مجلس جامعة الأزهر يوصي بحسن استقبال الطلاب وتعريفهم بنظام الدراسة بكلياتهم    الزراعة تفجر مفاجأة عن سبب ارتفاع أسعار الطماطم 400% (فيديو)    على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى حول المياه    تعرف على أهداف مشروع قانون الهيدروجين الأخضر بعد إقراره بمجلس النواب    بايدن: لا أستبعد حربا شاملة في الشرق الأوسط وهناك ضرورة لحل الدولتين    تفاصيل جلسة جوميز مع لاعبي الزمالك في المران الأول بالسعودية    مصدر من مودرن سبورت يكشف ل في الجول: فسخ تعاقد مروان محسن والوادي    5 سيارات إطفاء تشارك في إخماده، تفاصيل حريق مخزن فى العاصمة الإدارية    تبدأ من 400 جنيه، أسعار حفل تامر عاشور في فاميلي بارك    وزير الصحة: زيادة ضخ أدوية إضافية بلغت 133 مليون عبوة ل 364 مستحضرا دوائيا    بلينكن: يجب التنسيق والعمل لردع الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسD تعزيز علاقات التعاون    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    وثيقة سياسة ملكية الدولة.. مدبولي: هدفنا تعظيم الأصول والعروض غير المناسبة لا نقبلها    إزالة 5 حالات بناء مخالف بقنا    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    انطلاق الملتقى الثامن عشر لشباب المحافظات الحدودية بمسرح فوزي بأسوان    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    انطلاق دورة التعامل اللائق مع رواد المسجد لعمال المساجد    علي جمعة يكشف عن مبشرات ميلاد النبي: رضاعته وفرح أبولهب بمولده    وزير الكهرباء: تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة خلال أكتوبر    خطوة صحيحة ومفيدة للمريض.. نقابة الصيادلة تعلق على مقترح مدبولي بكتابة الروشتة    بلينكن يؤكد أهمية احتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني    موعد بدء العام الدراسي الجديد للجامعات 2024-2025.. والخريطة الزمنية للعام المقبل    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تعمل على عزل بلدات وقرى الجنوب اللبناني    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلي شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون المشترك    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    محافظ الدقهلية ييستلم دفعة من المواد الغذائية لتوزيعها على الأولى بالرعاية    الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الخميس 26 سبتمبر 2024    أحمد سعد وإليسا ورامي صبري وبهاء سلطان.. رباعية تاريخية في أرينا بالكويت    شغل ومكافآت وفلوس كتير.. 4 أبراج فلكية محظوظة في بداية أكتوبر    الأهلي يحفز اللاعبين قبل السوبر الأفريقي    محافظ أسوان ونائب وزير الإسكان يتفقدان خزان أبو الريش العلوي بسعة 4 آلاف مكعب من محطة جبل شيشة    النائب محمد الرشيدي: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    رئيس هيئة الدواء: سحب كافة الأدوية منتهية الصلاحية وليس نسبة منها    وزير الدفاع: التحديات الإقليمية تفرض علينا أن نكون على أهبة الاستعداد    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    بالصور- تطعيم 63.6% من تلاميذ مدارس الوادي الجديد ضد السحائي    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    ضبط 200 ألف علبة سجائر بقصد حجبها عن التداول بالغربية    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    وزير التعليم العالي يشهد حفل استقبال الدفعات الجديدة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    كواليس الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب حزب الله    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدورة ال 36 لمهرجان القاهرة
