يتمسك الفنان بالقلم الرصاص في مواجهة الرصاص .. ولأن الحرية لها ثمن يدفعه المبدع دائما .. يظل كاتم الصوت يصرخ اعلي طاولة الرسم يستجيب له المرتعشة انامله ويحاربه الساكن ضميره بالفكرة والقضية ويقتل علي رصيف الزمن من اجل الايمان بالموقف والقضية .. ناجي العلي باق واختفي كاتم الصوت .. لم يتحرك كثيرا ضمير العالم لناجي هناك في عز البرد يرقد جسد مناضل بالقلم والريشة وسط مقابر المسلمين بزاوية »بروك وود« تحمل مقبرته رقم 230190 بلندن رغم وصيته بأن يدفن قلمه وقلبه هناك في فلسطين . بينما ينتفض ضمير العالم المتيقظ احيانا لهجوم متطرفين علي مقر جريدة شارلي ابدو الفرنسية الاسم الاشهر في تاريخ الصحافة الساخرة الفرنسية المشاغبة لكل القيم والاعراف، الاسم ازعجنا كثيرا في 2005 عندما اعادت نشر الرسوم المسيئة في 30 سبتمبر 2005 حيث قامت صحيفة »بيلانديس بوستن« بالدنمارك بنشر 12 رسمة كاريكاتيرية مسيئة للمسلمين في شكل وقاحات فجة لشخص الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ... قصة الرسوم لم تتعد كونها محاولة من كاتب للاطفال يدعي »كيربليوتجن« لكتابة قصة جديدة يصور فيها الاسلام بشكل فج وقد عرض القصة علي ثلاثة رسامين رفضوا جميعاً وضع الرسوم لخوفهم من رد فعل المسلمين عندها عرضت الصحيفة الدنماركية الموضوع بصدرصفحاتها الثقافية ودخلت في تحد سافر حين استقبلت 40 رسما كاريكاتورياً للمسلمين ... وعلي النقيض تماماً وبسخرية عجيبة اعلن الوزير الايطالي اليميني روبرتو كالديروني « وزير بلا وزارة « وهو عضو في الرابطة المعادية للمهاجرين في ايطاليا انه سيقوم بتوزيع قمصان بالمجان مطبوع عليها الرسوم المسيئة، وأمام بركان الغضب المتزايد في جميع العواصم العربية وزيادة الحدة عقب هذه الأزمة ومطالبة السفارات الاوربية في جميع العواصم العربية والاسلامية بضرورة تكثيف التواجد الأمني حولها رغم كل ذلك وبدلا من التهدئة المتوقعة تعيد في 16/2/2006 صحيفة «بولاند بوسطن« الدنماركية فقرات من كتاب لكاتب دنماركي« كوري بوليتكن» مزود برسوم كاريكاتورية مسيئة لشخص الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) وهو الكتاب المليء بالمغالطات المستفزة حول المسلمين الذي يقع في 272 صفحة تحت زعم أنه كتاب اطفال «شغل عيال يعني» وعلي نفس السياق تعيد صحيفة »فرانس سوار« وجريدة شارلي ابيدو الفرنسية نشر ال12 رسماً وأوضحت الصحيفة انها اختارت نشر تلك الرسوم ليس بهدف الاستفزاز المجاني بل لانها تشكل موضوع جدل علي نطاق عالمي وأضافت لن نعتذر ابداً لأننا أحرار في التحدث والتفكير والاعتقاد ... تعرضت شارلي ابدو لهجوم بعد اعادتها نشر الرسوم الدنماركية وتلقت سيلا من التهديدات التي وصلت الي حد التهديد بالقتل لمدير تحرير الجريدة ستيفين شاربونيه أو شارب رسام الكاريكاتير . سينيه .. الأب الروحي لشارلي ابدو سينيه رسام فرنسا العجوز »87 عاماً« مواليد 31/12/1928 يعيش داخل وطنه الاختياري الرافض لكل أشكال القمع والعدوان راسماً حدوداً خاصة ، حرية الشعوب وديمقراطية القرار ولا للعنصرية حتي لو كانت من أهل بلده فقد اندفع بكامل إرادته لتأييد الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الذي يحمل جنسيته وراح يرسم رسوماً تؤيد الثورة تعرضت للحذف والمنع بل وللوم والشتائم من أقرب الأصدقاء، انضم إلي جبهة تحرير الجزائر وكان يزيف لهم جوازات السفر والوثائق منحازاً لتحرير الجزائر، هذا الموقف الإنساني دفعه إلي الطرد والمنع من الصحف الفرنسية والغربية ولكنه لم يتراجع عن موقفه. بعدها يؤيد الثورة الكوبية رافضاً أشكال العنف والقمع في رسوم صادقة قوية هجائية فله أسلوب خاص في التأييد يمنع من النشر في كثير من الصحف الرسمية .. عندما قامت ثورة الطلبة في 1968 تطالب بالتغيير وشملت دول أوربا وفرنسا انضم سينيه إلي الحركة وأخذت رسومه تعبر عن أمل التغيير أخذت شكل الملصقات علي حيطان باريس، أصدر مجلته »المسعور« لتضم رسومه المرفوضة من صحف فرنسا وقاد حركة تغيير حقيقية داخل مجتمع رافضاً القوالب الجامدة في التفكير