أنا سيدة في بداية العقد الثالث من عمري ترتيبي الثاني لأخ يكبرني بعام, وأخ وأخت أصغر مني,نشأت في أسرة محترمة متدينة, لأب شديد ديكتاتور, وأم سلبية لا حول لها ولا قوة, أب لا يسمع لأحد, ولا يتناقش مع أحد, وإذا استمع لأحد فرأيه هو الذي ينفذ في النهاية. ربانا تربية شديدة, لم أذق طعم الدفء الأسري الذي يشعر به الكثير. تربيت علي عدم الكذب واكتشفت أنه يكذب, وأن الكلمة الطيبة صدقة, وكلامه لنا ثقيل ومؤلم, جعلنا لا نحتك بأحد حتي أقاربنا جعلنا بلا شخصية, ولا هدف ولا طموح, وأشياء أخري كثيرة دمرتني, لا داعي لذكرها حتي لا أطيل عليك يا سيدي وعلي السادة القراء. كنت أدعو لله دوما أن يرزقني بالزوج الصالح حتي أهرب من سجنه, ومن الكبت الشديد, الذي كنت أعاني منه, واستجاب الله لي, وتزوجت برجل يكبرني بثماني سنوات وأنجبت منه طفلين كانا كل حياتي, كان زوجي رجلا ناضجا جدا يفوق الحد, عطوفا, وبه كل الصفات التي تتمناها أي فتاة لكنه بارد عاطفيا, وأنا مليئة بالعاطفة, وأفتقدها وهو غير رومانسي,وأنا شديدة الرومانسية, وكانت هذه هي مشكلتي, وكثيرا ما كنت أبكي في حضنه أثناء الواجبات الزوجية وكان لا يشعر. كنت مشتاقة للحب لأنهل منه, حتي أثمل, وأحتاجه بجنون, وأفتقده بشدة. طلبت منه كثيرا أن يذيقني حلاوته, لأروي ظمأ سني حرماني, وأن يشعرني بأنوثتي, وألا يهمل مشاعري,وألا يعطي أذني فرصة لأسمع كلمات الحب من أحد, ولكن دون جدوي, ودخلت علي الملعون النت وتعرفت علي شباب وقصصت لهم قصتي, ومن هنا بدأت معاناتي فاعتدت أن أجلس بالساعات أمام الكمبيوتر, وكان زوجي يتركني ولا يهتم ما الذي أفعله, وبدون ذكر تفاصيل أصبحت أكره نفسي, وأصبت بالأرق والقلق والتوتر والعصبية, وضميري يؤنبني. عانيت كثيرا وذهبت إلي أطباء نفسيين, وشخص أحدهم حالتي بأنها قلق اكتئابي, وآخر أخبرني بأني أعاني من اكتئاب حاد, لأني تمنيت حياة معينة مبنية علي الحب والحنان, وأن يعوضني زوجي عن حرماني منهما, واصطدمت بالواقع, لأني لم أجد ما كنت أتمناه, ولعدم رضائي عن نفسي مما أفعله بدأت في تناول العقاقير المضادة للاكتئاب, ولم أستمر علي العلاج, تعبت كثيرا وظللت علي هذا الحال حتي تعرفت علي شاب يصغرني بستة أعوام ونصف العام, فتحت له قلبي, وحكيت له كل شيء عني, أحبني كثيرا وأحببته.. وحكيت لصديقتي عنه, إلي أن جاء اليوم المشئوم كنت أنتظر هذا الشاب في منزلي يوم عيد ميلاده, لأعطيه هديته, وصديقتي تعرف هذا, وقامت بإخبار زوجي, وجاء زوجي وأخوه, لكن تمكن الشاب من الفرار منهما. سبني والد زوجي بسيل من الشتائم والضرب وكان معه مجموعة كبيرة جاهزة من الأوراق المكتوبة لا أعلم ما المكتوب فيها, وأوراق فارغة وورقتا تنازل عن حضانة أطفالي وايصالات أمانة هددوني بالاتصال بالشرطة والفضيحة وأجبروني علي إمضاء وبصم هذه الأوراق وطلقني زوجي وقمت بإبرائه وجردني من كل شيء.. ذهبي, ملابسي, هواتفي المحمولة حتي البطاقة وأوراقي الشخصية.. كل هذا لا شيء, فلا يهمني سوي أطفالي فقد حرموني, وحرموا أهلي من رؤيتهم. ويعلم الله أني أستغفر وأتوب وأبكي كل يوم حتي تتورم عيناي, وأموت في اليوم مائة مرة, حتي يرحمني ربي من العذاب والعقاب الذي جلبته لنفسي. أقر وأعترف بذنوبي ونادمة, لكن للأسف ندمت متأخرا بعد ما خسرت كل شيء في وقت لا يجدي فيه الندم, يتمزق قلبي من الألم وأموت شوقا لرؤية أحباب قلبي. لقد مر يا سيدي حتي الان عشرة أشهر علي