حينما دلفنا الي استراحة المحافظ في حي زيزنيا الشهير بالإسكندرية, وفور دخولنا حديقة المنزل لمقابلة الدكتور أسامة الفولي المحافظ بعد أكثر من أربعين يوما من توليه المنصب. مرت بخاطرنا تلك الذكريات المؤلمة لحريق مبني المحافظة العريق الذي يقع في شارع فؤاد أقدم الشوارع في العالم, الحريق الذي إلتهم المبني بالكامل وما بداخله من تراث وأوراق ومستندات.. الغريب أنها المحافظة الوحيدة التي احترق مبناها يوم جمعة الغضب, فقد استمرت النيران ترعي في المبني يومين كاملين حتي سقط في بئره, وإحترق قلب السكندريين لاحتراق رمز مدينتهم. دخلنا وفي ذهننا مشاكل لاحصرلها حتي أصبح كل مواطن في المدينة يلجأ الي المحافظ ليحل له مشكلته مهما كانت بسيطة, فالمحافظ يتنقل بين مبني صغير داخل الحديقة الدولية للقاء المواطنين ثم يعود الي استراحته ليستقبل الشخصيات الدبلوماسية- تلك الاستراحة التي لم تسلم هي الأخري من تشويه البلطجية وموظفون مشتتون وأوراق مبعثرة وغياب الأجهزة المعاونة وزحف الباعة الجائلين وانهيار العمارات في الأحياء القديمة وبناء عشوائي ومخالفات مبان يقاوم إزالتها السكان أنفسهم وصيادون يشكون قلة رزقهم بفعل فاعل وقمامة انتشرت حتي كادت أن تسد طريق المحور, وفوق هذا وذاك عدم وضوح رؤية لدور منظمات المجتمع المدني والأحزاب. كان من الطبيعي أن يكون أول سؤال نوجهه الي الدكتور أسامة الفولي محافظ الإسكندرية عن مشروع بناء المحافظة ؟ فأجاب: بمجرد الانتهاء من رفع بقية الأنقاض, ستتم عملية البناء بنفس النسق المعماري للمبني القديم وسوف تقوم القوات المسلحة بعملية البناء الذي سيتكلف20 مليون جنيه.. متي تتوقع الانتهاء من البناء ؟ في خلال سنة ونصف. هل تعتبر نفسك محافظا بلا أدوات وبلا أجهزة معاونة ؟ ليس الأمر بهذا السوء فالمجلس المحلي المؤقت في طريقه للتشكيل والذي أتمني أن يكون تشكيله ملائما لمتطلبات المرحلة المقبلة وأن يكون معبرا عن نبض الشارع السكندري ويسهم في إيجاد حلول لمشكلات المدينة خاصة أن هذه المجالس ومنظمات المجتمع المدني وشباب الثورة من المفترض أن تكون أصدق تعبير عن الإرادة الشعبية, كما تسلمنا مبني مجلس رئاسة الوزراء في بولكلي وسننتقل إليه في غضون أسبوعين بعد استكمال عمليات جرد المكان وتجهيزه كمكان مؤقت نمارس عملنا من خلاله. إذن كيف تتصور دور منظمات المجتمع المدني في المرحلة المقبلة وأين دور الأحزاب ؟ المرحلة المقبلة ستشهد تعاونا مشتركا بين الأجهزة التنفيذية في المحافظة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وقد بدأنا بالفعل بتوجيه نداء لهذه الأحزاب وللكثير من الأطياف السياسية وخاصة الاخوان المسلمين والسلفيين والإئتلافات, وقد اجتمعنا مع بعضهم وبدأنا في فتح حوار بشكل متعقل وفي هذا الصدد قدم الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية مبادرة لتفعيل دور المجتمع المدني سيتم الإعلان عنها قريبا, كما أقوم الآن بدراسة تشكيل مجلس استشاري تطوعي من محبي الإسكندرية يتكون من عشر شخصيات من تخصصات مختلفة أصحاب رؤية ولديهم مشروعات للتطوير هل سيقتصر دورك في هذه المرحلة علي مجرد إطفاء الحرائق المشتعلة في أرجاء الإسكندرية والمتمثلة في انتشار العشوائيات والقمامة والباعة الجائلين أم سيمتد الي التخطيط للمستقبل ؟ أن هذين الأمرين لاينفصلان وإن التخطيط الجيد للمستقبل يتم بشكل متواز مع حل المشكلات المستعصية التي تطلق عليها إطفاء الحرائق وإن كنت أري أن حل مشكلة العشوائيات والانتشار المرعب للباعة في شوارع المدينة والذي أصبح يهدد حياة وأمن المواطنين لابد أن يتم بالاستعانة باللجان الشعبية التي عرفتها مصر وقت الثورة, كما أدعو هذه اللجان أن تعمل بنفس القوة والتأثير لحماية الشوارع كما حمت الممتلكات الخاصة وذلك بمحاولة إقناع الباعة بأهمية الحفاظ علي نظافة الشوارع وحثهم علي ترك الشوارع الرئيسية والطرقات العامة والانتقال الي الأماكن التي خصصتها المحافظة لهم مثل سوق الثلاثين بمنطقة المنتزة والجراجات التي يمكن استخدامها كأماكن تجارية مثل جراج سانت كاترين وعدة جراجات أخري كبيرة مما يوفر لهم مكانا مناسبا للبيع دون التعدي علي ممتلكات الدولة ونشر الفوضي, وأكد علي أن الدولة لن تسمح بإستمرار هذه المخالفات بعد توفير الحلول المناسبة وأنها ستواجه المخالفين بمنتهي الشدة والحسم إذا هل هناك تصور وخطة زمنية لإقامة مشروعات جديدة ؟ هل يستطيع أي محافظ مهما أوتي من قوة أن يضع مثل هذا التصور والخطة في خلال شهر واحد من توليه المسئولية ولكن لدي تصورات عامة لبعض المشروعات المتوقفة حاليا في الإسكندرية مثل الغابة الترفيهية التي أصبحت وكرا لمتعاطي المخدرات ومشكلة أرض كوتة المتنازع عليها بالإضافة لمنطقة غرب الإسكندرية التي يمكن تحويلها الي مجمع صناعي وتجاري كبير وهناك أيضا إمتداد خط قطار أبي قير ليصل الي منطقة برج العرب, وأكمل المحافظ أن لي وجهة نظر فيما يخص المشروعات العملاقة في الإسكندرية وهي أنه يجب ألا ينفرد المحافظ بقراره في إقامة هذه المشروعات فلا يستقيم أن يقوم المحافظ صباحا ليقول سأقيم هنا مشروعا ويضع حجر الأساس دون النظر الي رأي الشعب في تطوير مدينته. فيما يخص القرارات السابقة بحظر الشيشة في الأماكن العامة ومشروع الحضانة هل هناك تعديل بشأنها ؟ سيتم إعادة النظر في هذه القرارات ودراستها بما يتوافق مع الصالح العام. تحدثت كثيرا عن مشكلة العشوائيات في الإسكندرية فما هو حجمها الحقيقي ؟ هناك ما لايقل عن35 منطقة عشوائية قمنا بتصنيفها وتقسيمها الي ثلاث درجات, الأولي وهي الأكثر خطورة والتي يجب إزالتها بالكامل لوقوعها في مناطق خطرة مثل مخرات السيول مما يهدد حياة المواطنين الذين يعيشون فيها, والثانية هي المناطق التي يمكن الحياة فيها ولكنها تحتاج الي إمدادها ببعض الخدمات الرئيسية مثل بعض المرافق والأمن, أما الثالثة والأخيرة فهي المناطق التي تصل اليها المرافق ويتوفر بها الأمن ولكن طريقة إقامة المساكن هي ما جعلها