مريم الأخري عتبة دخول: إن الحزن الذي جعلك دائما تحملين حقائب السفر ، و رحلك في غربة لا تنتهي نحو منافي الروح ليس لعيب فيك ، إنما لعيب فينا نحن .
حلمه بالشفاء ما زال نيئا ؛ سيظل مريضا بالحنين إلي مدينة لا تشبه مريم ، ما عادت تمنح العابرين الشرفات و السحب بالمجان . و يخرج في المساء مريضا ، يمنح ظله للمصابيح رشوة ؛ كي لا تدل عليه . يصيح بآخر ترام جامح ، يوعز إليه أن يرحل المدينة إلي الجراج . حين ينهضه العابرون ، يتذكر بعد قليل أنه سقط ؛ فيفرك عينيه مازحا , و يضحك ملء قلب مريم . و كفأر أعمي ، يحاذي حوائط خشنة لا تعرفه ، يبحث عن شوارع جانبية مظلمة ، تحمل في شرفاتها المناشف وتناديه ؛ لتمسح ما اتسخ من الثياب و الذاكرة . بقدر اتساع خطي مريم يمشي ... و يمشي ... أكثر مما تطيق الشوارع . عبثا ، يفتش بأصابعه أصوات البنات عن مريم ؛ علها تسد رمقه لأن يكون أكثر آدمية بفاكهة من فرح و دهشة ، تزرعها في كفه حين تصافحه . ولأنها تثق في خيالها سوف تمنح نفسها لبراءته ، حين تقرر : أن تهندم أعضاءها لرؤاه وأصابعه ؛ فيعيد اكتشاف أنوثتها من جديد ، الأنوثة : أول عاشقة لمواسم جني البنات علي جسدها .
عتبة خروج: لماذا كل شرفة يستظل بها تصوب مزاريبها نحوه ؟ و لماذا كل سحابة ينتقيها تمطر فقط عندما لا يكون ظمآن ؟ و لماذا مريم في شرفتها لا تري الأعمي و هو يراها ؟! براءة تعول علي الخمر أن أرد إليها ذاكرتها في الكروم ، علي أن تمنحني يأسا مميزا قدر امتلاء زجاجة ، أواجه به فراغي و شيخوختي. يوما ما ، سأغادر غرفتي ، مخلفا ورائي :- سوءات أجلت اقترافها لمواعيد سدي ، وجوه بنات نذرتها لنزوات ليلية شاغرة ، وفاكهة أنضجها وسخ الأصابع. وحتي لا أخدش دهشتكم ، سوف أخرج للشارع عريان إلا من خجلي. وبعين طيبة ، أراقب سماء تعلو ، متجاهلة ذراعي وسذاجتي. أصوب نحوها حجرا ، وعندما لا أسمع لها دويا أعرف أنها أقرب إلي من سقف غرفتي. وبفرح يليق باكتشافي ، أحتفي ببراءتي مع ما تبقي في الزجاجة.