يحمل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دائما الكثير من الجدل حول الملف النووي الايراني فتارة يؤكد مخاوف لدي الوكالة من النشاط الايراني وتارة أخري يؤكد عدم وجود أدلة تفيد بوجود شبهه عسكرية وتارة أخري يؤكد وصول معلومات من دول غربية عن نشاطات سرية للعلماء النويين الايرانيين حتي أصبح اجتماع مجلس محافظي الوكالة علامة استفهام كبري. ومازاد هذه الحيرة لدي المراقبين هو الاجتماع الاخير الذي حمل قمة التناقضات فقد صرح يوكيا امانو مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن ايران باتت تتحلي بالمزيد من الشفافية في العلاقات مع الوكالة عما كان عليه الحال في السابق وهو مؤشر جيد وربما يكون عاملا مؤثرا في تفعيل الاقتراح الروسي الذي ينص علي تقليل العقوبات الاقتصادية ضد ايران في حالة التعاون والرد علي استفسارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو اقتراح لاقي استحسان الجميع وان لم تتم الموافقة عليه بعد. اما التناقض في تصريح يوكيا امانو فهو اعرابه عن قلق الوكالة الدولية المتزايد من احتمال قيامايران بأية اعمال تتعلق بالمجال النووي لم يتم الكشف عنها بمشاركة هيئات ذات طابع عسكري, بما في ذلك العمل علي تطوير الشحنات النووية للصواريخ الذي لا تزال الوكالة تتلقي المعلومات حوله, ولكن الامر الذي قد يحدث شرخا جديدا في العلاقة بين ايران والوكالة الدولية هو ما أضافه امانو في تصريحه ان طهران لا تتعاون مع الوكالة بالشكل المطلوب لكي تتمكن الاخيرة من تأكيد عدم وجود مواد نووية غير معلن عنها او اعمال سرية في هذا المجال وهو تلميح غير مباشر عن ان هذه الشكوك تحوم حول تخصيب اليورانيوم في منشأة فورود تحت الارض وهي الخطوة التي انتقدها المجتمع الدولي واعتبرها خطوة استفزازية وتحديا لقرارات الاممالمتحدة. مثل هذه الشكوك أدت الي الحديث في الفترة الاخيرة عن احتمال توجية ضربة عسكرية استباقية وقائية ضد المنشآت النووية الايرانية للحيلولة دون حصول طهران علي أسلحة نووية بحسب ما يزعم به الغرب وهو التصريح الذي خرج علي لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عندما ألمح الي ان ايران تتحدي قرارات الاممالمتحدة ومجلس الامن وان طموحات ايران العسكرية النووية والصاروخية تشكل تهديدا متناميا يمكن أن يؤدي إلي ضربة وقائية للمنشآت الإيرانية, الأمر الذي سيؤدي إلي أزمة كبيرة وهو التصريح الذي انتقدته طهران بشدة وردت عليه بعبارات عنترية وشديدة اللهجة بجعل السماء قطعة من نار وصد اي عدوان ضد ايران بكل قوة بل وصل الي حد مطالبة الرئيس الفرنسي بإغلاق فمه حتي لا تسقط منه التصريحات وعدم نشر الشائعات ضد ايران الامر الذي يهدد استقرار المنطقة. وربط العديد من الخبراء والمحللين بين ما صرح به الرئيس الفرنسي ساركوزي وبين التقرير الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدها بأيام قليلة وقبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة وأعلنت فيه أنها قلقة من إحتمال ان يكون البرنامج النووي الايراني ذا طابع عسكري علما بأن ايران تستمر في زيادة انتاج اليورانيوم القليل التخصيب. و لجأت ايران الي خيارين لا ثالث لهما مع الابقاء علي الاقتراح الروسي كورقة أخيرة يمكن اللعب بها عندما تتأزم الامور. أما الخيار الاول فيتعلق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية فعندما تتعامل ايران مع الوكالة فهي تحاول دائما ان تظهر للعالم تعاونها الكامل مع الوكالة ومن هنا تبدأ سياستها فمن المعروف ان محطة بوشهر الكهروذرية سيتم افتتاحها قريبا وهي فرصة مثالية امام طهران كي تثبت للعالم سلمية برنامجها النووي وليس لديها ما تخفيه فوجهت دعوة رسمية الي المدير العام للوكالة الدولية يوكيا امانو لحضور مراسم الافتتاح. وأضافت الي ذلك بعدم وجود عقبات اذا أبدي الرغبة في تفقد منشآت نووية ايرانية وهي دعوة تحمل في طياتها رسالة بتفقد المنشآت النووية الايرانية لتفند الهواجس والمخاوف لدي الوكالة. ولكن في الوقت نفسه لاتريد ان تظهر في الموقف الاضعف لذلك وضعت شرط تراه مقبولا وقد يلامس هوي بعض الدول مثل روسيا والصين اقوي حلفاء ايران ويمثلان ثقلا في المجتمع الدولي وهذا الشرط هو أن تظهر الوكالة عدم انصياعها لضغوط الدول المعادية لطهران فهي تريد ألا يقع اعضاء مجلس محافظي الوكالة تحت تأثير الولاياتالمتحدة وبعض بلدان اوروبا الغربية. أما الخيار الثاني فهو متعلق بالدول الغربية وفي نفس الوقت يسير في نفس الاتجاه مع الخيار الاول بمعني انه لاتعارض بينهما او ان احدهما قد يلغي الآخر بل من الممكن ان نقول انه مكمل للخيار الاول فمن الجدير بالذكر ان فرنسا شككت في عرض ايران للوكالة الدولية بالسماح لها بتفتيش كافة مواقعها النووية مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها اي ان فرنسا شككت في الخيار الاول ومن هنا كان الخيار الثاني الذي فكرت فيه ايران ويتعلق بالدول الغربية ولكن بمساعدة الحليف الاول لها روسيا التي بدأت التمهيد لعرض ايران الثاني فكما نعلم ان روسيا تتبني لغة الحوار مع ايران وتنادي به منذ وقف المحادثات بين ايران ومجموعة(5+1) في تركيا في يناير الماضي دون التوصل الي حل يرضي جميع الاطراف وكان الاقتراح الروسي خير دليل علي ذلك فمنذ فترة وروسيا تنادي بالعودة الي طاولة المفاوضات وحل جميع المسائل المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني عن طريق الحوار مع ايران ولا يوجد بديل للموقف السياسي الدبلوماسي وضرورة البحث عن حلول وسط تسمح بالتقدم نحو ازالة كافة الشكوك حول الطابع السلمي البحت للبرنامج النووي الإيراني وبذلك عندما تقدم ايران عرضها يصبح ذات قيمة وكأنه منحة ايرانية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستوافق الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي او ما يعرف بإسم مجموعة(5+1) بالموافقة علي العرض الايراني بشأن العودة الي طاولة المفاوضات ام انها حيلة ايرانية جديدة للتحايل علي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بعد محاولتها كسر الحظر العلمي الذي فرضته الاممالمتحدة عليها.