يندر أن تجد مثل ياسين مكيوي: مثقف موسوعي ملم بجوانب القضايا المختلفة، ينفذ بسلاسة وسهولة إلي المتون ولا يبق عند القشور. أنيقاً في حديثه وفي هيئته وفي سكوته، في زمن اختفت فيه الأناقة. يجسد ياسين مكيوي حكمة المصريين من الطبقة الوسطي في عصرها الذهبي: الصعود الاجتماعي مرتبط بالتعليم الجيد وبالإرادة الشخصية، وهي صورة ذهنية نقلها لأولاده من بعده. يعرف دقائق الثقافة الشعبية المصرية ومنفتح علي ثقافات العالم في الوقت عينه، عالم بالفوارق والتمايزات. في جوانب حياته العامرة تظهر شخصية ياسين مكيوي ففي حياته العملية، سار عكس الركب والسائد فأسس مشروعاً صناعياً في دولة حاربت المشروعات الوطنية الجادة، وفي حين كان الربح السريع مرتبطاً بالمشروعات الخفيفة غير ذات الفائدة علي الاقتصاد وبنيته. حكي لي ياسين مكيوي ذات مرة أن ثقافة الربح السريع تفشت في شرائح المجتمع المصري، حتي أصبح المتسول راهناً يشخط في الناس: هات فلوس، في حين كان موضوع التسول حرفة شاقة تتطلب كثيرا من الجهد في زمن غابر مضي. استعاد ياسين مكيوي قصة "السيد حلال عليه" في الاسكندرية لإثبات ما يقول، والذي كان يضع الكراسي علي أنفه وينفخ النار من فمه، قبل أن يدور علي المتحلقين لمشاهدته كي يجودوا عليه جزاء وفاقا للأداء الرفيع. رغم الانحدار الزاحف إلي حياتنا منذ عقود، لم يفقد ياسين مكيوي أمله في مستقبل أفضل لنفسه وعائلته وبلده، فكان طاقة متوهجة من البهجة والأمل انطفأت فجأة تاركة غصة كبيرة في قلوب محبيه. سأفتقد صديقاً لم ألتقه كثيراً في حياتي، ولكنه كان يترك أفضل الانطباعات وأكثرها عمقاً في كل مرة قابلته فيها.