وزيرة التنمية المحلية: اللامركزية ركيزة أساسية للتنمية البشرية    «بنيامين ذئب يفترس».. نتنياهو يحتفل بيوم ميلاده ال75 على دماء الفلسطينيين    إيران تتقدم بشكوى لوكالة الطاقة الذرية بشأن تهديد إسرائيل مواقعها النووية    عاجل.. إصابة نجم الأهلي تصدم كولر قبل نهائي السوبر أمام الزمالك    السلوفيني فينسيتش حكما لمباراة برشلونة وبايرن ميونخ بدوري الأبطال    منتخب الشاطئية يصعد إلى نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية    الأمن يضبط شخصين شرعا فى سرقة وحدة جهاز تكييف بأسيوط    تارا عماد تقدم دور أكشن بفيلم درويش مع عمرو يوسف ودينا الشربيني    غادة عبدالرحيم: المؤتمر العالمي للصحة والسكان انطلاقة حقيقية لمبادرة "بداية"    محافظ أسوان يستقبل ضيوف مهرجان تعامد الشمس بمطار أبو سمبل الدولي    فصائل فلسطينية تعلن مقتل محتجزة إسرائيلية في شمال قطاع غزة    وزير الإسكان يعقد اجتماعًا موسعًا لمتابعة موقف تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    رئيس الوزراء يُتابع مع رئيس المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة ملفات العمل    ضمن «بداية».. تنظيم بطولة كاراتيه للمرحلتين الإعدادية والثانوية بالمنوفية    السيطرة على حريق هائل بكافتيريا بالطريق الزراعي السريع «طنطا/ كفرالزيات»    منها «قاسم والمكنسة».. أشهر نوات تضرب الإسكندرية فى 2024    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين بغرق 16 فتاة في حادث «معدية أبو غالب»    بالصور.. "مؤتمر الجمعيات الأهلية" يُكرم رائدات الأعمال بالجيزة    جولة مفاجئة لوكيل «التعليم» بالغربية على مدارس كفرالزيات    الأربعاء .. انطلاق المؤتمر السنوي الثالث في العلوم الإنسانية بجامعة بنها    «النواب» ينتهي من مناقشة مشروع قانون المجلس الوطنى للتعليم    محاضرة لمحافظ شمال سيناء للمشاركين في برنامج أهل مصر    البورصة المصرية تختتم بريح 49 مليار جنيه ومؤشرات خضراء    تقديم خدمات علاجية ل17 ألف شخص على نفقة الدولة في المنيا خلال سبتمبر    تعديلات في قانون التأمين الصحي الشامل لضم المستشفيات النفسية والحميات    حريق يلتهم محلًا تجاريًا في الغربية (تفاصيل)    محمود أبو الدهب: شوبير يستحق المشاركة أساسيًا مع الأهلي    البورصة والدعاية ومكافحة الحرائق.. أنسب 10 مهن ل برج الحمل    السوبر المصرى.. السلطات الإماراتية تستدعى ثلاثى الزمالك للتحقيق    «النواب» يوافق على إنشاء «المجلس الوطني للتعليم» في مجموعه ويؤجل الموافقة النهائية    الولايات المتحدة تعلن عن دعم مبادرات أوكرانيا    غدا.. آخر موعد للتقديم في مسابقة الأزهر السنوية للقرآن الكريم    انطلاق مهرجان «أكتوبر العزة والكرامة» بجامعة القناة (صور)    وزير الدفاع الأمريكي يصل كييف لمناقشة طلب أوكرانيا الانضمام للناتو    تداول 14 ألف طن بضائع بموانئ البحر الأحمر    سيطرة مصرية على المشاركة في تحدي القراءة العربي.. وجوائز العام 11 مليون درهم    الصحة: 50% من الأفراد يستفيدون من المحتوى الصحي عبر الدراما    تفاصيل أول حالة لاستئصال البروستاتا بالتبخير في مستشفيات الدقهلية    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    وزير التعليم العالي يستقبل سفير أذربيجان لبحث آفاق