مزيج من القلق والأمل. هكذا يمكن وصف المزاج العام المسيطر في مصر في هذه المرحلة,والذي حاول مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية التعرف عليه من خلال دراسة ميدانية تم إجراؤها في الفترة من21:11 سبتمبر2011 . علي عينة حجمها2400 من المواطنين, موزعين علي جميع محافظات مصرمزيج القلق والأمل الذي ظهر في الاستجابات التي حصلنا عليها من المواطنين في هذا البحث هو نفسه الذي ظهر لنا عندما أجرينا بحث مماثلا في أغسطس الماضي, ومع هذا فإن التغيرات التي لحقت باتجاهات المواطنين خلال الشهر الفاصل بين البحثين تشير إلي زيادة مستوي القلق علي حساب الأمل, وهو ما يبينه الشكل رقم1: شكل 1 زيادة مستوي الشعور بالانزعاج والقلق بين المصريين لا يجب أن يكون مستغربا عندما نأخذ بعين الاعتبار التطورات التي شهدتها البلاد خلال الفترة السابقة علي إجراء هذا البحث, وخاصة فيما يخص الملف الأمني, بالإضافة إلي استمرار التعثر الاقتصادي, وقد انعكس هذا بشكل واضح علي الأولويات التي عبر عنها المواطنون, فبينما ظلت الهموم الاقتصادية تحتل المكانة الأولي في اهتمامات المواطنين, فقد طرأت زيادة كبيرة في الأهمية التي يوليها المواطنون للوضع الأمني غير المستقر, وهي الزيادة التي جاءت علي حساب كافة الأولويات الأخري, وهو ما يظهر بوضوح في شكل رقم2: شكل 2 الزيادة الكبيرة في الشعور بوطأة التدهور الأمني تترك آثارها علي الاتجاهات السائدة بين المصريين بأشكال مختلفة, ففي إجابتهم عن السؤال المتعلق بأسوأ السيناريوهات التي قد تحدث في مصر, جاء عدم الاستقرار والفوضي باعتباره أسوأ السيناريوهات المحتملة, وبينما كان الأمر كذلك أيضا في الدراسة السابقة التي تمت في شهر أغسطس, فإن الشعور بوطأة الوضع الأمني ومخاطر الفوضي زاد كثيرا هذه المرة عما كان عليه في المرة السابقة, فارتفعت نسبة من اعتبروا الفوضي هي الخطر الأكبر من58.7% إلي70.6%, فيما انخفضت نسبة القائلين بأن سيناريو سيطرة الإسلاميين علي الحكم هو الأسوأ من19.6% إلي17.5%, وكذلك انخفضت نسبة المتخوفين من الحكم العسكري بما قيمته خمسين بالمائة بالضبط, فتراجعت من17.2% إلي8.6%, وهو ما يبينه الشكل رقم3: القلق علي الأوضاع الاقتصادية والخوف من الفوضي ترفع من شأن ما يعتبره المواطنون قوي النظام والاستقرار, وبالطبع فإن الجيش يأتي في مقدمة هذه القوي, بينما تقترن الظاهرة نفسها بتراجع مستويات الثقة والتأييد لمؤسسات المجتمع المدني والهيئات السياسية خاصة الأحزاب. وهو ما نلاحظه في الشكل رقم.4 وربما كانت المفارقة الأهم في هذا السياق هي أنه في الوقت الذي انفتحت فيه لمصر فرصة حقيقية لتغيير ديمقراطي عميق, فإن المؤسسات التي من المفترض لها أن تحمل علي عاتقها هذه المهمة تبدو ضعيفة وفاقدة لثقة المواطنين, وهو الوضع الذي لا يمكن اعتباره مواتيا لإصلاح ديمقراطي عميق. شكل 12 غير أن هذه الوطأة الشديدة للحالتين الأمنية والاقتصادية, وارتفاع مستوي الثقة في الجيش مع انخفاض مستويات الثقة في المؤسسات السياسية المدنية, كل هذا لم يؤثر في عمق رغبة المصرين في إقامة نظام مدني ديمقراطي, فالشعب المصري فيما يخص قضية صورة المجتمع المرغوب كان وما يزال منقسما بين تكتلات ثلاثة تكاد تكون ثابتة الحجم, أكبرها هو تلك الكتلة التي تتمني دولة مدينة ديمقراطية, وهي الكتلة التي يزيد حجمها قليلا عن الخمسين بالمائة, يليها كتلة الساعين لبناء دولة إسلامية, والتي يتراوح حجمها حول الأربعين بالمائة, فيما تبقي كتلة ثالثة لا يزيد حجمها عن عشرة بالمائة من السكان ويتركز حلمها في وجود دولة قوية حتي لو لم تكن ديمقراطية, وهو ما نجد تجسيدا له في الشكل رقم5: ونحرص في كل بحث من بحوث هذه السلسلة علي التعرف علي اتجاهات الرأي العام فيما يخص بعض القضايا المثارة علي الساحة السياسية, ومن بين القضايا التي اهتممنا بها هذه المرة الموقف من إسرائيل والعلاقات المصرية الإسرائيلية, وهي القضية التي دار بشأنها جدل واسع بعد الاعتداء الذي راح ضحيته عدد من الجنود والضباط المصريين علي الحدود بين مصر وإسرائيل. وبينما لا يوجد شك في أن الغالبية من المصريين شعروا بغضب عميق بسبب هذا العدوان, إلا أن القطاع الأكبر من المصريين اتسم بدرجة عالية من ضبط النفس والسيطرة علي المشاعر, وما ما يمكن ملاحظته في الشكلين رقم6 و.7 فالغالبية من المصريين بنسبة59% مازالوا يفضلون المفاوضات سبيلا