤتمر خمر الذي يشترك فيه خمسة آلاف عضو مثلوا جميع مناطق اليمن وقبائله وفئاته, وحتي المتمردون أرسلوا من يمثلهم, والذين تخلفوا أرسلوا اعتذارات أعلنوا أنهم سيؤيدون قرارات المؤتمر من جانبهم.. ويذهب العيني مع وفد السلام اليمني لملاقاة عبدالناصر في منزله بمنشية البكري بحضور السادات وعبدالحكيم عامر قائلين إن اليمن قد مل الحرب وسئم القتال وتضرر من العنف الذي تعيشه البلاد علي مدي نحو ثلاث سنوات وقد دعا مؤتمر خمر لمخطط متكامل لإنهاء الحرب وإحلال السلام وقد أتي الوفد للرئيس المصري لاطلاعه علي ذلك المخطط فأجاب عبدالناصر إني سعيد جدا بالنشاط الذي تبذلونه فللمرة الأولي يشعر الناس بوجود حكومة يمنية لها سياستها وشخصيتها, وربما يقول لكم البعض: إننا غير مرتاحين إلي وجود الحكومة الجديدة التي تبرز الشخصية اليمنية. فلا تصدقوا وتأكدوا أنني أسعد الناس بقيام حكومة نشيطة تثبت وجودها.. وأنتم تعرفون ما قدمته الجمهورية العربية المتحدة وما تتحمله في سبيل اليمن, وتعرفون أننا نتعرض لمتاعب كثيرة ولضغوط خارجية, ولم نكن نتصور أن الأمور ستسير بهذاالشكل وأن المعركة ستطول.. اعملوا ما تريدون, امضوا ولن تجدوا منا أية معارضة, ونحن نرجو لكم النجاح.. بقيت مسألة المساعدات.. إن ظروفنا هذه السنة ليست طيبة, وأمريكا بسبب اليمن, منعت عنا القمح بنحو ثمانين مليون جنيه, وعلينا الآن أن تشتري القمح, وهذا يكلفنا شهريا نحو سبعة ملايين ونصف المليون بالعملة الصعبة.. ومن ناحية أخري أحب أن أوضح أيضا أن قواتنا في اليمن يمكن سحبها ليس فقط إذا طلبتم أنتم, بل وإذا أردنا نحن. أي أن الموضوع ليس في أيديكم وحدكم, إنه في أيدينا أيضا.. وأكرر أمامكم الآن أنه ليست لنا أية مصلحة في البقاء في اليمن, وهناك من يتحدث عن استعمار مصري لليمن هو فيه حد كان رضي يستعمركم!.
إن ثورة اليمن2011 السلمية الأهداف والضمائر قد حولها إصرار صالح العبثي اللامجدي للبقاء علي الكرسي إلي بحر لا ينضب من الدماء الزكية غرقت في لجتها بالأمس علي ضفاف جامع القبة الخضراء بصنعاء الثائرة عزيزة عبده عثمان 25 سنة تلميذة توكل كرمان التي ستتوجه في10 ديسمبر المقبل إلي أوسلو لتسلم جائزة نوبل التي أهدتها لحظة إبلاغها بها إلي الشعب اليمني المرابط في الساحات..
و..بعد إن ما قاله عبدالسلام خالد كرمان عن ابنته توكل كرمان لم يكن سوي مداعبة من الوزن الثقيل ندركها نحن الأبناء ونستدعيها ونستوعبها ونشاغب لاستجلابها واستحلابها واجترارها من فم الحبيب, فلكل والد لازمة في الكلام تهبط علي الأذن العطشي في أي سن كان الأبناء فيزغرد الوجدان, وليتها دامت أيام كان الغالي فيها يناديني بفم عذب الخصام والوئام بقوله المحبب المسافر للبعيد: تعالي لحضن بابا يا قليلة الأدب!!
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.