هذه هي فلسطين تحتل بكل جدارة مكانة الصدارة في الساحة العالمية, وقد رفع رئيسها صيحة المطالبة بحق فلسطين في الاستقلال والسيادة علي أرضها بعد ستين عاما من الاحتلال والتقسيم والتشتيت, كان الأمل عظيما بكل معاني الكلمة, خاصة بعد ربيع تحرك الشعوب العربية بدءا من تونس ومصر. كان الأمل عظيما... ثم تراكمت مؤشرات لم تكن في الحسبان 1 السيدة الفاضلة ليلي لابدي, أستاذة علم الإنسان وعلم النفس الطبي هي الآن وزيرة تونس لشئون المرأة منذ ثورة يناير الماضي, ذهبت الي نيويورك بدعوة من هيئة الأممالمتحدة لحضور الجمعية العامة, تصورت أن انتباه العالم سوف يتزايد بالنسبة لمنطقتنا, وتصورت كذلك أن الربيع العربي مهم, وأن وجودي يستحق شيئآ غير الترحاب والصور الجماعية, وتساءلت: ماذا حققته بالنسبة للمرأة التونسية؟ وأضافت أن أحدا لم يهتم بالسؤال عن مشروعاتها في مجال تمكين الفتيات من التعليم الأولي, لم يهتم أحد, لا السيدة كلينتون وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة, ولا رئيسات وفود الدول الأخري اللواتي لم يتوقفن حتي لمجرد السلام, ثم أضافت: كان الاهتمام هو بمدي تأثير الثورة علي موقف تونس من الصراع العربي الإسرائيلي.. استمر هذا الجو من الاعمال بالنسبة لما أطلق عليه الإعلام الربيع العربي بينما حرص هوجو شافيز رئيس فنزويلا, من مقر علاجه من السرطان في كوبا, أن يرسل خطابا خاصا لأمين عام الأممالمتحدة يطالبه بالموافقة علي اقامة دولة فلسطينية مستقلة, وأخيرا حرص وزير خارجية تونس السيد محمد كامل كافي علي الاعراب عن أمله, في أن تلحق الدول العربية قريبا بمصاف الدول الديمقراطية المتقدمة في العالم بقوله: أتمني أن تختتم هذه السيمفونية الناقصة التي نعزفها الآن بلحن نشيد السعادة الذي وضعه بيتهوفن( وهو آخر مقطع السيمفونية التاسعة). رأيت أن أقدم صورة متكاملة لهذه التجربة كما عرضت لها جريدة نيويورك تايمز في عددها يوم23 سبتمبر الحالي, دون تعليق أو مبالغة. 2 وفي الوقت نفسه, وقبل أن يتحدث السيد محمود عباس كان الموضوع المفضل هو اطراء حملة الدول الغربية للقضاء علي العقيد معمر القذافي حيث كان لطلعات حلف الأطلنطي الجوية الدور الرئيسي في تدمير قوات الجماهيرية الليبية, وفي هذا هرول سفير الولاياتالمتحدة جينج كريتس الي رفع العلم الأمريكي علي مقر السفارة القديمة التي تولاها أيام رئاسة العقيد القذافي, ثم عاد إليها بعد اقصاء النظام السابق, وذلك بعد مشاركته في ندوة اقامتها وزارة الخارجية الأمريكية بمشاركة150 شركة أمريكية تأمل في العمل في ليبيا, وقد جاء حديث السفير القديم الجديد ليحدد مغزي تحرير ليبيا وأهداف الديمقراطية بها, قائلا: نعلم جميعا أن النفط هو الجوهرة علي تاج الموارد الطبيعية الليبية, وكانوا يحاولون أيام القذافي اقامة البنية التحتية وأشياء أخري منذ ست سنوات عندما انفتحت ليبيا علي الغرب, فإذا نجحنا أن نستجلب شركات أمريكية الي هنا علي نطاق واسع فإننا سوف نحاول القيام بكل ما نستطيع القيام به لانجاز هذه المهمة, وعندئذ لاشك أن هذا الأمر سوف يحسن الموقف في الولاياتالمتحدة بالنسبة لإيجاد فرص عمل لدينا نيويورك تايمز2011/9/24. نفس الأجواء انتشرت في القطاع الأوسع من الإعلام الغربي لمحاصرة وقفة محمود عباس التاريخية علي ساحة هيئة الأممالمتحدة, وكأن الهلع انتشر علي غير موعد, فهذه مثلا قصة برنامجDateline الشهير الذي تطلقه القناة البريطانية بي.بي.سي يوم السبت, إذ يجتمع نخبة من مراسلي الصحف العالمية في لندن حول منسق البرنامج لمناقشة عدد من الموضوعات المهمة دون مجاملة, وكان الموضوع الأول في هذا البرنامج يوم السبت24 سبتمبر الحالي هو بطبيعة الأمر موضوع استقلال فلسطين, وقد حرص المنسق علي أن يختار اثنين من أربعة مشاركين من الاتجاه الصهيوني الإسرائيلي, ثم استبعد السيد عبدالباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي, ليحل محله مشارك خليجي, ثم أضاف الي هذا الطاقم كاتبة بريطانية مرموقة من أقصي يمين حزب المحافظين, فكانت النتيجة الطبيعية أن اتجه البرنامج الي التنديد بالتحرك الفلسطيني ومحاصرة المشارك الخليجي الأعزل, وكأن المسألة هي اجهاض حق فلسطين في دولتهم مثل بقية شعوب العالم.وقد تأكد هذا التوجه السريع عندما بادر مندوب الرباعية السيد توني بلير, رئيس وزراء حكومة العمال البريطانية الأسبق وشريك الرئيس جورج دبليو بوش في شن حرب الدمار ضد العراق, الذي راح يتصل بالقيادة الفلسطينية ليحاول استبعاد تحركها تجاه الاستقلال في مقابل العودة من جديد الي المفاوضات مع الدولة الصهيونية التي لم ولن تتوقف عن بناء المستوطنات علي أرض الضفة الغربيةالفلسطينية العربية. هذا بينما تقدمت فرنسا بمشروع توفيقي وسطي جديد يتيح التقدم الي نصف عضوية في الجمعية العمومية لهيئة الأممالمتحدة بدلا من العضوية الكاملة التي لايمكن أن يقرها إلا مجلس الأمن حيث الفيتو الأمريكي المؤكد, ومعه عدد من الآراء السلبية لدول غربية أخري. هل تري يقتصر الأمر علي حصار التحرك العربي, وهوأمر يتصل عبر العقود التي تلت الاحتلال العسكري المباشر؟ ألا يجدر بنا أن نسعي الي ادراك الجديد في دوائر العالم الأخري بالنسبة لمستقبل الربيع أو الخريف في ديارنا؟ المزيد من مقالات د.أنور عبد الملك