تدخل في نطاق العشوائيات. ولكن الأخطر هو ما قاله الدكتور أسامة الفولي: أن بعض أحياء المدينة القديمة والتي كانت تحمل الكثير من الملامح الأثرية والحضارية المميزة قد أنضمت للعشوائيات مثل منطقة الجمرك بسبب تدهور مستوي الخدمات والإهمال وعدم صيانة المباني مما يستلزم تدخلا سريعا لإنقاذ المواطنين من الكثير من الكوارث وأهمها انهيار العقارات والمباني القديمة خاصة أن أخر إحصاء للمباني التي يجب إزالتها لخطورتها قد تعدي ال8000 عقار... وفي هذا الصدد نقوم حاليا بعقد لقاءات مستمرة مع المسئولين عن العقارات التي تحتاج الي تدخل سريع ونتواجد بصفة دورية في الشوارع للمتابعة بالتنسيق مع أجهزة الأمن. وماذا بخصوص المتضررين من انهيار العقارات التي تكررت كثيرا في الآونة الأخيرة ؟ هذه مشكلة خطيرة وأنه شعر بدهشة شديدة عند توليه منصبه فقد فوجئ بعدم وجود شقة واحدة من الإسكان الاقتصادي وهي الشقق التي يجب أن توفرها المحافظة ليتم نقل المضارين من أي كارثة اليها وهو الأمر الخطير فعند حدوث أي انهيارات نقع في مأزق كبير لعدم وجود مأوي للمضارين كما حدث في انهيار عقارات منطقة الجمرك مما اضطرنا لنقل المضارين لمساكن مخصصة لشركة البتروكيماويات في الكيلو26 كحل سريع للإنقاذ من البقاء في العراء لحين إيجاد حلول بديلة, وأكد أن الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون لإيجاد مساكن للمضارين من الكوارث وتوفير ما يطلق عليه إسكان اقتصادي بالإضافة الي مواجهة التشوية المتعمد والصارخ لتراث المدينة ونسقها المعماري والذي يظهر في هدم الفيلات الأثرية وتحويلها الي أبراج مخالفة لكل شروط البناء والأمان وهو ما نقوم حاليا بحصره تمهيدا لإتخاذ الإجراءات الحاسمة لمواجهته, كما أبدي المحافظ دهشته من موقف بعض السكان المجاورين لبعض العقارات المخالفة والذين قاموا برشق مهندسي حي شرق بالحجارة أثناء أداء عملهم في إزالة بعض الأدوار المخالفة مما أدي الي اصابة اثنين من المهندسين بجروح وتم نقلهم الي المستشفي لعلاجهم. مشكلة المشاكل في الإسكندرية انتشار القمامة ماذا سيفعل المحافظ أسامة الفولي للقضاء علي هذه المشكلة التي عجز أربعة محافظين قبله في القضاء عليها ؟ لا أخفي سرا عندما أقول إنني توليت المنصب والشركة الأجنبية التي تتولي عملية النظافة في المدينة كانت قد قدمت إخطارا بانتهاء عقدها خلال ثلاثة أشهر وفي ضوء هذا الموقف نبحث عن البديل وهناك عروض من شركات وطنية كما أن هناك اقتراحات عن طريق المجتمع المدني.. وعندما سألناه عن إمكانية عودة الزبال خاصة وإن الإسكندرية كانت أيام الزبال أكثر نظافة. قال: أن هذه العملية تحتاج الي تنسيق ودراسة خاصة مع دخول التكنولوجيا الحديثة وأنه لا مانع من طرح كل الحلول علي مائدة النقاش المهم في النهاية أن ننظف مدينتنا وهناك فكرة أن نقوم بتخصيص يوم نطلق عليه يوم النظافة في الإسكندرية نشارك فيه جميعا وسوف أقوم كمواطن سكندري بارتداء ملابسي الرياضية والنزول الي الشارع لتنظيفه كما أفكر في الاستعانة بشباب الثورة الذين قاموا أثناءها وبعدها بتنظيف وتجميل الإسكندرية. تاريخ تعيينك محافظا للإسكندرية4 أغسطس2011 فماذا فعلت حتي الآن ؟ بدأت ببعض المشاكل الكبيرة التي واجهتنا ووضعنا حلول ستظهر نتائجها خلال الأيام القليلة القادمة وعلي رأسها مشكلة الصيادين بالكنج مريوط و مخلفات بعض المصانع التي تسببت في قتل زريعة الأسماك فالتقيت بالصيادين وبحثنا كيفية حل هذه المشكلة وتوصلنا لحلول لإنقاذ الزريعة وستظهر النتائج خلال أسابيع يلمسها المواطن السكندري بإنخفاض سعر أسماك البلطي بشكل ملحوظ... أما عن المشكلة الثانية التي واجهناها بحسم فكانت فتح طريق المحور وتنظيفه بعد أن كادت المخلفات التي يلقيها المواطنون أن تسد الطريق الذي يعد من أهم الشرايين المرورية التي تغذي الإسكندرية فتم إزالة هذه المخلفات وإعادة فتح الطريق بكل حاراته بمعاونة أربع شركات خاصة ولم تتحمل المحافظة مليما واحدا مما يؤكد أن في هذا الوطن رجال أعمال شرفاء مستعدون للتعاون من أجل إعلاء شأنه. وهل تتوقع أن يطلبوا مقابلا أمام هذه الخدمات المجانية مثلما كان يحدث من بعض رجال الأعمال قبل الثورة ؟ فأجاب بسرعة وحسم: أنهم يعملون من أجل الوطن بدون مقابل. وأضاف أنه تم أيضا البدء في رصف بعض الشوارع الحيوية في منطقة سيدي بشر وجار استكمال هذا المشروع بالتدريج, أما فيما يخص طغيان مياه المجاري علي منطقة المهاجرين فقد تبين أن هذه المنطقة تحتاج الي محطة رفع بتكلفة تقترب من8 ملايين جنيه ولحسن الحظ تلقينا5 ملايين جنيه من مصارف الزكاة والصدقة لبعض رجال الأعمال الذين خصصوها لهذا المشروع. قالوا عنك أنك من الفلول فماذا كنت تفعل ايام الثورة ؟ فقال ضاحكا: هل لمجرد أن تم ترشيحي يوما ما لشغل منصب أمين الحزب الوطني بالإسكندرية ولم أقبل أن يقال إنني انتميت للحزب الوطني... فأنا أبدا لم أكن أتبع أي حزب بل كانت حياتي بين الطلبة والأبحاث والدراسات في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية وإذا جاز القول فإنني كنت أنتمي كغالبية المصريين الي حزب الكنبة الذي كان يشاهد ما يحدث دون النزول لمعترك الحياة السياسية وإن كنت ألوم نفسي أنني لم أشارك في النزول لميدان التحرير ولكني اشتركت في مظاهرات الاحتفال بالتنحي.... بالإضافة الي أنني كنت كغالبية الرجال المصريين الذين شكلوا لجانا شعبية لحماية أسرهم وممتلكاتهم وقد تعرضت لإصابة كبيرة أيام الثورة ففي إحدي الليالي كان موعد دوريتي في حماية المنزل في الثانية صباحا وكان الجو شديد البرودة في نهاية شهر يناير فأخدت معطفي وحملت العصا الخيزران وركبت المصعد ومن فرط العجلة وضعت طرف العصا في فمي لأكمل ارتداء المعطف فتعلقت العصا بين المصعد والحائط وانحشرت وأصبت بتهتكات وإصابات بالغة في سقف الحلق وحدث نزيف شديد نقلت علي أثره للمستشفي لأتلقي علاجا لمدة أسبوعين.. ثم أكمل ضاحكا هل تعتقدون أنني بهذا الحادث أكون من مصابي الثورة ؟.