بالرغم من عراقة فن النسيج المصري الذي يعود لعهد الفراعنة والذي امتد ليضرب بجذوره في التاريخ المصري علي مر العصور، وهو التاريخ الذي يرويه متحف النسيج المصري بقلب شارع المعز بل والعديد من المتاحف العالمية التي تعتز بعرض قطع بديعة من المنسوجات المصرية، فقد ظل هذا الفن العريق بعيدا تماما عن ساحات الفن التشكيلي، وهو ما دفع المهتمين به لإقامة الصالون الأول لفن النسيج الذي استضافه قصر الفنون بدار الأوبرا كنواة لحدث سنوي يهدف للنهوض بهذا الفن الرفيع وإدراجه علي خريطة العروض التشكيلية. وتعتبر هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها تخصيص عرض فني قومي بهذا الحجم لفنون النسجيات، وقد شارك في هذه الدورة مجموعة من المؤسسات المتخصصة مثل دار النسجيات المرسمة بقطاع الفنون التشكيلية، وهيئة قصور الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية، ومؤسسة ويصا واصف، وفوة للكليم، وجمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة، ومدرسة أمير أمين للنسجيات التلقائية، وهو ما منح الزائر فرصة التعرف علي أشكال الفنون النسجية بشكلها التراثي التقليدي في الدور الأول ، قبل أن ينتقل إلي الأشكال المختلفة لهذا الفن والذي غلب عليه الطابع الحداثي والأكاديمي . وقد شارك في المعرض نحو 225 فنانا من مختلف الأجيال قدموا أعمالهم الفنية التي اختلفت في تقنياتها، فضلا عن إعادة تقديم أعمال كبار الفنانين علي النسيج، وتكريم أسماء عدد من عمالقة الفن التشكيلي مثل الراحل بيكار، والفنان الراحل سيف وانلي، والفنان الراحل صلاح طاهر، والفنان الراحل حسين الجبالي، وغيرهم. ولعل الزائر لهذا المعرض الضخم سيشعر بلا شك بذلك الوصف الذي استخدمه الشاعر والباحث مسعود شومان للحديث عن فن النسجيات .. "حياة بكاملها" حيث يقول ليست مجموعة من الخيوط المتراصة ولا الألوان المصمتة، إنها حياة بكاملها، بل هي التمثيل الحيوي لذاتنا الحضارية، وحين نتحدث عن النسجيات وفنونها، فإننا نتحدث عن تاريخ عريق مهرته يد المصري حين تفنن في منتجه وهو يبدع فنه/ حرفته ليحقق بها نفعا وجمالا أهملوه وتركوه نسيا منسيا. ويري د. صلاح المليجي أن فن النسيج يعد ملمحا رئيسيا من ملامح شخصية وهوية المجتمع وانعكاسا للموروث الثقافي للإنسان، ولذا فإن قطاع الفنون التشكيلية وهو يدشن هذه الخطوة الهامة إنما أكد علي استمراره في تنفيذ إستراتيجية تعي أهمية نشر ثقافة الحفاظ علي الفنون التراثية، بشكل يضمن استمراريتها والمساهمة في تطويرها وتحديثها دون تعدٍ علي طابعها التراثي الجميل . إن النسجيات ذات القيمة الفنية العالية تتحقق بها مجموعة من الضوابط التشكيلية التي تعكس بصدق ملامح مجتمع وثقافة جماعة إنسانية محددة، وهو ما أكدت عليه د. سهير عثمان قومسير المعرض مضيفة إن فنون النسجيات تعد أحد أهم الملامح التي تعكس الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي للمجتمع والزمان والمكان. وقد علق لي الفنان عز الدين نجيب علي هذا الحدث قائلا إن تدشين مثل هذا الصالون يعد خطوة إيجابية ورد اعتبار لهذا الفن الجميل ... ولكنه أشار في الوقت ذاته إلي أن علي القائمين علي هذا الحدث توخي الحذر حتي لا يقعوا في فخ الحداثة المفرطة فيغلب طابع التغريب علي الأعمال المعروضة في الدورات القادمة، ولذا أكد علي أهمية الحفاظ علي الشكلين التراثي والحداثي والعمل في خطوط متوازية تضمن تنمية الجانبين. وعن إعادة تقديم أعمال كبار الفنانين علي النسيج ، أشار د. نجيب إلي أن تلك الأعمال تعتبر بعثا جديدا بشكل جديد، فعندما نري فنان نسيج يقدم لوحة لمحمود سعيد أو بيكار فإنما هو يضع جزءا من روحه في هذا العمل. إن ما ذكره د. عز الدين نجيب حول الأصالة والمعاصرة هو بالفعل ما يجب أن يضعه القائمون علي تنظيم الصالون في حسبانهم ، فيجب الحفاظ علي التراث ممثلا في طرق النسيج التقليدية والتلقائية والتي وصفها د. أمير أمين علي مؤسس مدرسة د. أمير أمين بأنها تحمل كثيرا من روح الشعب المصري وجذوره وتعبر عن الأصالة ، وهو ميراث فكري وتراثي وحضاري، لا سيما وأن كثيرا منها أصبح معرضا للزوال. كما يجب أيضا النظر بعين التطوير والتحديث هذا الفن لا سيما وقد ظل بعيدا عن ساحات العروض التشكيلية فترات طويلة الأمر الذي علقت عليه د. عائشة نصر أستاذ تصميم طباعة المنسوجات بكلية الفنون التطبيقية قائلة لقد جاء هذا الصالون ليؤكد علي قيمة النسيج الجمالية بتقنياته المختلفة بما في ذلك فنون الطباعة والباتيك والاستنسل وغير ذلك التي تتضافر مع قيمته الوظيفية، وهو ما يفتح مجالا كبيرا للإبداع، وأضافت لذا شجعنا كثيرا من الشباب من طلاب الكلية علي المشاركة في الصالون، وتم تقييم أعمالهم ومنح جوائز للأعمال المتميزة منها. وسوف نحرص علي تطوير الصالون وطرح موضوع محدد للصالون القادم الذي سنبدأ الاستعداد له من الآن لتقديم مزيد من الابداعات الفنية.