التعاون المُشترك    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    لجنة الميثاق العربي تناقش تقرير قطر لتعزيز حقوق الإنسان    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    كيف أقصر الصلاة عند السفر.. اعرف الضوابط والشروط الشرعية    حدثوا التابلت ضروري.. تنبيه عاجل من المدارس لطلاب 2 ثانوي    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء عامل حياته شنقا من مسكنه في المنيرة الغربية    أهلي جدة في مهمة صعبة أمام الريان بدوري أبطال آسيا    ناقد رياضي: على «كهربا» البحث عن ناد آخر غير الأهلي    الأمن الإماراتي يستدعي ثلاثي الزمالك للتحقيق.. ورئيس النادي يهدد بالانسحاب من السوبر    ليفربول يرصد 50 مليون يورو لضم جول كوندى مدافع برشلونة لخلافة أرنولد    الحوار الوطنى يكشف التأثير الإيجابى للدعم النقدى على القدرة الشرائية للأفراد    المرور تحرر 29 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    وزير العمل : عرض قانون العمل الجديد على مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجارى    إطلاق رشقة صواريخ من لبنان    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقب صغير
في النافذة المفتوحة
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 10 - 2014

حدث هذا قبل الهجرة بأيام، ولم يزلْ يحدث كل يوم. صار زمناً سرمدياً مستقلاً، يملك مفاتيح دخوله وخروجه أدوات حفره الغائر أو نكوصه السأِم، يملك حتي أن يتلاعب بمؤشر درجة الحرارة في جهاز التكييف.
تسقط الحرارة كل يوم عدة درجات تحت الصفر، ويعظم معها خوفها من تعطل جهاز التكييف.. أن تلتهمها البرودة تماماً، فالأضداد كلها خصوم، والوسط دائماً رفيع وزلِق ويُنذر باحتمالات لا نهائية عتيدة، وهي في البرد بجسد مُتيبس، وفي الصهد بعرق غزير وأرق.
حدث هذا قبل الهجرة بأيام. ينامان متعانقين للمرة الأولي دون أن تؤلمهما الأذرع وتجبرهما علي التراجع، والانكفاء كل في صدره، يبدو الأمر مدهشاً.. أن يناما متعانقين حتي الصباح، دون أن يرغب أحدهما، أو حتي كلاهما، في تعديل وضع الرأس أو الظهر أو الأرجل، أن يستغرقا علي هذه الحال، أن يمر الأوكسجين إلي الرئة ممتزجاً برائحة العرق الغزير والمستمر ابن الصيف؛ ابن الصيف في اللذة، ابن انزلاقات الثنيات الحميمة ومسامات البشرة الشبعانة.
في الصباح يأتي الحرس ويخرِّبون الغرفة، وتكاد الأذرع تنسحق وهم ينتزعونه منها. كان عُريه يغطيها ثم حيناً لم يعدْ. انكشفت عورتها. وعورته. رأته خزيان. كان ينبغي للغرفة أن تتسع لشجرة ما، تهرب إليها، فلا يتفرجون علي عالمها الداخلي كله بهذه البساطة، أن تتواري خلفها حتي يذهبوا. من أجلها يقاومهم ويحاول أن يلكم أي أحد منهم. يأتي بحركات سريعة وجلة تحاول تحري عدم السقوط أمامها. وحركته تمد طغيانهم وإصرارهم علي مهانته بالذات أمامها.
أسقطوه وداسوا علي عنقه. وهي تزحف إلي حيث أولي الفراش، كأنه الشجرة، كأنهم لا يرونها، كان خشب الفراش بعيداً جداً مغوياً مثل سراب، وأصوات اللكم وتكسر العظام وحشرجات الحلق وغثيان أن يسقطوه ويدوسوا علي عنقه. تستدير حين تصل للشجرة تسند ظهرها إليها، وتراهم بوقاحة ينظرون إلي ما بين فخذيها، ويصفون ما حدث بينها وبينه بالأمس، وهو لا يستطيع أن يُدير عنقاً ويستكبر أن يصرخ.