السينما تطغي علي التفاصيل
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 11 - 2014

بصرف النظر عن مظاهر حفل الافتتاح أو الختام وتفاصيلهما، هذا شيء لا يعني كثيراً الشغوفين بالسينما، وحتي بصرف النظر عن الشكوي من المشادات علي باب قاعات العروض وسوء تنظيم الدخول، وبصرف النظر ثالثاً عن عدم صلاحية بعض القاعات للعرض، فإن الدورة ال 36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي اتسمت بهذه الحيوية التي حملتنا إلي أجواء قديمة كنا حسبنا أنها قد لا تعود، جمهور يحرص علي اقتناء دعوات حضور الأفلام أو "قطع" تذكرة الدخول للعروض والوقوف في طابور طويل لا ينتظر شيئاً سوي التواصل مع السينما وعوالمها المختلفة ومسائلها المتنوعة وقضاياها الإنسانية، كانت هذه اللحظة المفعمة هي الجسر الواصل بين الماضي والآني
، حيث هذا الحافز اللغز الذي يُحرك الناس بإشارة خفية أو مبهمة تجاه شاشة بيضاء يجلسون أمامها ويتفاعلون مع شخوصها وحكاياتها. ثمة حالة سينمائية خاصة تجلت بمعني ما كأنها تقدم نوعاً من التعويض عن سنوات الفراغ الفسيح وتُلوَح بانتهاء طقسه، لتنجو هذه الدورة بالسينما وحدها وننجو معها.. دورة احتفت بالفنانة نادية لطفي ومُنحت لاسم الراحلة مريم فخر الدين، جاءت البرامج الموازية للمسابقة الرسمية لنجد فيها الأجوبة عن الكثير من الأسئلة حول موضوعات مهمة تحتشد بها الذاكرة ولنتعرف مجدداً علي المشهد السينمائي بشكل عام، ماضيه وحاضره، ومن هذه الزاويةتأقيم معرض المخرج هنري بركات (1914 1997) احتفاءً خاصاً بمئوية ولادته، وعُقدت حلقة البحث "مهرجانات السينما الدولية في العالم العربي" التي سُميت باسم الناقد الراحل قُصي درويش، بخلاف الإصدارت المتنوعة من الكتب التي تُعلي من فكرة أن المهرجان ليس فقط نافذة لعرض الأفلام، واستكمالاً لمساحة التنوع طالعتنا أفلام عُرضت في إطلالة أخري خارج المسابقة الرسمية كسرت فكرة أن الفيلم الأفضل هو الذي يشارك في المسابقة الأكبر، وهو ما برهنته علي سبيل المثال أفلام قسم "سينما الغد الدولي"، المخصص للأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة وطلاب معاهد السينما في العالم والذي قدم أفلام شباب السينمائيين، فكان مفتاحاً لتجارب مُشرعة علي أفق مختلف، والمثير أن هذا القسم المستحدث في المهرجان والذي الفيلم البرازيلي "صديقي نيتشه" إخراج فاوستون دا سيلفا بجائزته الكبري والفيلم الفلندي "سانترا والأشجار المتحدثة" لميار تريفو علي جائزة أفضل فيلم للطلاب، وحصل كل من الفيلم المكسيكي "التماثيل" لروبرتو فيسكو، والفيلم الكولومبي "تلك الموسيقي" لداريو فجرانو، والفيلم الألماني "حبيبي" لايزابيلا بلوشنسكا، علي شهادات تقدير، قد نجح في لفت الانتباه إليه وجذب جمهور ظهر ولعه واضحاً بالسينما، فيما بدت اختيارات الأفلام فيه ذكية بدرجة تدل علي رؤية طموحة وفرصة حقيقية لعرض أفلام طلبة معاهد السينما والتعرف علي طرائقهم وأساليبهم ونظرتهم للسينما والعالم.