للوصول إلي حل للقضية الفلسطينية, يليهم في ذلك كتلة كبيرة تبلغ نسبتها37% تري ضرورة زيادة الضغوط علي إسرائيل ولكن دون الوصول إلي حد المخاطرة بالحرب. أما النسبة من المصريين التي تري البدء بالاستعداد للحرب, وصلت إلي4% فقط. اتجاهات شبيهة عبر عنها المصريين فيما يخص العلاقات المصرية الإسرائيلية, فالقسم الأكبر من المصريين, والذين تبلغ نسبتهم57%, يرون أنه يجب الإبقاء علي المعاهدة مع تعديلها, فيما يري قسم أصغر تبلغ نسبته28% أن المعاهدة يجب الإبقاء عليها كما هي, وهو فيما يبدو القسم من المواطنين الأكثر حذرا, والذي يخشي من انزلاق البلاد إلي صراعات خارجية خاصة في هذه المرحلة, وفيما عدا ذلك فإن هناك نسبة بلغت15% من المصريين يرون الاستعداد للحرب, باعتبارها اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل. هذه هي بعض ملامح الاتجاهات السائدة في الرأي العام المصري في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد, والتي يتطلع المصريون لاجتيازها نحو نظام سياسي مستقر وديمقراطي, أما الطريق لهذا التجاوز فيمر عبر عمليتين انتخابيتين, الأولي لمجلسي الشعب والشوري والثانية لرئيس الجمهورية, وهو ما حاولنا التعرف علي اتجاهات المواطنين بشأنهما في هذه الدراسة. كان ضروريا في البداية أن نتعرف علي نية المواطنين, وفيما إذا كانون ينوون التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة, وهو ما يبينه الشكل رقم.8 وربما من أهم ما يلفت النظر في هذا الشكل هو النسبة العالية من المصريين التي تنوي التصويت, والتي زادت علي السبعين في المائة. ولكن يلفت النظر أيضا أن نسبة المصريين الذين ينوون التصويت قد تراجعت بين شهري أغسطس وسبتمبر ولو بنسبة قليلة. وبينما يمكن تفسير هذا التراجع بحالة الإحباط التي عرفت طريقها إلي جزء من المواطنين في الفترة الأخيرة, فإن المؤكد أن استمرار هذا الاتجاه يمثل خطورة كبيرة علي جودة النظام السياسي الجديد, وعلي تمثيله لكافة شرائح وفئات المصريين. الأحزاب السياسية هي أهم الجديد في الانتخابات البرلمانية, فبينما عرفت مصر الأحزاب السياسية منذ عدة عقود, إلا أن السياق السياسي والتشريعي الجديد, والذي يسر عملية تشكيل الأحزاب وحررها من القيود الحكومية الثقيلة, فإنه أيضا قام بتخصيص ثلثي مقاعد مجلس الشعب للمرشحين الحزبيين وفقا لنظام القوائم. ولهذا فقد سألنا الناس عن انطباعاتها عن الأحزاب السياسية, وما إذا كانت تكون لها صورة إيجابية أو سلبية, ويبين الشكل رقم10 اتجاهات المواطنين تجاه مجموعة من الأحزاب الرئيسية. ويلاحظ في هذا الشكل أن حزب الوفد يأتي في مقدمة الأحزاب السياسية المصرية من حيث تمتعه بمشاعر المواطنين الإيجابية, يليه في ذلك حزب الحرية والعدالة, بينما تأتي الأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطني المنحل في ذيل القائمة. غير أن السؤال يظل قائما حول قدرة الأحزاب المختلفة علي تحويل هذه المشاعر الإيجابية إلي أصوات انتخابية ومقاعد في البرلمان, وهذا سؤال يتعلق بانضباط وفاعلية التنظيم الحزبي, كما يتعلق بالتغلغل في القري والأحياء, وبالارتباط بجماعات المصالح المحلية من عائلات وغيرها. ولكن في هذه المرحلة فإن تفضيلات الناخبين فيما يتعلق بالتصويت تبدو كما هو مبين في الشكل رقم11 ومن المهم في دراسة النتائج الواردة في هذا الشكل التمييز بين التأييد الذي يحصل عليه الحزب السياسي بين إجمالي الناخبين, الذين مازالت النسبة الأكبر منهم والتي تدور حول نسبة55% لم تحدد موقفها بعد, هذا من ناحية, أما من ناحية أخري فهناك نسبة التأييد التي يحصل عليها الحزب بين الناخبين المؤكدين, والتي تزيد في الأحوال عن النسبة الأولي. أما فيما يخص الانتخابات الرئاسية, والتي مازالت بعيدة زمنيا وغير محددة الموعد, كما لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني رسمي بشأنها, فإن الصورة تبدو كما هو وارد في الشكل رقم12, والذي يعرض لطبيعة المشاعر السائدة بين المواطنين إزاء المرشحين المختلفين للرئاسة. أما فيما يتعلق بالكيفية التي ستنعكس بها هذه المشاعر علي تصويت الناخبين في انتخابات الرئاسة المقبلة, فإن هذا هو ما يعرضه الشكل رقم13, وفيه يبدو الانسجام والاتساق بين المشاعر واتجاهات التصويت, حيث يأتي السادة عمرو موسي وأحمد شفيق وعمر سليمان وحمدين صباحي في المقدمة علي مستوي المشاعر كما علي مستوي التصويت.