الكاريكاتيري، بعدها توقفت »المسعور« ليعيش سينيه موظفاً بإحدي شركات النفط مسئولاً عن مطبوعات الشركة مكتفياً لبعض الوقت بكتبه ورسومه الخاصة، عاد إلي فرنسا بعد وفاة الرئيس الجزائري »بومدين« حاملاً روح التمرد ووطنه الخاص داخل ضلوعه التي لاتلين وبوصلته الخاصة جداً أن يتحمل وحده المشاكل من مواقفه السابقة ورغم ما يحمله من سنوات خبرة إلا أن رئاسة تحرير جريدة « شارلي ابدو « أوقفت التعامل مع فنان الكاريكاتير الكبير بسبب رسومه ضد اليهود واعتبرت المنظمات الصهيونية سينيه معاديا للسامية وتغير وصف اتهامه إلي »عنصري عدو للسامية» ومن رحم مجلة "المسعور" تأسست مجلة هاراكيري 1969 مجلة ساخرة رفعت مساحة سقف الحرية الي ابعد الحدود ولكنها لم تنتقد الاديان واكتفت بالمواقف السياسية والاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي . وبعد عام واحد توقفت المجلة عن الصدور وأصدر وزير الداخلية الفرنسي قرار الوقف بعد غلافها الساخر من وفاة شارل ديجول . شارلي ابدو الأسبوعية بعد توقف مجلة هاراكيرا فكر رساما الكاريكاتير ولونسكي وكابو في تغيير اسم المجلة الي شارلي لتصدر اسبوعية من 1970 حتي توقفت لظروف مادية 1981 استمرت سياستها كما بدأت متمردة ساخرة تصل الي حد الوقاحة كثيرا وتحددت القيم والرموز والاديان وتعرضت الي المشاكل الامنية داخل مجتمع الحرية عندما انتقدت الكيان الصهيوني وانهت التعامل مع سينيه رسام فرنسا العجوز .. ( لا أحتاج الي علامة تعجب ) توقفت المجلة عن الصدور حتي اعاد رسامها الاول كابو الاصدار في 1992 وتتخطي المجلة حاجز 100 ألف نسخة ويدفع النجاح كابو الي الاستمرار في النهج الساخر ويضم العديد من رسامي الكاريكاتير وتبقي شارلي ابدو حالة مختلفة متجاوزة المجلة الساخرة الاخري ( البطه ) وتبقي علي عرش السخرية .. رغم انتماء الجريدة لأقصي اليسار الا أنها انتقدت اليسار والدين والاعراف وسخرت من الكنيسة والقيم الفرنسية والدينية داخل المجتمع وانتقدت الحكومة وظلت السخرية من الرموز الدينية والاديان شاغلها الاول وتعرضت في 2011 الي الهجوم عليها بقنبلة حارقة يصرح شارب مدير التحرير والرسام الاشهر (نحن نريد أن نضحك، وأن نسخر من المتطرفين، كل المتطرفين. من الممكن أن يكون هؤلاء المتطرفون مسلمين، يهودا أو كاثوليكيين. بوسع أي فرد أن يصبح متديناً وهذا حقه، ولكن أفكار وأفعال المتطرفين هي ما لا يمكن أن نقبله بيننا) . بعدها تلقي شارب التهديد بالقتل ووضع علي رأس المطلوبين من تنظيم القاعدة . وفي 7 يناير 2015 واثناء اجتماع اسبوعي عادي وعلي طاولة الاجتماعات يجلس مجلس تحرير المجلة في القاعة الرئيسية بالدور التاني وعلي الجانب الايمن يجلس اربعة من رسامي الكاريكاتير ( شارب كابو تينيوس فولينسكي ) يحمل كل منهم اقلام رصاص اسكتشات العدد الجديد في مواجهة الرصاص الحقيقي ويدفع الجميع تمن المساحة المتحركة من نقطة الضوء ويختلط الدم الدافع للثمن راح فيها المسلم العربي حارس الجريدة فرد الآمن والمصحح اللغوي الجزائري الاصل المسلم لم يسلط الاعلام الغربي عليهما الضوء واكتفي فقط بالضوء المتسلط علي حيز التطرف الديني وإلصاق التهمه بالدين . وفي مليونية تليفزيونية تتشابك الايادي ويرفع الجميع راية الحرية وينتفض الغرب مطالبة بالحرية ونبذ التطرف وفي مشهد ساخر يرفع نيتانياهو يده بالحرية والمساواه ونبذ العنف ( قمة السخرية ) .. دفع الدين الثمن واستمر التطرف يعزف النشاز دائما. يصدر العدد الجديد من المجلة علي صدره رسم اخر يسخر من الدين الاسلامي ويتجاوز توزيع المجلة حاجز المليون نسخة وربما يصل الي ثلاثة ملايين كشفت صحيفة ليبراسيون - التي تستضيف المقر المؤقت لصحيفة شارلي ابدو الفرنسية الساخرة علي حسابها بموقع تويتر- عن غلاف العدد الجديد ، وهو رسم للنبي محمد ( صلي الله عليه وسلم) يحمل لوحة عليها عبارة «أنا شارلي» تحت عنوان يقول «الكل مغفور له».وقد فازت الصحيفة من ايام بجائزة دانييل بيرل للشجاعة والنزاهة الصحفية في دورة 2015 حسب مااعلن نادي الصحافة في لوس انجلوس . فازت شارلي ابدو وخسرنا نحن الكثير .