فيض الأفلام في هذه الدورة بدأ بفيلم الافتتاح "القطع" للمخرج الألماني الجنسية التركي الأصل فاتح أكين، شارك أيضاً في كتابة السيناريو مع الكاتب مارديك مارتن، واستعرض صوراً قاسية لمذابح الأرمن التي ارتكبها العثمانيون خلال الحرب العالمية الأولي، ما جعل خط الفيلم منذ البداية ينحو إلي أجواء ميلودرامية اتسعت حتي أضاعت من الجماليات البصرية أكثر مما يتوقع، فأصبح الفيلم زاعقاً كعبارته الترويجية التي صاحبت "تريللر" الخاص به: (جريمة لن يغفرها الزمن)، وهو يرصد رحلة هذا الأب الأرمني (ناظارات مانوجيان) الحداد الذي كان يعيش مع زوجته (راكيل) وابنتيه (أرسيني ولوسيني) في "ماردين" جنوب شرقي تركي قبل أن يقبض عليه عسكر درك الأتراك وتبدأ رحلة العذاب والتعذيب ل (ناظارات) الذي جسده الممثل الفرنسي ذو الأصول الجزائرية طاهر رحيم، حيث تطالعنا المشاهد الأولي بتحرك القوات العثمانية وقبضها علي المئات من الأرمن لكي يعملوا ب"السخرة" في رصف الطرق، ثم يتركونهم لمجموعة من العصابات التي تنفذ فيهم مذابح جماعية، وركز المخرج علي وحشية هذه الجريمة في عدة مشاهد وجمل حوارية بالفيلم منها صراخ قائد القوات لجنوده عندما يستعدون لتنفيذ الجريمة وقوله لهم: لا أريد إضاعة طلقة رصاص واحدة، في تلميح علي أن طلقات الرصاص أكثر قيمة لديه من حياة الأرمن. وفي خلال هذه الرحلة التي يتغير مسارها بهروب (ناظارات) لم يتغير مسار الفيلم نفسه الذي زوَد من المشاهد المأساوية وقصص البؤس والشقاء التي زادت من قسوة الصورة وميلودراميتها.
في حين جاءت أفلام المسابقة الرسمية هي الحلقة الأضعف، ربما لأن الاختيارات كانت محدودة، فأغلب الأفلام ذهبت إلي مهرجانات أخري كان آخرها أبو ظبي الفائت، ومع ذلك فقد حقق فيلم التحريك الياباني "جزيرة جيوفاني"، حضوراً مميزاً داخل المسابقة الرسمية، فالفيلم الذي أخرجه ميزوهو نيشيكوبو يرسم لوحة لواقع اليابان عقب الحرب العالمية الثانية، حكاية إنسانية من حكايات الحروب علي خلفية منسوجة بطابع عاطفي يحاول من خلاله المخرج أن يقدم حكايته ببساطة تساوي ما أراده من طرح وجهة نظر لا تشتغل علي الادعاء أو الابهار واستعراض العضلات، فقط يروي قصة جونبي وكانتا شقيقين يعمل والدهما ضابطاً بالجيش علي جزيرة شيكوتان الصغيرة، التي بدأت معاناتها لما استسلمت اليابان واحتلت قوات الاتحاد السوفيتي الجزيرة وقامت بطرد السكان من بيوتهم، أما جونبي (10 سنوات) الذي كان يطلق علي نفسه جيوفاني فيعيش مع شقيقه الأصغر كانتا أو كامبانيلا حياة طبيعية.. طفلان لا يعلمان شيئا من الدنيا سوي اللهو واللعب، حرمهما الله من أمهما، ومنحهما أباً ثورياً، محباً للخير، يبذل قصاري جهده من أجل مساعدة الغير، والبطل الرئيسي في هذا الفيلم ليس الإبهار التكنولوجي، كما اتفقنا، وإنما هي أنسنة الحكاية حتي أن جونبي يقع في حب "تانيا" ابنة القائد السوفيتي، وسرعان ما تنشأ بينهما علاقة صداقة قوية، لا يوترها سوي اعتقال السوفيت لوالده، وتتغير حياة جونبي وشقيقه عندما يتم ترحيلهمها من جزيرتهما، ونقلهما إلي معسكر خارجها، ومن المشاهد المفعمة بالعواطف مقابلة الطفلين لوالديهما، كان المشهد الأكثر تأثيرا في الفيلم، فرح وخوف وقلق، وسعادة لا تكتمل، لأن السياج تمنعهم من احتضان والدهما، ومشهد موت الشقيق الأصغر قبل وصوله إلي السفينة التي تحمله هو وشقيقه الأكبر إلي اليابان. اعتمد المخرج ألواناً ما بين الأزرق والبنفسجي تعبر عن تدرج حكايته وظلالها العاطفية.
