كثيرا ما تتحول المدينة في حياة المبدع إلي ملهمة ومعشوقة، تحتله فيقع أسير هواها فيغازلها ويتألم، ثم تصبح أعماله انعكاسا لأحوالها، أو ربما تتحول الحبيبة إلي مدينة تصبح هي الوطن والملجأ في حياة من أبدعها. ولكن الفنان فرغلي عبد الحفيظ لم تحتله مدينة واحدة وإنما تجولت بداخله عدة مدن شحذته إبداعيا ليغرق في سحر كل منها فترة ويؤرخها من خلال مجموعة من اللوحات البديعة، وهو ما ينبع من عشقه للمدن العتيقة العريقة ... ذلك العشق الذي قال عنه .. سيظل كذلك دون توقف، مضيفا إن المدن هي ذاتها البوتقة وهي ذاتها أيضا المنجم الذي تتشكل فيه وتنصهر وتذوب فيه ثقافات وحضارات الشعوب. وما أجمل التعبير بعيوننا وبثقافتنا عن ثقافة وملامح الآخرين، ما أحوج البشرية الآن إلي التلاقي من خلال الفن ذلك الوسيط المليء بالأحاسيس والمشاعر بديلا عن التلاقي فقط من خلال تبادل الأجهزة الصماء والفاقدة للإنسانيات. وقد جاءت أثينا لتكون هي المدينة التي احتلت مخيلة فرغلي الإبداعية مؤخرا ليقدمها في ما يزيد عن خمسين لوحة عرض معظمها بمعرضه الآخير "أثينا فرغلي" الذي استضافه جاليري الزمالك للفن، لتصبح بذلك المدينة الثانية عشرة التي يخصص لها معرض منفرد، بعد عدة مدن عريقة داخل مصر وخارجها ومنها القاهرة والأسكندرية وأسوان، وفلورنسا وفنيسيا بإيطاليا، وباريس، ولندن، والبحر الميت واسطانبول وفيينا. يقول الفنان اخترت أثينا لأنها رمز الحكمة والقوة عند الإغريق القدماء، وهي المدينة التي أسست لثقافة وحضارة الغرب بأكمله وتعد منبع كلاسيكياته ... وأثينا مدينة أرسطو وأفلاطون ... مدينة الفن والعمارة المدينة التي عشقت الحضارة المصرية القديمة واقتدت بها باعتبارها حضارة سبقتها إلي تمكين وتمجيد التحضر لبني البشر، وليس بغريب إذا أن تكون أثينا هي المدينة الأوروبية الوحيدة التي دعمت مشاعر الشعب المصري في 30 يونيو 2014 الأمر الذي عزز اختياري لها في هذا التوقيت لكي تكون بطل هذا المعرض. ويضيف الفنان ربما لم يتبق من ملامح أثينا المعمارية القديمة الكثير لكن حضورها التاريخي والمعنوي والفلسفي والديمقراطي والأولمبي لا يزال ماثلا في أجوائها وأصواتها وبشرها الوافر المحبة، فأثينا الحالية ليست قديمة كباقي المدن إلا أن تاريخها موجود في قلبها . ولعل أكثر ما يميز أثينا حاليا هو قدرة الناس علي الحياة والسعادة والبهجة، كما أن الموسيقي جزء من روح المكان، ولهذا يمكنك أن تسمعها منبعثة من لوحات فرغلي المفعمة بالحياة والألوان والخطوط الجريئة الراقصة. وقد غلب اللونان الأبيض والأزرق علي العديد من اللوحات التي قدمها فرغلي في معرض "أثينا"، فهي مدينة الأبيض والأزرق كما يصفها الفنان، وهما اللونان اللذان تلمحهما في كثير من العمارة والملابس. وتخرج لوحات فرغلي عبد الحفيظ بعيدا عن التوثيق المباشر ، بل هي أقرب لرحلة في روح المدينة لتعكس تفاعلا نفسيا وإنسانيا وما تبثه تلك الرحلة في وجدانه اتصالا بالماضي العريق وتواصلا مع الحاضر وتطلعا للمستقبل. وبالرغم من أن هذا المعرض هو الثاني عشر في تاريخ معارض المدن التي قدمها الفنان فرغلي عبد الحفيظ إلا أن لديه أكثر من 80 معرضا تنوعت بين المعارض الفردية والجماعية، والمعروف عن الفنان فرغلي عبد الحفيظ أنه مولع بالحضارة المصرية القديمة، وقد اشتهر بعشقه للجنوب ولذا تحتل أسوان مكانة كبيرة في قلبه. والفنان فرغلي عبد الحفيظ من مواليد ديروط أسيوط عام 1941، وقد حصل علي بكالوريوس التربية الفنية ، ثم حصل علي دبلوم أكاديمية الفنون الجميلة فلورنسا إيطاليا ، وهو أستاذ بقسم التصميم بكلية التربية الفنية، وساهم في تأسيس جماعة الفنانين الخمسة عام 1963 وجماعة المحور عام 1981 .