هنري تشارلز بوكوفسكي شاعر وقاص وروائي (1920-1994)، ولد بألمانيا وسرعان ما انتقلت عائلته إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الأولي. عاش ونشأ في مدينة لوس أنجلوس، بولاية كاليفورنيا. تأثرت كتاباته بالأجواء الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمدينة، وتميزت أعماله بتسليط الضوء علي الحياة العادية للأمريكيين البسطاء. عاش بوكوفسكي طفولة تعسة، وعاني مع أب قاس اعتاد علي ضربه حتي سن المراهقة. كان تحصيله الدراسي ضعيفاً ، تخرج من المدرسة الثانوية، لكنه فشل في الدراسة الجامعية حيث كان يحلم بدراسة الصحافة والأدب. وأدي هذا إلي إدمانه الكحوليات مع بداية سنوات الشباب. لكن رغم تحصيله الدراسي الضعيف، كان بوكوفسكي ولوعًا بالقراءة. معتادًا علي الذهاب إلي المكتبات العامة، وفي إحدي زيارته تعرف علي أعمال الكاتب جون فنت الذي تأثر به كثيرًا، ونافسه فيما بعد حين أصبح معروفًا، بل وتفوق عليه. حين كان في ال 24 من عمره، عام 1944، نشرت أولي قصصه القصيرة، أما أول مجموعاته الشعرية فنشرت عام 1959، بينما نشرت أول رواية له عام 1971. وتوالت بعد ذلك أعماله بغزارة. كانت أعماله تصف الحياة البائسة للبشر الذين علي وشك الانتحار أو الجنون أو الانهيار العصبي، من يكابدون الاغتراب، والاكتئاب والشعور بالوحدة، ولهذا يصنف ضمن كتاب الواقعية. كما يعد من أكثر الشعراء صراحة. فكتب عن رفاق الشراب، وعن العاهرات اللاتي عاشرهن، وعن معاناته مع القمار وإدمان الخمر. وبشكل عام تصف أعماله الجانب المظلم من الثقافة الأمريكية الذي عادة ما يتم تجاهله في الواقع. لكن، علي الرغم من جنون وقسوة موضوعات أشعاره، إلا أن بوكوفسكي استطاع أن يتناولها بروعة وعذوبة وسلاسة. تميز شعر بوكوفسكي، مثل كل كتاباته، بالتجذّر في التفاصيل والبعد عن الاستعارة والمجاز. ويختلف أسلوب بوكوفسكي عن الكثير من الأساليب الشعرية الأخري، حيث يعتمد علي الألفاظ البسيطة، والجمل قصيرة البنية. وربما يكون العنصر الأكثر بروزًا في أسلوبه هو استخدامه للدلالة والرمزية في كتاباته. فنجده يشير إلي نفسه ب "القرد"، وكثيرًا ما كان يستخدم الحشرات والقوارض كرموز لأنواع مختلفة من البشر، علي سبيل المثال كان يشير إلي الأمريكان ذوي الأصول الأفريقية ب "الطيور المحاكية". وفي وصفه للبشر كمخلوقات كان يرسم صورة للميول الحيوانية التي دائمًا ما نخفيها ونبعدها عن طبيعتنا البشرية. في قصيدته "طائر أزرق" والتي نشرت عام 1992، يشركنا بوكوفسكي في تجربة عميقة الألم. ونجد هنا شخصية بديلة مختبئة في أعماق المتحدث، هي الطائر الأزرق ذاته. والمتحدث يخشي من ظهور الطائر الأزرق، يخاف أن يبصره أحد، يخشي أن يفقد رفيقه في فترات الاكتئاب والحزن. لذلك، يواصل محاولات قمعه وإخفائه بشتي الوسائل انهزامية، مثل التدخين والشراب وممارسة البغاء في محاولة لإلهاء عقله عن التفكير به. وبسبب الخوف يحاصر المتحدث مشاعره وذاته الحقيقة، ولذلك نجده يستمد قوته من مقاومته للطائر الأزرق (لكنني قاس معه / أقول له: ابق هنا، لن أدع / أحدًا يراك). لكن بنهاية القصيدة يحدث الانفصال ونري المتحدث وحيدًا يتحدث إلي الطائر الأزرق (لكن، لا.. لا أبكي / أتبكي أنت؟). وهنا رغم ضعف المتحدث البادي، إلا أنه سرعان ما يستعيد سيطرته علي نفسه، ويتوقف عن الرضوخ أمام الرغبة التي من شأنها أن تدمره، ويقرر أن يفلت الطائر الأزرق للأبد. توفي بوكوفسكي في مارس 1994، عن عمر يناهز الثالثة والسبعين، بعد معاناة مع مرض اللوكيميا. وفي 2006 تبرعت أرملته بمكتبته الأدبية لمكتبة هنتنجتون بسان مارينو، كاليفورنيا. بين عامي 2007- 2008 كان هناك محاولة للحفاظ علي منزله من الدمار، وبالفعل نحجت الحركة وتم الاحتفاظ بالمنزل بوصفه صرحا تاريخيا وثقافيا. كما اعادت مؤسسة بلاك سبارو نشر جميع أعماله.