فراقهم, وأنا أتعذب في كل موقف وكل لحظة, وكل شيء يذكرني بهم ولا تفارقني وجوههم.. ملابسهم.. ألعابهم.. حضنهم.. قبلاتهم.. آآآآه وألف آآآآه من نار الفراق وأي فراق يا سيدي فراق أغلي وأعز شيء في الوجود. لم أعد أريد أي شيء في هذه الدنيا سوي رضا ربي ورحمته وغفرانه ويقر عيني برؤية أولادي, ويلين قلوب كل من ظلمتهم ليسامحوني. سيدي لقد حاولت توسيط شيخ من دار الإفتاء التابعة للمحافظة التي كنت أسكن فيها, ورفض طليقي وأهله أن آراهم, وأوصدوا في وجهي باب الأمل لرؤيتهم. ويعصف قلبي تارة وأفقد الأمل أن آراهم إلي الأبد, وتارة يملؤني الأمل, وأتعشم في وجه الله بأني سوف آراهم حين يشاء ولكن متي؟ طامعة وعاشمة في وجه الله سبحانه وتعالي أن يسبب لي الأسباب في أصحاب القلوب الرحيمة ليساعدني أحد لوجه الله لأري فلذات أكبادي.. وأدعو الله أن يتقبل مني صلاتي وصيامي ويمن علي بزيارة بيت الله الحرام لأبكي أمام الكعبة الشريفة واتعلق بها ليغفر الله لي ما مضي ويصلح لي ما بقي. سيدتي.. من يعرف خطأه, أو خطيئته ويعترف بها ويتوب إلي الله ويطلب مغفرته, ليس في حاجة إلي نصائح أو لوم أحد, ربما يكون في حاجة إلي من يواسيه ويربت علي كتفه. هذا لا يمنع من التوقف أمام سطور رسالتك, بحثا عن التفسير لا التبرير, فما وصلت إليه لا ينفصل إطلاقا عن نشأتك الأولي وعن قسوة والدك وديكتاتوريته, فجعلك تجفين من داخلك, تشتاقين إلي المشاعر ولاتعبرين عن نفسك إلا سرا, وجعلك تواجهين الحياة منعزلة لاتعرفين معادن البشر وما يجب وما لا يجب, فيما انعزلت أمك بسلبيتها عنك وجعلتك فريسة لعنف والدك وقسوته فلم تحتوك ولم تعلمك شيئا تستعينين به في مواجهة قادم الأيام. تزوجت من انسان طيب مثالي, منحك ثقته لأنه كما يبدو يثق في البيت الذي خرجت منه, ولأنه لا يعرف تاريخك العائلي! وإن عرف قد لا يكون مؤهلا بما يمكنه من احتوائك وتعويضك عما عانيته, كنت تعيشين في خيال اعتدت عليه بعيدا عن الواقع, رسمت حياة عاطفية قد تستحيل علي كثير من المتزوجين, فلم تفهمي عطاء زوجك وثقته وبحثت عما لم يقدمه أو يفعله أو يقوله, لا أبرر له أيضا بل أفسر فالزوج عليه أن يشبع زوجته ويطرب أذنيها ويلاعبها ويداعبها.. ولكن هل من لا يفعل ذلك يستحق الخيانة؟ بحثت عن السر والخيال عند الملعون في النت وعبر الشات عالم فسيح, كاذب, خادع, ومغر لضعاف النفوس. واصلت اندفاعك حتي وقعت في براثن هذا الشاب, وإن كنت لم أفهم مقدار تماديك في الخطيئة.. استمرت أخطاؤك فأخبرت صديقتك بما كنت تفعلين, هتكت سترك بيدك, فهتك الله سترك, وكان ما كان. سيدتي.. ليتني أستطيع الوصول إلي زوجك, لن ألومه علي ما فعل, فكل العذر لرجل طعن في شرفه وكرامته, ولكني سأناشده حرصا علي أبنائه حتي لا يشوه نفسياتهم, ألا يسئ لأمهم ولا يغتال سمعتها, يكفيها ما تعاني, ويرضي بعقاب الله لها وهي التي أقرت بذنبها وتابت.. لا أطالبه بإعادتها إلي عصمته, بل أرجوه باسم الانسانية, ومن أجل صالح أبنائه, أن يسمح لها برؤيتهم ولو مرة كل أسبوع, فهذا سيفرق كثيرا في سلوكهم وحياتهم المقبلة بإذن الله.. ليكن كريما كعادته فلا يحرم أمامن ابنها, ولا يحرم أبناء من حب وحنان أمهم, حتي لا تجف مشاعرهم, وتصدمهم الحقيقة عندما يكبرون, فإذا كان الله سبحانه وتعالي يغفر لعباده ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر, فعلينا كبشر أن نغفر ونتراحم ونتسامح ليغفر الله لك ولنا جميعا.. آمين.