وفي هذا الإطار جاء الفيلم الاسترالي "بلد شارلي" (Charlies Country) لمخرجه رولف دي هيرو والذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو مع ديفيد جالبليل، متوغلاً في حكاية أخري عن الوطن تدور حول مشاكل المواطنين الأصليين في استراليا والذين يعانون من محاولة السكان البيض، تغيير حياتهم والعبث في تقاليدهم ونسفها تماماً، ويحاول بطل الفيلم "شارلي" الذي يعيش بالفطرة أن يحافظ علي تلك التقاليد ، لكن المستوطنين البيض يغيرون كل شيء من حولهم بداعي الحداثة والتطوير، دون النظر إلي طبيعة الأهل الأصليين لأستراليا، ويعاني شارلي كثيراً ويدخل السجن ليخرج بعد ذلك ويقرر أن يعلم الأطفال الصغار الرقص التقليدي، وقراره هذا لا يعني أن المشكلة انتهت أو أن الأوضاع تغيرت ولكن الرغبة في الحياة.
الوجع عربي
متحرر من "الكليشيهات" لكنه يتمحور حول نفس القضية .. وجع الأوطان ومعاناة الشعوب، وهو الموضوع الذي انتقاه فيلم "عيون حرامية" تأليف وإخراج نجوي نجار في تجربتها الروائية الطويلة الثانية بعد "المر والرمان" (2008)، لا يفلت الفيلم عن قضبان القضية لكنه يكسر جداراً آخر قد يحجب الحقائق، الفيلم الذي يحكي عن معاناة الفلسطينيين قام ببطولته الجزائرية سعاد ماسي (حضورها طاغ في الفيلم، والمصري خالد أبو النجا بجوار الفلسطينيين: ملك أرميلة، خالد الحوراني، إيمان عون، إلياس نيقولا، نسرين فاعور وإميل أندريه، والذي اختير الفيلم لتمثيل فلسطين في مسابقة الأوسكار 2015؛ حيث ينافس علي أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، صُور بالكامل وعلي مدي 25 يوماً في فلسطين المحتلة (منها 21 يوماً في مدينة نابلس والمناطق الريفية المحيطة بها)، ويحكي قصة حقيقية وقعت أحداثها في ذروة الانتفاضة الفلسطينية عام 2002، من خلال "طارق" الذي يكتنف حياته الكثير من الغموض، و يعاني من جروح في جسده تدفع بعض الراهبات إلي مساعدته في الهرب، ونعرف أنه سبق له أن اعتقل بواسطة جنود الاحتلال الإسرائيلي، وبعد الإفراج عنه يعود إلي بلدته ليقتفي أثر ابنته "نور"، التي تركها طوال سنوات السجن التي امتدت زهاء العشر سنوات، ويبدأ في تفقد المكان الذي طرأت عليه تغييرات كثيرة، وتصبح الفرصة مهيئة لكشف الماضي الخفي للبطل "طارق"، مع تسليط الضوء علي طبيعة المجتمع الفلسطيني من الداخل، وخيارات البقاء والمقاومة.
علي حين يوجه الفيلم الفلسطيني "فلسطين ستريو" للمخرج رشيد مشهراوي، شارك في برنامج آفاق السينما العربية، إدانة للسياسات الفلسطينية التي تتحمل مسئولية تدهور أوضاع الفلسطينيين ومأساتهم الإنسانية، وذلك من خلال مشاهد تكشف جانباً من جوانب معاناة الأسري في السجون الاسرائيلية، وينقل مظاهرات تطالب بحقهم في معاملة لائقة، ويوضح أن الفلسطينيين يجلسون فوق خازوقين، الأول هو اسرائيل والثاني هو الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، كما ورد علي لسان أحد أبطاله.
