بعد مشاورات لعدة شهور بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية, توصل صناع القرار السياسي في واشنطن إلي صيغة جديدة لإدارة السياسة الأمريكية حيال تطورات الربيع الديمقراطي العربي بعد فترات من التضارب بين الوكالات والأجهزة المختلفة بشأن طرق التعامل مع الثورات الشعبية المفاجئة في الشهور التسعة السابقة من تونس إلي سوريا مرورا بمصر وليبيا واليمن. فقد قررت الإدارة الأمريكية إنشاء مكتب خاص يتبع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مباشرة ويتولي متابعة التطورات في الدول التي تمر بعمليات تحول سياسي وديمقراطي وهي مصر وليبيا وتونس حيث ينتظر أن يرفع المكتب تقاريره مباشرة إلي الوزيرة كلينتون ومساعدها الأبرز لشئون الشرق الأدني السفير جيفري فيلتمان عن عمليات التحول الديمقراطي. هذه الخطورة تعني رفع مستوي الاهتمام بما يحدث في المنطقة العربية أسوة بما حدث في السابق عندما قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتعيين ممثل خاص لمتابعة الأوضاع في باكستانوأفغانستان بعد شن الحرب علي الإرهاب ومطاردة شبكة القاعدة والمساعدة في عملية إعمار أفغانستان هو السفير الراحل ريتشارد هولبروك. وتشير المعلومات أن المكتب الجديد سيتولي التنسيق الرفيع المستوي بين عدد من الجهات مثل مكتب الشرق الأدني في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارت ووكالات مختلفة وهو ما يمكن أن يشكل تحديا لدور مجلس الأمن القومي في ظل وضع المكتب الجديد, الذي ينتظر أن يضم عددا من خبراء الشرق الأوسط والمنطقة العربية في المرحلة المقبلة من أجل المزيد من صقل السياسة الأمريكية في الدول التي تمر بمرحلة تحول ديمقراطي غير مسبوقة بعد الإطاحة بثلاثة رؤساء في مصر وتونس وليبيا في أقل من عام واحد فيما تشهد سوريا واليمن أوضاعا حرجة تنذر بتطورات مماثلة في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية والمواجهات بين السلطة والشعب. وكان مجلس الأمن القومي قد لعب دورا في تنسيق ردود الفعل الأمريكية بعد اندلاع الثورة ضد النظام السابق في مصر خاصة مع الثقة الكبيرة التي يوليها الرئيس أوباما للمسئولين والخبراء في المجلس مند توليه منصبه في عام 2009. وفي ظل عملية ترتيب البيت من الداخل, سيتولي قسم خاص في المكتب الجديد مهمة التعامل مع الشئون المصرية ويتولي السياسات الأمريكية تجاه عملية التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وعميات تمويل المنظمات غير الحكومية والتي أثارت لغطا كبيرا وتضاربا بين جهات عديدة في الإدارة الأمريكية وبين الإدارة الأمريكية والسلطات المصرية علي خلفية تقديم برنامج المعونة الأمريكية في القاهرة أموال لمنظمات مصرية بشكل غير معلن للسلطات المصرية بعد ثورة25يناير. ويتولي ويليام تايلور, السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا, رئاسة مكتب شئون عملية التحول في ليبيا ومصر وتونس وهو دبلوماسي محنك تولي في السابق إدارة جهود بلاده في عمليات إعادة الاعمار في العراق وأفغانستان وأوروبا الشرقية. وسوف يقوم تيلور بالاشراف علي المساعدات الأمريكية للتحول في مصر وتونس وليبيا وإدارة المناقشات داخل إدارة باراك أوباما حول طرق مساعدة الدول الثلاث في مرحلة إعادة البناء في ظل مؤشرات مراجعة السياسات التي أعقبت الثورات خاصة في مصر حيث أدي التوجه الأمريكي لتمويل المجتمع المدني بشكل متسرع ومن أجل وضع موطئ قدم للولايات المتحدة في الساحة المصرية بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك إلي خلاف كبير بين القاهرةوواشنطن واضطرت معه الولاياتالمتحدة إلي سحب مسئول برامج وكالة التنمية الدولية الأمريكية في مصر في شهر أغسطس الماضي فيما تحدثت أطراف مسئولة في البلدين عن احتواء الخلاف وقرب الاتفاق علي العودة للقواعد المعمول بها في تمويل المجتمع المدني من حيث تقديم التمويل للمنظمات المسجلة لدي وزارة التضامن الاجتماعي والمنظمات الأمريكية المصرح لها من وزارة الخارجية المصرية. وقد أكد جيفري فيلتمان في تصريحات ل الأهرام في وقت سابق أن واشنطن تحترم السيادة المصرية رغم الخلافات حول طرق تمويل المجتمع المدني. وتشير المعلومات إلي أن الصدام بين مصر والولاياتالمتحدة وخشية تفاقم الأمر بين دولتين تتمتعان بعلاقات إستراتيجية وثيقة من الأسباب التي دفعت الإدارة إلي مراجعة طريقة تدفق وتحليل المعلومات في دوائر صناعة القرار السياسي الأمريكي في المرحلة الحالية. من ناحية أخري, تقول مصادر مطلعة أن الولاياتالمتحدة تفضل عدم تصدر المشهد فيما يتعلق بعملية إعادة الإعمار في ليبيا مثلما فعلت في الحملة العسكرية لحلف شمال الأطلنطي التي مهدت لسقوط العقيد الليبي معمر القدافي. كما قامت الولاياتالمتحدة بالإفراج عن مليار ونصف المليار دولار من الأموال الليبية المجمدة في البنوك الأمريكية دون تقديم مساعدات مالية أخري أسوة بالدول الحليفة الأخري التي قدمت مساعدات للثوار الليبيين في ظل رفض الراي العام الأمريكي لمبدأ تمويل عمليات إعادة بناء جديدة في الشرق الأوسط بعد تجربتي العراق وأفغانستان وهو ما سوف يضع قيودا علي صلاحيات المكتب والمسئول الجديد عن مساعدات التنمية والتحول الديمقراطي ويعجل بضرورة صياغة إستراتيجية وفلسفة جديدة للأوضاع في العالم العربي. وأشار متخصصون إلي أن السفير تيلور يمكن ان يوفر حالة من الوضوح لمساهمات بلاده في جهود إعادة الإعمار في مصر وليبيا وتونس. ويشغل تيلور منصب نائب رئيس معهد السلام الأمريكي في واشنطن وهو ضابط سابق في الجيش ومن قدامي المحاربين في فيتنام, وترأس البعثة الدبلوماسية لدي أوكرانيا ما بين عام2006و2009, ومثل واشنطن في اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط, والتي تركز علي عملية السلام الاسرائيلية- الفلسطينية, وفي عامي2004و2005تولي إدارة مكتب اعادة اعمار العراق في بغداد, وفي عامي2002 و2003أشرف علي تنسيق المساعدات الدولية والأمريكية في أفغانستان.