تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية حاليا أزمة حقيقية, خاصة بعد التصعيد الأخير من جانب أنقرة وطرد السفير الإسرائيلي وتخفيض مستوي العلاقات الدبلوماسية وتعليق الاتفاقات العسكرية ثم القرار الأخير تسيير سفن حربية تركية لحماية أي سفن أو قوافل إنسانية لحمل المساعدات الإنسانية الي قطاع غزة, وذلك كرد فعل علي عدم اعتذار إسرائيل عن هجومها علي أسطول الحرية عام 2010 وهذا التصعيد يثير تساؤلا مهما حول مستقبل العلاقات بين البلدين وهل انتهي التحالف الاستراتيجي بينهما أم أنها مجرد أزمة وسحابة صيف عابرة ؟ في الواقع ان العام الأخير شهد العديد من مواقف التأزم في العلاقات بين البلدين, خاصة بعد حادث اعتداء القوات الإسرائيلية علي سفينة الحرية التركية التي كانت تنقل مساعدات إنسانية لغزة وأسفر الحادث عن مقتل تسعة أتراك ممن كانوا عليها لكن لايمكن القول ان الأزمة الأخيرة سوف تؤدي الي تحول جذري في العلاقات أو انتهاء مرحلة التحالف الاستراتيجي لعدة أسباب أولها حجم التشابك الكبير في المصالح بين البلدين في كل المجالات خاصة الاقتصادية حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما الي اكثر من ثلاثة مليارات دولار وتأتي تركيا في المرتبة السادسة كشريك تجاري لإسرائيل والتعاون العسكري الذي يتمثل في اتفاقات تقضي بقيام إسرائيل بتحديث الجيش التركي خاصة في مجالات الطائرات الحربية اضافة الي التعاون في مجالات المناورات الحربية المشتركة واستخدام تل أبيب المجال الجوي التركي لإجراء تدريبات لطائراتها, بل إمكانية استخدام هذا المجال في حالة قيام إسرائيل بتوجيه ضربة جوية للبرنامج النووي الإيراني. وثانيها ان تركيا قامت بتخفيض العلاقات لكنها لم تقطعها, كما اتسم رد الفعل الإسرائيلي بمحاولة احتواء الغضب التركي من تقرير الأممالمتحدة الذي برأ الحصار الإسرائيلي علي غزة وهو مايعكس حرص الحكومة الإسرائيلية علي تجاوز تلك الأزمة وعدم التصعيد المقابل إزاء حليفها الأقوي في المنطقة وهو تركيا وهو ما أكد عليه نيتانياهو أول أمس اضافة الي دور الولاياتالمتحدة الحليف المشترك بينهما في استعادة اللحمة مرة أخري في العلاقات بين البلدين لما يمثلانه من أهمية استراتيجية لواشنطن, حيث تعد أنقرة أحد الأعضاء البارزين في حلف الأطلسي. كما أن إسرائيل تعد حليفا استراتيجيا لواشنطن, وبالتالي فهي تحرص علي عدم تدهور علاقات الدولتين للحفاظ علي التوازن الاستراتيجي في المنطقة في ظل حالة السيولة التي تمر بها العديد من دول المنطقة بعد اشتعال الثورات العربية, وذلك فإن تركيا تدرك جيدا ان علاقاتها الاستراتيجية بالولاياتالمتحدة مرهونة بمستوي ودرجة علاقاتها مع إسرائيل, وثالثها ان منهج تركيا في السياسة الخارجية في العقد الأخير وتحديدا منذ تولي حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم في البلاد هو تصفير المشكلات مع دول الجوار كما حدث مع سوريا وإيران واليونان وقبرص وأنقرة ولذا لن تحاول ايجاد مشكلة حقيقية أو تصادم مع إسرائيل. لكن مع ذلك فإن الأزمة الحالية قد احدثت شرخا كبيرا في العلاقات بين البلدين من شأنه عدم عودتها الي سابق عهدها من التحالف الوثيق والانحياز التركي للدولة العبرية كما كان في السابق وذلك لان تركيا الآن ليست تركيا التي كان يسيطر عليها العسكر والتيار العلماني والذي كان حريصا علي العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل وتجاوز أية أزمة تتعرض لها بل كان حريصا بشدة علي تدعيم تلك العلاقات علي حساب التوجه العربي والإسلامي. لكن بعد سيطرة حزب العدالة والتنمية علي كل مفاصل صنع القرار في البلاد خاصة الجيش والقضاء أصبحت تركيا اكثر استقلالية في علاقاتها بالدولة العبرية كما أنها شهدت في السنوات الأخير صعودا إقليميا بارزا اقتصاديا بعدما اصبح اقتصادها يحتل المرتبة السادسة عشرة عالميا وإسرائيل لاتمثل أهمية اقتصادية كبيرة لها وسياسيا مع تزايد دورها ونفوذها في تفاعلات المنطقة خاصة ثورات الربيع العربي كما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا وتوجهاتها الجديدةبالتوازن الخارجي في علاقاتها مع إسرائيل والغرب من ناحية والعالمين العربي والإسلامي من ناحية أخري في ظل العثمانية الجديدة, ولذا فإن رد الفعل التركي الشديد تجاه إسرائيل هو رسالة واضحة ومحددة بأن تركيا لن تقبل أن تمس إسرائيل مكانتها وكرامتها باعتبارها أبرز القوي الإقليمية الحالية سياسيا واقتصاديا. ومن ثم ستحاول أنقرة وضع علاقاتها مع إسرائيل في منطقة وسط بين التحالف الاستراتيجي التقليدي وبين التصادم, وهذا سيمكنها من تحقيق أهداف عديدة, أبرزها عدم خسارة إسرائيل حرصا علي علاقاتها مع الولاياتالمتحدة والغرب وكسب دعمها لمحاولات أنقرة الانضمام للاتحاد الأوروبي والاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في تحديث الجيش وتزويده بالأسلحة, خاصة الطائرات بدون طيار وتطوير الدبابات التركية, وكذلك تدعيم مصداقيتها امام العالمين العربي والإسلامي بأنها كما اتخذت موقفا حازما ضد النظم الديكتاتورية العربية وانحازت للشعوب العربية في ثورتها, فإنها ايضا حريصة علي دعم القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وان تعاونها مع إسرائيل لن يكون علي حساب الدعم التركي لهم وهو ما برز من عزمها رفع دعوي قضائية لمحكمة العدل الدولية ضد شرعية الحصار الإسرائيلي لغزة كما تحاول تركيا ان تخرج من تلك الأزمة وتوظيف موقفها الحازم تجاه إسرائيل لدعم مكانتها ودورها الإقليمي كلاعب أساسي وفاعل في تفاعلات الشرق الأوسط بما يخدم توجهات السياسة الخارجية التركية الجديدة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. المزيد من مقالات احمد سيد احمد