رغم الموافقة عليه من حيث المبدأ من قبل لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب, فإن مشروع قانون محاكمة الوزراء مازال مثيرا للجدل حول دستوريته ومدي وجود فراغ تشريعي من عدمه في هذا الصدد. بالإضافة إلي شرط الحصول علي موافقة مجلس الشوري عليه باعتباره أحد القوانين المكملة للدستور.. تحقيقات الأهرام تعيد فتح ملف مشروع قانون محاكمة الوزراء لترصد الآراء المختلفة حوله ما بين مؤيد ومعارض لمدي دستوريته والحجج التي يستند إليها الفريقان: علاء عبدالمنعم النائب المستقل بمجلس الشعب والمحامي بالنقض وصاحب اقتراح مشروع القانون المشار إليه يؤكد بداية أن النص الدستوري في المادتين159 و160 يحتم وجود قانون لمحاكمة الوزراء ونص علي الاجراءات بل إن المادة243 من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب نظمت كيفية المحاكمة بحيث أن هناك قانونا سوف يصدر في هذا الصدد.. نظرا لأن القانون الحالي الصادر في عام1958 خلال الوحدة بين مصر وسوريا قانون غير سار ومن المستحيل تطبيقه نظرا لأنه ينص علي تشكيل المحكمة من6 قضاة من مصر و6 قضاة من سوريا بل إن الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أشار إلي ذلك بالفعل في جلسة المجلس بتاريخ2007/7/6 قائلا إن الاتهام الجنائي للوزراء معطل ولا يمكن تفعيله.. ويضيف أنه لهذه الأسباب تقدم بهذا المشروع في ديسمبر عام2007 نظرا لوجود نقص تشريعي ينبغي علي المشرع تداركه فالدستور قد اختص الوزراء والمسئولين بإجراءات خاصة لمحاسبتهم وهو بالقطع أمر ليس ضدهم ولكنه علي العكس من ذلك يوفر لهم المزيد من الحصانة لممارسة سلطاتهم دون خوف من أحد.. فالوضع الحالي يسبب مآزق في واقع الأمر.. فإذا أقام أحد المواطنين علي سبيل المثال دعوي قضائية ضد وزير أو محافظ حالي..ثم تحقق النائب العام بالفعل من وجود جريمة فهو لن يملك إلا أن يحيل الوزير أو المحافظ إلي محكمة الجنايات وهنا فإن أي محام مبتديء سوف يستند إلي أن المحكمة غير مختصة لأن الدستور ينظم اجراءات خاصة لمحاكمة الوزراء وهي لا تتبع وبالتالي تسقط الدعوي!! حيث ان الدستور اشترط أن يكون اتهام الوزير من قبل رئيس الجمهورية أو20% من أعضاء مجلس الشعب.. وبالتالي فإن الاتهام من قبل النائب العام غير مقبول دستوريا!! ولذلك فان المتبع الآن أنه حينما يتم التأكد من وجود مخالفات لأي وزير أو مسئول تتم اقالته وبعدها تبدأ اجراءات محاكمته وهو ما يؤكد وجود نقص تشريعي بل شلل تشريعي صارخ نظرا لوجود قانون معطل.. فليس من المنطقي كما يضيف النائب علاء عبدالمنعم أن تكون دولة عربية كالكويت نبراسا في الديمقراطية وهي التي نالت استقلالها عام1961 وتأسست في نفس العام وتتم فيها الآن محاكمة وزير الداخلية الحالي أمام محكمة الوزراء!! وهناك دول عربية أخري تطبق هذا النظام.. الدستور وثيقة واحدة ويقول النائب انه: فيما يتعلق بالرد علي الرأي القائل بإن مشروع القانون المقترح يميز بين المواطنين ويجعل للوزراء والمسئولين اجراءات ومحاكم خاصة ويتنافي مع المادة40 من الدستور التي تنص علي أن كافة المواطنين سواء أمام القانون.. فإنه يمكن الرد عليه بأن الدستور تتم قراءته كوثيقة واحدة لا تتم تجزئتها فقد توجد