فرضت التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية نفسها علي أجواء ثاني تجربة انتخابية تشهدها دولة الامارات24 سبتمبر الحالي لانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي' البرلمان' الذي يعين حكام الامارات السبع نصفهم الآخر.. حيث تقرر زيادة حجم الهيئة الانتخابية الي نحو130 ألف ناخب, يشكلون نحو35% من المواطنين الذين يحق لهم حق التصويت.. ويتجاوز هذا الرقم بكثير الحد الأدني لأعضاء الهيئة الانتخابية الذي نصت عليه تعديلات التي جرت أخيرا علي قانون الانتخابات ويبلغ12 الف ناخب, كما يشكل زيادة ملحوظة في عدد المشاركين في الانتخابات, في أول تجربة برلمانية تمت في عام2006 وشارك فيها6800 ناخب. ورغم أن الحراك السياسي في العالم العربي, الذي بدأ في التطور بشكل متسارع مطلع العام الحالي معلنا عن' الربيع العربي' لم يكن له تأثير مباشر علي دولة الامارات- ثالث أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم- الا انها كما هو الحال مع دول عربية خليجية أخري, سارعت باتخاذ خطوات عملية لتجاوز موجة الاضطرابات كما تصفها من بينها توجيه انفاق ضخم للتنمية في عدة مناطق خاصة بالامارات الشمالية, بينما علي الجانب الخاص بتعزيز المشاركة السياسية جاء قرار زيادة حجم الهيئة الانتخابية, حيث يشير أنور قرقاش وزير الدولة لشئون المجلس الوطني الاتحادي الي ان الاضطرابات في العالم العربي دفعت الامارات للتفكير في هذه الخطوة. ويقول' أظهرت الاحداث السياسية في العالم العربي أن الحراك السياسي قد يحتدم فجأة وهو ما يتطلب خطة لحماية أمن بلدنا واستقراره الاجتماعي والسياسي'. وكانت الامارات قد شهدت في مارس الماضي مطالبات عبر' الفيسبوك' موجهة الي رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان تدعو الي انتخابات جميع اعضاء المجلس الوطني عن طريق بالاقتراع المباشر, اضافة الي تعزيز صلاحيات المجلس الشريعية و الرقابية. وأجريت أول انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي البالغ عددهم40 عضوا في عام.2006 واختار وقتها نحو6800 شخص يمثلون أقل من واحد في المئة من مواطني الامارات نصف أعضاء المجلس.. ويختار حكام الامارات السبع مجموعة الناخبين الذين يمكن أن يرشحوا أنفسهم أو يصوتوا لآخرين, ويختار الناخبون نصف الأعضاء بينما يعين الحكام الباقين بشكل مباشر. ويقول أنور قرقاش وزير الدولة لشئون المجلس الوطني الاتحادي أن توسيع الهيئة الانتخابية ليس الا خطوة علي طريق اكتمال التجربة البرلمانية الإماراتية في المستقبل لضم جميع مواطني الدولة, وبصلاحيات أكبر, معتبرا ان التجربة لاتزال غير مكتملة.. مؤكدا في ذات الوقت ان ما تم اقراره يؤكد السير نحو تعزيز المشاركة السياسية. ويبدو لافتا في ثاني تجربة انتخابية اماراتية الحضور الواسع للمرأة في الهيئة الانتخابية حيث شكلت نسبة المرأة46% وبلغ عدد الاعضاء من الاناث علي مستوي الدولة نحو60 ألف ناخبة وتوزعت النسبة علي مستوي الإمارات بواقع52% أبوظبي و47% دبي و48% الشارقة و39% عجمان و33% أم القيوين و38% رأس الخيمة و30% الفجيرة. ويشير قرقاش الي أن مشاركة المرأة في الانتخابات تكتسب أهمية كبيرة لانها الأقدر علي مناقشة العديد من القضايا التي تتعلق بالقطاع النسائي والقطاعات الأخري المتعلقة