أما الوثائقي "ماء الفضّة سوريا: صورة ذاتية" للمخرج السوري أسامة محمد ووئام سيماف بدرخان فيغوص أكثر في الوجع عبر صور متعددة من هواتف وكاميرات، ضرب.. إعدامات .. جثث الأطفال، اللقطات تصور من مسافة قريبة، لخاطفين وقتلة وضحايا علي حد سواء (مع درجات متفاوتة من الوضوح)، ورغم قسوة الصورة لكن هناك براعة في استخدامها واستعراض كل حالات العنف والمدن التي تتحول إلي أطلال والناس الذين يهربون من الجحيم، وحوار بين مخرج في فرنسا وكردية في سوريا، يحيطه كل أنواع القلق والاغتراب، تسأله: "لو كانت كاميرتك هنا، ماذا كنت لتصور؟، يجيبها: الموت واليأس.
أبيض وأسود
قال ذات مرة المخرج الأمريكي الراحل جون فورد عن فيلمه االباحثون The Searchers (1956) معلقاً علي استخدامه الأبيض والأسود: "أي مدير تصوير يستطيع التصوير بالألوان، لكنك تحتاج إلي فنان حقيقي لكي يصور بالأبيض والأسود"، ربما تأثر بعض المخرجين بهذا القول وقدموا أفلاماً تحقق لهم جزءً من الحنين إلي الماضي أو ربما أشبعت لديهم نزعة التغيير، أو كان هذا الأنسب من وجهة نظرهم لموضوع أفلامهم، لكن لا أظن أن هذا ما حدث مع فيلم "باب الوداع" الفيلم المصري المشارك في المسابقة الرسمية والذي يخطو به مخرجه كريم حنفي خطوته الأولي مستخدماً نمطاً غرائبياً ثلاثة مشاهد هي ثوابت الفيلم: الأم بهواجسها وخوفها، الجدة تعيش لحظتها المتكررة علي خلفيتها صوت القرآن ينبعث من الراديو، الابن طفلاً وشاباً يقف في نفس الزاوية ولا يتغير الكادر، خط واحد يسير علي وتيرته، بشكل يثير الأعصاب أو تمرين لها كما وصفه الناقد اللبناني حين كتب في صفحته علي فيس بوك :"فيلم بليد جداً عُرض اليوم في مهرجان القاهرة السينمائي: "باب الوداع" لكريم حنفي. تمرين لأعصاب المشاهد من خلال مجموعة لقطات غير مترابطة ولدت ميتة. أجهل كيف من الممكن انجاز فيلم كامل كل جزء فيه ينتهي ب"فايد تو بلاك" (اظلام تدريجي الي السواد). هذا ينم عن استحالة تركيب فيلم سينمائي. مهما ابتكرنا من اشكال وصيغ، مهما اعجبنا بمعلمي تخريب الحكايات، يبقي ان كل اهمية السينما في اللحمة بين الشيء وما يليه - سواء أكانت المتتاليات تلتحم ببعضها البعض في شكل عضوي او تنفصل عن بعضها البعض ايديولوجياً -. ولكن عندما ينعدم التماس بينها، لا تعود هناك سينما، بل لوحات تشكيلية معلقة علي جدران متحف. ما شاهدته هو استيتيك دعايات مطعم ببعض الشاعرية التي عفا عليها الزمن. والاستيتيك الطاغي في اي فيلم من الفخاخ القاتلة. الفن الذي لا يقدم إلا الجمال الشكلي، صار فناً "ديموديه" منذ زمن طويل، إذ مهما بلغتَ درجة عالية من الجمال، لن تكون "أفضل" من آخر دعاية ل"مرسيديس". نافسوا في مجال آخر غير الجمال.."
