"أدب التمرد.. إرهاصات الثورة في أعمال أدباء مصر" هو عنوان كتابها الذي صدر بالألمانية في 2012، ثم صدرت ترجمته العربية مؤخراً عن مؤسسة هنداوي/ كلمات، وفيه تناقش موضوعات من قبيل: التحرير بؤرة الأحداث، الانتقال إلي عصر جديد للقراءة.. عشر سنوات قبل الثورة، التحرر من القيود الذكورية، عن التمزق بين الشرق والغرب، الأجناس الأدبية للجمهور العريض. في أحد مقاهي وسط البلد، التقيت سوزان شاندا للحديث حول كتابها في طبعته العربية، بدت متحمسة جداً وهي تتكلم عنه، وذكرتني بآخر مرة التقينا فيها في المكان نفسه، وقت أن كان الكتاب مجرد فكرة تسعي لوضعها موضع التنفيذ، حين سألتها عن كيف جاءتها فكرة الكتاب، أجابت: "أؤمن بأن الأدب يفتح عقول البشر ويساعدهم علي تحرير أنفسهم من السلطة الأبوية والسياسية والدينية. عندما أسافر آخذ معي دائماً روايات لإيماني بأن الروايات تفتح نافذة لروح وعقلية المجتمع الذي أسافر إليه. حين جئت إلي مصر منذ 20 عاماً ساعدني هذا كنقطة انطلاق وتوجه لمعرفة المجتمع المصري. قرأت محفوظ ثم بدأت أقرأ لكتاب آخرين غيره، ساعدني في ذلك وجود ناشرين سويسريين مهتمين بالأدب العربي. ثم التقيت بنورا أمين وجرجس شكري وإيمان مرسال خلال وجودهم في سويسرا للمشاركة في نشاط أدبي ما، وبقيت علي اتصال بهم، وحين عدت للقاهرة بعدها عرفني جرجس شكري علي بهاء طاهر، وكانت هذه نقطة بداية لي. مع الوقت، لاحظت تفاصيل المشهد الأدبي المصري، كان لدي صورة ذهنية أن هناك رقابة وأن الكتاب مقيدون ولا يقولون ما يرغبون فيه." كانت صورة نمطية للغاية؟ - نعم، ثم بدأت أتعرف علي مدي حيوية المشهد الأدبي، كتبت "بورتريهات" عن الكُتّاب المصريين ومراجعات لأعمالهم المترجمة إلي الألمانية، وعندما قامت الثورة أحببت المشاركة فيها بأي صورة من الصور، وجاءتني فكرة أنه ربما كان للكُتَّاب دور فيما يحدث، بمعني أنهم ربما فتحوا عقول الناس العاديين ونبهوهم لما يجري حولهم، وبدأت أتابع الفكرة. لست ساذجة لأؤمن بأن الأدب قادر علي التغيير بشكل مباشر وكامل، لكن ما أعنيه أنه قد يؤدي لتغيرات طفيفة تتراكم مع مرور الزمن. دفعتني الثورة إلي النظر للعقد الذي سبقها لأري ما حدث هناك، لا أقصد فقط الأدب السياسي إنما أيضاً أدب المرأة والأدب عموماً، كتبت عن هذا الكاتب وذاك وتلك. أعرف جمال الغيطاني وبهاء طاهر ونوال السعداوي وغيرهم، وهم كتاب لهم أهميتهم، لكنهم من جيل أكبر، فكتبت عنهم كآباء للأجيال الأصغر. لأن لهم تجاربهم إما في المنفي أو الاعتقال والسجن. بهاء طاهر أخبرني أن لا أحد يقرأ ولا أحد يهتم، لكن في ظرف مماثل أدركت أن الأدب يجب أن يكون له دور، وأن الكتاب يمكنهم التغيير. كتاب كثيرون شاركوا في المظاهرات بالفعل أو كتبوا عنها. ما أحببته في كتابك أنك فضلتِ عدم الاكتفاء بالكتابة عن الثورة أو دور الكتاب فيها، ورسمتِ لوحة لمصر وللقاهرة تحديداً عبر الأدب، هل حدث هذا عن قصد؟ كصحفية أحب الكتابة هكذا. أفضل كتابة مشهد بجميع تفاصيله، أريد لقرائي أن يشعروا بالناس وبالتفاصيل حولهم، أن يسمعوا أصوات المكان وروائحه. هي تفاصيل صغيرة لكنها تضيف الكثير للوحة الكلية، عندما أحاور أهداف سويف، أو علاء الأسواني أو يوسف زيدان مثلاً، أرغب في أقرِّب قارئ كتابي من شخصياتهم وروح المكان الذي قابلتهم فيه، فهذا يدفعه أكثر للتماهي معهم. شعرت بهذا أثناء القراءة بداية من وصفك لمقهي "زهرة البستان"، لكن بذكر القارئ، كيف استقبل قراء اللغة الألمانية وكذلك الإعلام الألماني الكتاب؟ كان الاستقبال جيداً. كانت هناك تغطيات إعلامية كثيرة؛ مقالات عديدة كُتِبت عن رؤية بلد شرق أوسطي من خلال الأدب، واشتري الجمهور الروايات المترجمة للألمانية للكتاب المذكورين في الكتاب، واكتشف أن هناك روايات عديدة مترجمة لروائيين مصريين لم يكن يعرفهم. وكان هذا جيداً بالنسبة لي لأني كنت أهدف لتقديم الأدب المصري لقارئ الألمانية. الآن هناك تغيرات كبيرة عن الوقت التي أجريت فيها الحوارات، بل حتي عن وقت صدور الكتاب في طبعته الألمانية، ألا يشعرك هذا بأن كتابك قد تقادم بحيث لم يعد مواكباً للمستجدات؟ لا أشعر بهذا. الكتاب لم يتقادم لأنه ليس فقط عن الثورة، لكنه يقدم لوحة للمشهد الأدبي في مصر خلال عقد كامل. الناشر نفسه كان لديه تخوفك هذا، وقال أتمني ألا يتغير النظام في مصر أو تحدث ثورة أخري هناك قبل نشر الكتاب، لكنني لم أشعر بهذا، كتابي يقدم لوحة ووثيقة أدبية لمرحلة معينة، وهذه الوثيقة ستبقي بغض النظر عن المستجدات. ولا أعتقد أن الكتاب الذين حاورتهم قد غيروا آراءهم عما قالوه في الحوارات. أشرت في الكتاب عن النظرة الاستشراقية في الغرب للأدب العربي، هل غيرت الثورة هذا أم لا؟ أعتقد أنها غيرت.. لا نتحدث عن مصر وحدها فقط، لأن مصر كانت حاضرة بقوة وكانت هناك متابعة لثورتها.. وهذا غير الكثير من الصور النمطية.. من الغريب أن يظن بعض الكتاب المصريين، أن الناشرين الغربيين يهتمون فقط بالكتب التي تقدم صوراً نمطية عن مصر كأن وراء هذا مؤامرة ما، هم كأي ناشرين يبحثون عن الربح والرواج، وبالتالي يهمهم الآن ترجمة ونشر الكتب العربية الأعلي مبيعاً، هذا كل شيء. وهو ليس مضراً، نجاح أي كاتب مصري في الغرب، يحفز الناشرين علي الاهتمام أكثر بالأدب المصري ككل، نجاح روايات علاء الأسواني علي سبيل المثال، دفع الناشرين للبحث عن كتاب مصريين آخرين كي ينشروا لهم، وأدي لزيادة الاهتمام بالأدب المصري. لكن الآن غالباً ما يكون الاهتمام سياسياً، بمعني البحث عن الأعمال التي تتناول الثورة أو لها علاقة مباشرة بالسياسة؟ هذا صحيح حالياً، فكثير من الناشرين يرغبون في كتابات عن الثورة حتي لو لم تكن الأعمال جيدة، وهذا من وجهة نظري تقليل وتحجيم، خاصة مع بلد أدبه ثري كمصر.