بالمجتمع. وتحتل المرأة الإماراتية المرتبة الأولي من حيث التمكين علي صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تمثل الاماراتية العاملة59% من إجمالي موظفي القطاع العام وفقا لدراسة صادرة عن الأممالمتحدة كما انها شغلت نسبة أكثر من22% من مجموع اعضاء المجلس الوطني الاتحادي السابق بينما تشغل أربع نساء عضوية مجلس الوزراء في الدولة الي جانب منصب سفير في عدد من الدول الاجنبية. وفيما يتعلق بالشباب بلغت نسبة من تقل اعمارهم عن30 عاما في الهيئة الانتخابية35% وهو ما يؤكد الوزير قرقاش أهميته لان المستهدف اشراك هذه الفئة في الحياة السياسية وتحفيز الشباب علي المشاركة السياسية. ومن المتوقع في ثاني تجربة انتخابية اماراتية ارتفاع نسبة المشاركة والتصويت بعيدا عن اجواء الاثارة بعد ان حذرت اللجنة الوطنية للانتخابات المرشحين من اللجوء الي اثارة التعصب الديني أو الطائفي أو القبلي أو العرقي.. بينما تتميز التجربة هذا العام بزيادة التفاعل بين المواطنيين والناخبين والمرشحين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل' تويتر' وفيسبوك' حيث يجري تناول كافة الامور المتعلقة بالانتخابات بداية من طريقة الانتخاب وعدد الناخبين المشاركين فيها واعتماد التصويت الالكتروني الي الدعوة لتوسيع صلاحيات المجلس الوطني. وتشهد ثاني انتخابات للمجلس الوطني الاتحادي اتباع النظام الإلكتروني في عملية التصويت, حيث سيتيح هذا النظام احتساب الأصوات بشكل فوري ودقيق وآمن, والإعلان عن النتائج خلال أقل من ساعة من إغلاق باب التصويت. وتعتمد عملية الانتخاب علي استخدام بطاقة الهوية للناخبين وتعد تجربة إجراء الانتخابات باستخدام الأنظمة الذكية عبر الاعتماد علي بطاقة الهوية الأولي من نوعها في منطقة الخليج والشرق الأوسط. ويعتبر برنامج التصويت الإلكتروني الذي تم اختياره نظاما عالميا يتم تنفيذه في أكثر من14 دولة علي مستوي العالم, وينطوي علي تكنولوجيا تشفير إلكتروني متقدمة تضمن سرية المعلومات وأمنها, وسيتم فك التشفير خلال عملية فرز الأصوات بوجود لجنة كل عضو منها يحمل جزءا من مفاتيح التشفير, وسيتم تشغيل تجريبي للنظام مطلع شهر أغسطس المقبل قبل شهر ونصف الشهر من تاريخ اجراء الانتخابات. وتضم قوائم الهيئات الانتخابية47 ألفا و444 عضوا من امارة أبوظبي و37 ألف و514 عضوا من امارة دبي و16 ألفا و850 عضوا من امارة رأس الخيمة و13 ألف و937 عضوا من امارة الشارقة و6 آلاف و324 عضوا من امارة الفجيرة و3 آلاف و920 عضوا من امارة عجمان و3 آلاف و285 عضوا من امارة أم القيوين. ويتشكل المجلس الوطني الاتحادي من أربعين عضوا يتوزعون علي الإمارات بحسب الدستور بواقع:8 مقاعد لأبوظبي ومثلهم لدبي و6 مقاعد للشارقة ومثلهما لرأس الخيمة و4 مقاعد لعجمان ومثلهما لكل من الفجيرة وأم القيوين. واذا كان هناك من يري أن ثاني تجربة انتخابية في الامارات تعد دليلا علي رغبة قادة الامارات في تعزيز المشاركة السياسية وفق مسار متدرج منتظم يهيئ المناخ لاستكمال الأسس القانونية اللازمة لترجمة تطلعات وطموحات الشعب الإماراتي, الا أن مراقبين أكدوا ضرورة معالجة ضعف صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي في المرحلة المقبلة في ظل عدم وجود دور تشريعي قوي للمجلس, وغياب الدور الرقابي.