وثمة فيلم آخر هو اليوناني "إلي الأبد" التزمت بتيمة اللونين فقط، وإن كانت مخرجته ومؤلفته مارجريتا ماندا صرحت أنه لا يمكن اعتباره من فصيلة الأبيض والأسود، لكنها صورته بطريقة داكنة ومعتمة، حتي تستطيع التعبير عن الحالة النفسية لأبطال الفيلم، وللمدينة، وعيشهم في وحدة شديدة، حتي استخدامها للون الأبيض في النهاية بررته كإشارة إلي التفاؤل، وإلي وقوع البطل والبطلة في الحب، علي الرغم من الشجن والحزن الموجود في الفيلم. مُلخصة ببساطة فيلمها الذي يدور حول ثنائي هما "أنا وكوستا"، واللذين يعيشان حياة صعبة تكسوها الوحدة، والرتابة والروتين، وفجأة تنتهي وحدتهما بعد وقوع كل منهما في غرام الآخر.
أما فيلم "ديكور"، فربما أراد صناعه (المخرج أحمد عبدالله ومؤلفاه شيرين ومحمد دياب) أن يثبتوا أن الحياة ليست أبيض وأسود، لكن هناك خيارات أخري، واستخدامه لتقنية الأبيض والأسود يفسرها أحمد عبدالله بأنها أتاحت له استخدام أشكال فنية جديدة ساعدته علي أن يوفي القصة حقها، من خلال الصراع الذي تعيشه "مها" بطلة الفيلم بين عالمين أحدهما حقيقي والآخر وهمي، وتطرح من خلال قصتها سؤالاً حول هل العالم الحقيقي بعيد عن العالم الوهمي؟ وهل الاختيارات التي نختارها في حياتنا تكون سهلة، أم تحكمنا بعض العوامل الأخري؟...
عين علي التاريخ
في أول فيلم روائي للمخرج الأردني ناجي أبو نوار (مخرجاً ومؤلفاً)، يتماهي مع التاريخ من خلال قصة الصبي البدوي "ذيب" الذي يذهب في رحلة بعيدة يفقد فيها طفولته البريئة، مواجهاً الوقائع الرهيبة علي طول رحلته عشية اندلاع الثورة العربية في عام 1916. فالصبي مع قبيلته التي تتجول في صحراء الحجاز بسلام غير مدركة بأن العالم يعيش في حرب، وتنقلب حياة ذيب رأساً علي عقب مع وصول الجندي البريطاني " إدوارد"، ويدور الفيلم علي خلفية التغيرات التاريخية الكبيرة التي شهدتها الإمبراطورية العثمانية. يتوجه ذيب في رحلته شمالاً إلي وادي رام في الأردن باتجاه معن. ويوجه المخرج أبو نوار سؤاله من خلال شخصيات الفيلم: امن هي الشخصيات الحقيقية علي أرض الواقع؟ وتأتي ويمتزج التاريخ بملحمية للقصة مع التمثيل العفوي التلقائي ما يجعلنا أمام تجربة مهمة وثرية وقصة دافئة ينتج عنها فيلم كبير ونموذج جديد للإنتاج يمكن أن يشكل علامة بارزة من علامات السينما العربية.
علي صعيد مقارب جاء الفيلم المغربي "الصوت الخفي" سيناريو وإخراج كمال كمال الذي يسترجع جزءًا من التاريخ بأسلوب خاص، فالمخرج المولع بالموسيقي، يستخدمها بشكل مختلف وليست كموسيقي تصويرية وإنما هي ركن أساسي في العمل، حيث يستدعي المخرج الماضي بأداء أوبرالي يستعيد جانبا من تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، أثناء حرب التحرير الجزائرية..
وعلي نفس الأرضية وقف فيلم الختام اليوناني "انجلترا الصغيرة" لمخرجه بانتيلس فولجاريس وهو ملحمة عن عائلة استثنائية ترصد حياة الشقيقتين "سالتافيرو: أورسا وموسكا ووالديهما وأزواجهما وأطفالهما عبر عقدين من التاريخ الحديث لليونان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.