الذات الشاعرة في " الأيام ليست لنودّعها " للشاعر عبده وازن ( الصادر عن منشورات الجمل العام الحالي 2015 ) لم تستطع الإفلات من جمر ما يشبه التحسر الذي بدا عنوان الديوان ناهيا عنه . في سطر من إحدي القصائد وردت الجملة التي صارت عنوانا وهي محملة بدوال استئنافية الإيحاء لأن هذا قد يكون سيمانطيقيا من وظائف النفي فإن لم تكن الأيام لنودعها فما وظيفتها وطبيعة علاقتنا بها و دورنا فيها ومشاعرنا حيالها ؟. في قصيدة " أيام " نقرأ :" الأيام ليست لنودعها / ليست لنتحسر عليها / الأيام لننظر إليها / تسقط مثل أوراق شجرة / ثم تتطاير في هواء / لم يحنْ هبوبه ". هذا الموقف التسليمي شبه القدري إذ يتخذ موقف الرؤية والمشاهدة السلبية والذي تقاومه الذات الشاعرة بالحب هو منطق قوة الأيام و معني الزمن الذي تتعاطي الذات الشاعرة مع جبروته في نصوص أخري تتخفي فيها تلك الذات قدر الاستطاعة لتفسح المجال أمام تجليات تعبيرية أوسع ( مثل قصائد " مفارقة " و " غدا " و " قصيدة ناقصة " و " صندوق " و " لا أحد " وغيرها ) . و لم تخلُ مخاطبة الأنثي المحبوبة أو وصفها من ميل عميق نحو منطقة تتماس مع ذلك العطش الأبدي الكامن بداخل تلك الذات التي تجلت فيوضها الإشراقية في تأملات غير قليلة ( في قصائد جميلة مثل " حكمة " و " مقتلة " و " بلاد و زجاج و الصيادون "و "عزلة و أزهار) . في فلسفة الذات الشاعرة بديوان عبده وازن الأخير تضيق الحياة عن الحلم ويعجز الواقع عن الاقتراب من الأمنية فتتراءي أطياف الأشواق المقموعة في منطقة لا تنأي و لا تقترب هي منطقة الظلال والأحلام ( ثمة قصائد عدة عن الظل والمرآة والصور المنعكسة في الكأس ) لتسطع حقيقة الألم الجدير باحتفالية التأمل . مع هذا كان واضحا خشية الشاعر علي قصيدته من تفلت العنصر الصوفي الذي لم يسمح له بالاكتناف والسيادة كي لا يبعد الشوق والوصف عن حقيقيته ، كي لا يحرمنا من بهاء ما هو مادي محسوس . ثمة نصوص تجتاحها الحاجة إلي القص الرهيف وأخري توازنها حجما وكثافة حيث الميل إلي اللقطة الواحدة التي كثيرا ما تكون مدفوعة بثقة الشاعر في عنفوان نفسها وقوتها الشعرية ، هذه بمثابة " الطلقة " المكتفية بذاتها كأنما لا كلام قبلها ولا شرح بعدها . خير تمثيل لهذا وما أحببته علي نحو خاص " القصيدة البديعة " جلبة " حيث نجد :" لا تسمع إلا رجع دم / يسقط من يدين مسبلتين في الهواء " . كذلك قصيدة " عبث " حيث يكتفي و نكتفي بالآتي :" وجدني ظلي أما أنا فلا ". مأخذي ربما علي الناشر في عدم مراجعة بعض القصائد حيث لاحظت تكرار بعض القصائد وربما تشابهها حد التطابق عدا افتراقها في كلمة قد ترد في نهاية القصيدة ( كمثال قصيدة " نوم " فهي قصيدة " قبل " وأوقاتا قد يكون الاختلاف في شطر أو أكثر فقط مثال قصيدة " حكمة " وقصيدة " أغنية " وأكرر هذا لا شك مما كان يستوجب دقة مراجعة الناشر ) . من أبرز ما يميز " الأيام ليست لنودعها " اللغة المسترخية المحتفية ببساطتها ،فهنا لا وجود للغة " حديقة الحواس " و " سراج الفتنة " ، و رغم الإهداء " إلي الشاعر أنسي الحاج الساطع بحضوره أبدا " لم تدلف اللغة إلي تجريب الحاج الشعري و لا عرامة عنف نبره و حِدته إنما ظلت مستقلة بعيدة عن الغضب و حريصة علي البعد عن كهوف التألم الحاجبة في أحايين لجوهرة الشعر، لغة قد نخطئ لو اعتقدناها " هادئة " من درجة السيطرة عليها و قد نخطئ لو رأيناها فقط لواذًا بتكشف الوهم في زمن نضوج التجربة الحياتية لأنه يكفينا منها المتعة و ربما هذا ما أدركه صاحبها . ثمة نصوص تجتاحها الحاجة إلي القص الرهيف وأخري توازنها حجما وكثافة حيث الميل إلي اللقطة الواحدة التي كثيرا ما تكون مدفوعة بثقة الشاعر في عنفوان نفسها وقوتها الشعرية