جاء إعلان نبأ موت ماركيز، بمثابة صدمة هزت العالم أجمع، وعلي كافة المستويات، فقد نعاه الروس والأمريكان والفرنسيون، جنبا إلي جنب مع العالم العربي وأمريكا اللاتينية وإسبانيا، وكيف لا وقد ترجمت أعماله لكل لغات الدنيا وأصبحت شخصيات عالمه الأدبي أيقونات كونية خالدة. وليس عجبا أن ينضم إلي طابور المعزيين الطويل الذين أسفوا علي رحيل صاحب "مائة عام من العزلة"، جماعة متمردة مثل القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (فارك). عن طريق حسابها علي شبكة التدوين المصغر تويتر (حوار السلام فارك) أو (Diálogos Paz FARC) كتبت الجماعة المتمردة تغريدة تنعي فيها جابو جاء فيها: "إن رحيل جابو خسارة كبيرة لكولومبيا والعالم. ستظل أعماله تخلد ذكراه. نتضامن مع أسرته في هذه اللحظة". رحل جابرييل جارثيا ماركيز عن عالمنا الخميس 17 من إبريل الجاري عن 87 عاما بمنزله جنوب العاصمة المكسيكية. وظل جابو ملتزما بقضايا بلاده طوال حياته سواء في أعماله الأدبية أو من خلال عمله الصحفي، وفي مقدمتها قضية السلام. ونظرا لمواقفه الجديرة بالاحترام، فقد وقع الاختيار عليه كوسيط ضمن المحاولات العديدة والمبادرات التي سعت للتوصل لتسوية سلمية بين النظام والجماعة المتمردة ذات التوجهات اليسارية الماوية المتطرفة. قام ماركيز بهذا الدور لأول مرة عام 1985، بناء علي طلب من الرئيس الكولومبي السبق بليزاريو بتانكور (1982-1986)، والذي أطلق مبادرة للتوصل لتسوية سلمية للنزاع بين الفارك والجماعات شبه العسكرية الأخري مثل جيش التحرير الوطني (إلن) وجيش التحرير الشعبي (إبل) وحركة 19 أبريل. وقد أسهمت جهود ماركيز في اقتناع الجماعة الأخيرة (م-19) بالتخلي عن العنف وتسيم سلاحها. وقع الاختيار عليه كمبعوث عام 1999، لمبادرة حوار (كاجوان) التي أطلقتها حكومة الرئيس أندرس باسترنا (1998-2002) مع جماعة فارك، والتي باءت بالفشل. آخر مرة شارك فيها جابو في مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات المتمردة كانت أثناء حكومة الرئيس السابق ألبارو أوريبي (2002-2010)، وساهمت جهوده في تقريب وجهات النظر بين الحكومة وحركة (إلن). عندما بدأت حكومة الرئيس الحالي خوان مانويل سانتوس، جولة جديدة من الحوار السلمي مع جماعة فارك، بعث الرجل الثاني في الجماعة إيفان ماركيز، والشهير ب(لوتشيانو مارين أرانجو)، برساله في الرابع من أبريل الجاري، أعرب فيها عن تمنياته بقرب تعافي أديب نوبل الكولومبي، والذي كانت صحته قد بدأت في التدهور في تلك الفترة وتم نقله إلي المستشفي. لم يكتف ماركيز ببناء عالم سحري مواز يساعد الفقراء علي تجاوز مرارة الواقع، بل جعل من هؤلاء الفقراء والمهمشين مهما بلغت درجة رفض المجتمع لهم، أبطال هذا العالم. من هؤلاء كان بابلو اسكوبار، اشهر تاجر مخدرات في العالم، والذي خلده في روايته الشهيرة "نبأ اختطاف". في أسلوبه التركيبي الذي يجمع بين الحس الصحفي والسرد الخيالي، كشف ماركيز عن صيغة ارتباط "الجيريلا" ذات الأيديولوجية اليسارية بكارتيلات المخدرات ومافيا السلاح، واعتماد هذه العصابات نفس الأساليب لتحقيق أهدافها ومن بينها الخطف والابتزاز والترهيب. صدق ماركيز في التعبير عن هذه المجتمعات التي تعتمد قيما مختلفة في التعامل مع النظام، أكسبه احترامها وجعل منه وسيطا ذا مكانة لا يختلف عليها أحد، ولم يستطع أحد أن يتهمه في الوقت نفسه، بأنه أديب نظام أو أنه محسوب علي أي نظام. انتصر ماركيز للانسانية بكل أشكالها في مبدأ مستقيم نزيه لا يتجزأ، فضمن الخلود وكسب الاحترام سواء لدي الأنظمة أو المتمردين عليها.