تعرف كبرياءه كما تعرف الآن كم درجة ستسقط في الغد عن الصفر مؤشرات الحرارة. يزيد كبرياؤه عنادهم، تكرهه، تكره كبرياءه. جرّوه إلي بعيد جداً. كان الفراش يرتجف أسفلها، وهي تستمسك أكثر بالشجرة وتظن أنها نجاتها. في الصباح التالي جاء أهله جرّوها معهم، كي تبحث معهم عنه في المكان البعيد جداً، حيث أخذوه من قبل إليه. في الواقع لم تفارق الشجرة من حينها، وظل الفراش يرتجف دون أن يراه أو يشعر به أحد. طاردتها في الطريق الكيفية التي وصفوا بها ما كان يجري بينهما، تغلق ذراعيها عليها تنكفيء في صدرها، تبغض نومتها التي كانت متشابكة معه، وتخاف.. حتي أن تنشج.
ذات يوم استيقظت صغيرة بغتة علي وجه قطة ما، راحت في نوبة صراخ متتال، فزعت القطة وهربت، وبالت هي في ملابسها، لم تصدقهم حين قالوا إنها مجرد قطة تسللت إلي الداخل في زمن سهوهم، حملّت القطة كل سرابيل كوابيسها، ومتاهات مخافتها، حدث ثقب صغير في الداخل بدأ بوخز، يتسع باستمرار مع حوادث الحياة العادية، ومع سطوع خوفها من البكاء أمامهم، لأنهم يهزأون ولأنها كبرت. الثقب يمكن أن يصير شجرة مُعلقّة علي خشب السرير، ويمكن أن يستحيل مسموعاً إلي حشرجات مخنوقة تحاول استبقاء الحياة وجذب أوكسجين صافي بلا أي روائح عرق الآن علي الأقل.
حدث هذا قبل الهجرة بأيام. أهله يجرّونها معهم إلي حيث الغرفة تحت الأرض، مكان معد لكل الكوابيس، والمسافة بين سقفه وأرضه لا تتسع للشجر. يجب أن تذهب معهم إليه. لمْ تود. ذراعاها تؤلمانها وتود أن تعدل وضع نومتها. تُخفي خوفها وتتقدم معهم إلي حيث البعيد جداً. السراب. يسحبونها بأيديهم دون وعي ورجلاها تكنسان الأرض. الكيفية التي يصفون بها ما كان يجري بينهما. ونظرتهم إلي ما بين فخذّيها. واحتمالات تعطل جهاز التكييف.. وموتها من البرد.
يطلبون من الحرس أن يروه، أحد الحرس كان شاهداً علي تواريها خلف الشجرة بالأمس، ابتسم ابتسامة خبيثة وغمز لها وهو ينظر إلي مركزها. ثم ينادون اسمه. تُفتَح أبواب وتُغلَّق، ويرد صدي حشرحات صراخ متتال من بعيد.. بعيد جداً. الغرفة التي يجلسون فيها واطئة السقف، ينحنون وهم يتحركون، لا تتخيل أن ظهرها سيعتدل حين تخرج، والصيف ابن الشمس الحارقة، ودون أي أجهزة تكييف يُشعل روائح عرقهم الكريهة، وتبغضها أنفها، تكاد تقيء، تنظر إلي نافذة صغيرة- لا تعرف الآن إن كانت قد حضرت حقيقة أم هي فخاخ ذاكرة- نافذة مفتوحة علي ذاتها ؛ في يوم سابق كانت مستسلمة علي الفراش الساكن، تسمع الطريقة التي تمضغ بها أسنانه الطعام، وهو يأكل بجوارها، ويحاول أن يُصحّيها، يحاول أن يسحبها من النوم الثقيل، تبتسم له، ويدخل الصوت إلي تهاويم النوم وتنسحب.
