للوهلة الأولى يظن البعض أن أفغانستان عبارة عن دولة تقع تحت حكم طالبان، مقموعة نسائها يرتدين البرقع ولا يتعلمن أو بالكاد يصلن إلى التعليم الإبتدائي، خراب وقتل وحرب أهلية وهي البلد التي خرجت ودعمت العديد من التيارات الإسلامية المتشددة وهي الدولة التي استقبلت تنظيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن السعودي الوهابي بالأحضان. الناظر إلى أفغانستان سيجد أمة تحاول جمع الشتات من حكم طالبان الذي انتهى مطلع الألفية والذي عمل على قمع النساء وسبيهن وتزويجهن قاصرات لم يبلغن الحلم بعد ولا يزالون يمارسون وحشيتهم في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم أمام المناطق التي حررت منهم لم تعد تشهد تدخلهم السافر وفصل النساء عن الرجال وإجبار الرجال على حمل السلاح للمحاربة بصفوفهم. أفغانستان التي نشهدها الآن لم تكن تلك التي شهدها العالم في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات وفي ختامها ومنذ مطلع الألفية التي حكمت فيها طالبان وتحكمت بأفغانستان. منذ 50 عاما لم تكن أفغانستان قبلة للجهاديين الإسلاميين حول العالم ولم يكن لمدنها "قندهار" و"كابول" وغيرها رائحة الموت والعنف واحتقار المرأة، على العكس، تمتع هذا البلد فيما قبل طالبان بحياة سياسية نشطة وحريات اجتماعية نسبية معتبرة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان يحسد عليها وكانت أفغانستان في طريقها لتكون أحد النمور الآسيوية الاقتصادية الكبيرة. وخلال ال40 سنة الماضية، احتلت أفغانستان من قبل القوات السوفيتية الشيعية بالإضافة إلى القوات الدولية التي كانت تقودها الولاياتالمتحدة وذلك في ظل حكم جماعات إسلامية متشددة وحركة طالبان للبلاد. وكافحت النساء هناك كثيرا من أجل الحصول على الحرية والحقوق المهدرة تحت حكم طالبان، حيث عملت تلك الحركة على ترسيخ فكرة المجتمع الذي يسيطر عليه الذكور بشكل كامل، وذلك من خلال فرض حظر كامل على المرأة للعمل خارج المنزل، بالإضافة إلى عدم السماح لهن بالتعامل مع مع أصحاب المحلات التجارية أو الأطباء من الذكور. وأجبرت المرأة في حكم طالبان على ارتداء البرقع الذي يغطي جسدها بالكامل، مع عدم السماح لهن بالدراسة في أي مؤسسة تعليمية. وبعد الإطاحة بنظام طالبان من أجزاء كبيرة في البلاد، حصلت أفغانستان على حكومة جديدة خففت كثيرا من سياستها المتعلقة بالمرأة، حيث فتحت أبواب المدراس أمام الكثير من السيدات هناك، وأصبح بإمكان البعض الذهاب إلى العمل، ولكن لا تزال هناك العديد من السيدات اللاتي يعانين من الاضطهاد وانتهاك الحقوق. قال تقرير صدر في 2001 عن "حقوق الإنسان" إن المرأة الأفغانية فقدت كل مكتسباتها، بتأثير ضغوطات الطالبان عليها، وهي التي حصلت في 1920 على حق الانتخاب، وتم منحها حق المساواة في 1960 بالرجل، وكانت تشكل في 1990 أكثر من 70 % من معلمي المدارس، وتقريبا نصف العاملين في الدائرة الحكومية بكابول، وأكثر من 40 % من نسبة الأطباء، ومعظم نسبة الممرضات، الا أنها مع طالبان انطفأت تماما. ونحن نعرض لكم مجموعة من الصور المختارة عن الحياة في أفغانستان بعضها التقطها الأستاذ الجامعي الأمريكي الدكتور بيل بودليش الذي أقام في أفغانستان عام 1976 خلال عمله مع "اليونيسكو" كخبير في التعليم في دار المعلمين الثانويين في كابول. الانطباع الذي تتركه الصور هو عن بلد مسالم ومزدهر ويتمتع بالحرية والثقافة قبل حكم طالبان. كما اخترنا لكم مجموعة من الصور جمعها مهندس أفغاني يدعى محمد قيومي، ولد في 1952 بكابول ثم هاجر الى الولاياتالمتحدة وأصبح فيها رئيسا لكلية الهندسة بجامعة سان خوسيه، وضمها في كتاب باسم "كان ياما كان في أفغانستان" ليلقي الضوء على الفرق الكبير بين الحياة التي عاشتها الأفغانية قبل الحرب الأهلية وبعدها. يذكر البروفسور محمد قيومي أن الأفغانية كانت تتمتع قبل الحرب وحكم الطالبان بحرية محسودة، فترتدي ملابس متحررة وتمارس الاختلاط البريء بالرجال في العمل وفي الجامعات، وتعيش حياة يومية بشكل طبيعي في كل المجالات، بل انتخبوا في 1972 ملكة جمال في كابول، هي زهرة داود، المقيمة حاليا في الولاياتالمتحدة مع زوجها البشتوني، وقد أصبحت أما لثلاثة أبناء وعمرها 59 سنة. وترصد الصور الحرية التي كانت تتمتع بها النساء والأطفال من التجول بحرية شديدة في الأسواق دون وجود أي قيود ولم يقتصر تواجد النساء في المنازل فقط بل اقتحموا مجالات عديدة مثل الطب والتكنولوجي وكانت موضة أفغانستان تسيطر على غلاف مجلة Vogue الشهيرة في تلك الفترة. عملت المرأة في ذلك التوقيت مع الرجال بصورة طبيعية للغاية دون أن تتعرض لمظاهر العنف الشديدة التي تشهدها حاليا وانتشرت العديد من برامج التوعية التي تحفز السيدات على مواصلة تعليمهم دون الاكتفاء بالتعليم الأساسي فقط. كما كانت تعمل النساء كممرضات في المستشفيات ويدرسن البيولوجيا بالجامعة. يذكر أن حركة طالبان الأفغانية حركة إسلامية سنية سياسية مسلحة تدعي تطبيقها الشريعة الاسلامية وقد نشأت عام 1994م وحكمت أجزاء كبيرة من أفغانستان وسيطرت على العاصمة الأفغانية كابول في 27 سبتمبر 1996 وأعلنت قيام الإمارة الإسلامية في أفغانستان وأميرها الحالي هو "هيبة الله أخوند زاده" وهي تختلف عن حركة طالبان باكستان.