به نصوص تتعارض مع بعضها لكنها لابدأن يتم احترامها.. ويتابع النائب علاء عبدالمنعم حديثه قائلا ان الغريب في الأمر أن مجلس الشوري قد سبق مجلس الشعب في مناقشة مشروع القانون وأرسل هذه المناقشات إلي وزارة العدل لابداء الرأي في المشروع إلا أن الوزارة لم ترسل الرد منذ عام2008 وحتي الآن.. وبالتالي لم يتمكن المجلس من اقراره.. كما أنه حتي بعد موافقة لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب عليه فلابد من موافقة اللجنة الدستورية والتشريعية المختصة ثم تأتي موافقة مجلس الشوري وإذا كان هناك اختلاف بين المجلسين فقد تم استحداث حكم يشير إلي انعقاد لجنة مشتركة من كل منهما منصوص عليها في الدستور.. الرأي الآخر وعلي الجانب الآخر يعارض المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري وجود تشريع خاص بمحاكمة الوزراء في مصر بعد انقضاء التشريع الصادر عام1958 ويضيف أن وجود مشروع جديد علي غرار مشروع القانون المشار إليه يترتب عليه منح ميزة للوزراء وليس تحقيق العدالة لأن الوزير تتم مراقبته من قبل السلطة التشريعية الرقابية الممثلة في مجلسي الشعب والشوري وكذلك من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات وتتم محاسبته من رئيس الجمهورية الذي يقوم بتعيينه واقالته وكذلك هناك محاسبة من السلطة الرابعة الممثلة في وسائل الاعلام المختلفة وتتم مراقبة أعماله من الأجهزة الرقابية العادية, لذلك فهو معرض للرقابة الشديدة ليلا ونهارا.. فإذا قمنا بعمل تشريعي خاص لمحاكمته في أثناء توليه الوزارة فنكون بذلك قد منحناه الفرصة كاملة للتدخل من خلال صلاحياته وامتيازاته بحكم موقعه في سير اجراءات المحاكمة بل إن المواطنين سوف يخشون من تقديم أي مستندات ضده مما يحقق الاخلال الجسيم بمبدأ تكافؤ الفرص فيما بين الوزير والمواطنين خاصة أن المحاكمة سوف تكون من تشكيل خاص يضم سياسيين وحزبيين وقانونيين وبرلمانيين.. الإقالة الفورية وكذلك فإنه من خلال الشواهد السابقة لوزراء سبق اتهام بعضهم في أثناء تولي المنصب والبعض الآخر عقب خروجهم من الوزارة.. فقد انتهت محاكم الجنايات والنقض في كل أحكامها إلي ضرورة أن يطبق الوزير الحالي أو السابق ما يتم تطبيقه علي العادي من اجراءات قضائية.. فذلك هو الأقرب إلي العدالة والمساواة بين المواطنين لاسيما أن هناك وسيلة سياسية تتمثل في الإقالة الفورية للوزير في حالة ارتكابه أية مخالفات كما أن القاضي تتم محاكمته أمام محكمة الجنايات والنائب في البرلمان يتم رفع الحصانة عنهم محاكمته.. ومن ناحية أخري كما يضيف المستشار فتحي رجب فإن المادة123 من قانون العقوبات تسمح بمحاكمة الوزير وهو في منصبه.. فإذا صدر حكم من القضاء المدني لصالح أحد المواطنين ضد وزير وهو في منصبه ولم يقم الوزير بتنفيذ هذا الحكم فإن بإمكان المواطن رفع جنحة مباشرة ضد الوزير.. لذلك فإننا نؤكد مرة أخري أن وجود محاكم خاصة للوزراء هو بمثابة انتقاص من سلطة القضاء.. لا شك في الدستورية أساتذة القانون الدستوري لهم رأي بالقطع حول مشروع القانون المقترح يعبر عنه د. عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة قائلا إنه لا مجال علي الاطلاق للتشكيك في مدي دستورية