أن تتحكم بالضبط في درجة حرارة جهاز التكييف أن تقف الدرجة في الوسط، لا يزيد دفئها فيعود بها إلي حيث الغرفة الواطئة ولا أن يقل الدفئ فتتسرب البرودة إلي عظامها وتتيبس، وربما تموت. موتها ليس احتمالاً بالأمس سمعت عن موت شاعر مهاجر في البلاد البعيدة -التي كانت يوماً بلادها- بسبب عنت البرد، علي الطريق، مع أنها تعرف في البلاد البعيدة أن الصيف حار جداً ومُهلِك. يستلقيان علي الفراش، يتشابكان بذراع واحدة، بينما الأخري طليقة ينظران سقفَ الغرفة البعيد عن أصابع اليد الحرة حين تمتد، ويتحدثان، يتكلم عن مزايا الهجرة، عن احتمال ممارستها في الوقت القريب، تبتسم وهي تلثم حلمة ثديه بأمان وتجيب عن الاحتمال بيقين اللحظة الراهنة لحظة اللذة الكاملة.
كانت تحب نبرته. نافذتها مفتوحة الآن علي برد الخارج ومسير أصحاب السترات الثقيلة، لا شجرات خلفها، ستارة فقط تسدل الجفن عليها، حاجز خشبي يستبسل في كبح عنفوان البرد عنها، وستسقط غداً الحرارة عدة درجات أخري كما يحدث عادة في بلاد المهجر. كانت تناديه وهي تغسل جسمها، وحين يلج مُحيطها تسأله أن يغني، وحده الغناء يملك أن يستعرض كل نبرات الصوت الخبيئة، يملك أن يحررها، كانت تغسل جسده علي إيقاع نبرته وهو يعلو.. وهو ينخفض، وهو يضع يده خلف كوعها فيدعم رعشة يديها ويُغيّبها. ثم يصلان، وتتبدل الأدوار، تغني هي ويغسل هو جسمها دون أن تدعم أي رعشة لكوعه، كان لكوعه أيضاً كبرياء. ويصلان، ويتبعثر ماء النزق في المُحيط.. ويطمئنان.
في الحجرة الواطئة ينتظر الجميع لحظة رؤيته، صوته رجِلُ تكنس الأرض وأخري عكاز يدب بمسير كسيح، تحمل بمشقة نظرتها من النافذة المفتوحة إلي حيث هو، جثة فارقتها الروح منذ وقت. أدركت هذا من اللحظة الأولي. لقد مات. ملأت الرائحة النتنة أنفاسها، وأخذ الثقب يقيء .. يقيء. بقعات سوداء تعشش في وجهه، في أجزاء جسده العارية المُهلهلة، الجسد الذي كانت تغسله، ويغسلها.. أجزاء أسنانه الناقصة، الأسنان المخلوعة، لن يعود يمضغ الطعام، عيناه السوداوان بالكامل، بياضهما الذي ترمّد، جثة فارقتها الروح، لن يكون هو.
في النافذة المفتوحة ينظرُ الحارس نفسه إليها.. بالتحديد إلي مركزها، يمضغ لسانه، ويدلك النتوء بين رِجليّه ويبتسم، دون أن يكون ثمة شجر يحميها من سماع الكيفية التي يصفون بها ما حدث بينهما. تقترب جثته منها، يرتعش كل أحد منهما رعشته. تسقط الحرارة عدة درجات بالخارج ويتسع الثقب أكثر، وهي تري في نافذتها ما قاله لها قبل هجرتها بأيام في الحجرة الواطئة وهو يرتجف "متسبينيش"، ثم وهي تستدير إلي النافذة وتقول له "حاضر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.