المشروع المشار إليه.. فالمادة40 من الدستور تنص بالفعل علي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة وهي لا تتعارض علي الاطلاق مع مشروع القانون فالقاعدة هي أن الخاص يقيد العام حيث يتم تطبيق الخاص فيما يتعلق بالحالة التي ورد بشأنها وفي غيرها من الحالات يتم تطبيق النص العام.. وعندما لا يوجد قانون فإنه من الضروري وضع ضمانات لحقوق المواطنين وتقييد سلطات الحكم بخضوعها للقضاء خاصة أن الواقع يؤكد أنه علي مدي ال50 عاما الماضية لم تحقق النيابة في أية بلاغات تم تقديمها ضد السلطة ولم يتم التحقيق مع وزير وهو في منصبه أو احالته إلي المحكمة الجنائية ومن ناحية أخري فإننا يجب أن نعيد إلي الأذهان أيضا نص المادة68 من الدستور التي تشير إلي أن لا يجوز تحصين أي اجراء أو عمل من أعمال السلطة من رقابة القضاء وعندما لا توجد محكمة للوزراء فينبغي محاكمتهم أمام المحاكم العادية.. ولكن ذلك لا يحدث بحجة أن لهم اجراءات خاصة.. سحب الثقة ليس حلا د. جلال البنداري الخبير البرلماني وأستاذ القانون الدستوري يؤكد من جانبه مبدأ مهما وهو أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فالوزير يجب أن يكون محل مساءلة ومحاكمة طبقا للدستور.. فليس من المنطقي أن يقوم بارتكاب مخالفات ويقتصر الأمر علي المحاسبة السياسية فقط التي تتمثل في استجوابه ثم تقديم اقتراح بسحب الثقة منه ويتم ذلك بعد موافقة عدد معين من الأعضاء.. وهل في ذلك شيء من العدالة في حين أن الموظف البسيط الذي هو أقل درجات عديدة من منصب الوزير تتم محاسبته في حالة ارتكابه أية مخالفات وقد يتم تقديمه إلي المحاكمة الجنائية؟ ومن ناحية أخري فإن صدور مثل هذا المشروع الذي نؤيده تماما سوف يحفز الوزير أو المسئول بشكل عام علي المزيد من الالتزام في أداء مهام منصبه تحسبا لأية مساءلة. ليست استثنائية د. سيد عتيق أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة حلوان ينفي تماما أي تعارض لمشروعات القانون مع مبدأ المساواة بين المواطنين جميعا وإلا فما هو الحال بالنسبة لمحاكم الأسرة والقضاء العسكري وقضاء الأحداث وغيرها؟ فينبغي ألا يكون هناك خلط للأمور ويجب ادراك أن قانون محاكمة الوزراء يتم لظروف خاصة بالمتهم وبالجرائم, فنحن نؤكد هنا أنها محاكم خاصة حفاظا علي السرية فهي ليست محاكم استثنائية علي الإطلاق وينبغي أن يكون تشكيلها قضائيا خالصا.. فيكون الاختصاص للقضاء العادي طبقا لأحكام محكمة النقض بحسب أن القضاء العادي هو صاحب الاختصاص الأصلي.. وهو ما يؤكد عدم الإخلال بمبدأ المساواة الذي يدعمه أيضا عدم منح أي ضمانات خاصة للوزير في حالة اتهامه أكثر من المتهم العادي.. ومن جانبنا كما يضيف د. سيد عتيق فنحن نؤكد وجود فراغ تشريعي مع عدم وجود قانون محاكمة الوزراء نظرا لأن القانون الحالي معطل ولم يصدر قانون بالغائه ضمنيا.. ولا ينبغي أن نغفل أن محكمة النقض الجنائية قد أقرت في جلسة لها في1979/6/21 بأن المحاكمة تشمل من يشغل وظيفة وزير بالفعل ومازال قائما بأعمال وظيفته.. ونحن نؤكد أيضا أن انتهاء الخدمة لا يمنع من محاكمة الوزير طبقا لمشروع القانون الجديد مادام أن وقت ارتكاب المخالفات هو وقت أداء الوزير لمهام منصبه..