علي مدي ثمانية أيام، كان الهم الشاغل لما يقرب من عشرين إعلاميا، تشريح الوضع السائد في الإعلام، خاصة في بلدان الثورات العربية: تونس، مصر، ليبيا، حيث عبروا من خلال تجاربهم عن الصعوبات التي تواجه الإعلام سواء من خلال رقابة ظاهرة أو خفية، وسطوة الدولة علي ما يمكن أن نطلق عليه بالإعلام الحكومي أو الرسمي، وكذلك سطوة المال ومصالح رجال الإعلام علي القنوات الفضائية المملوكة لهم. ولم يكن هؤلاء الإعلاميون هم المتحدثين الرئيسيين، بل كانوا متدربين، استمعوا- أيضا- إلي حديث متخصصين في الإعلام، حاول كل واحد منهم إلقاء الضوء علي جانب هام من المشهد الإعلامي الملتبس، في محاولة لترسيخ المفاهيم الأساسية للعملية الإعلامية، وذلك من خلال المنحة التي قدمها برنامج تدريب القيادات العليا بكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية، وحمل البرنامج عنوان " البناء المعرفي للسياسات الإعلامية في البلدان العربية أثناء المرحلة الانتقالية". ثمانية موضوعات رئيسية وقدم البرنامج الضوء علي ثمانية موضوعات رئيسية هي: الإصلاح الإعلامي في سياق المرحلة الانتقالية، حرية الإنترنت، تنظيم الإنترنت، تحديث تشريعات الصحافة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، رصد وتقييم السياسات الإعلامية، إدارة وسائل الإعلام، إنشاء خدمات البث العام في المنطقة، نماذج البث غير العام. النتيجة النهائية لمحصلة المحاضرات التي ألقيت و المناقشات التي تمت، هو أننا في أمس الحاجة إلي إعلام مهني محترم، وأن ترفع الدولة وصيتها علي الإعلام الحكومي، وأن تشكل هيئة متخصصة من قبل خبراء، للخروج من هيمنة سلطة الدولة، والتوسع في خدمات البث العام. المحاضرات والمناقشات تناولت موضوعات عديدة متعلقة بكيفية معالجة الإعلام للأحداث الراهنة، وتحديدا منذ ثورة 25 يناير وحتي الآن، بالإضافة لتطرقها لحرية التعبير وحرية المعلومات، التي اعتبرتها الهيئة العامة للأمم المتحدة في 14 ديسمبر 1946، "هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأممالمتحدة " ، وأن حرية التعبير تعتبر إرثا إنسانيا، كما أن الرقابة عليها ظاهرة عالمية- أيضا- وهما ظاهرتان متضادتان، لكل منهما أهدافها وحجيتها، ومن يدافع عنها. وتطرق الحوار للصراع الدائر حاليا بين الإعلام القديم، الذي تتحكم فيه الدولة وتراقبه، والإعلام الجديد، خاصة الإنترنت، الذي يتميز بصعوبة التحكم فيه، وارتباطه بالثورة التكنولوجية والمعلوماتية، ورد الاعتبار لحرية التعبير، التي هي أساس جميع الحريات الأساسية، وظهر علي يديه ما يسمي بالمواطن الصحفي، الذي يستطيع عبر حسابه علي الفيس بوك أو تويتر أو المواقع الإلكترونية أن يرسل ما يراه من أحداث وأخبار، وكذلك بسبب هذا الإعلام لم تعد للدولة أو نخبة قليلة احتكار ما يبث من معلومات، وفرض سيطرتها علي العقل العام. وتطرقت المناقشات- أيضا- إلي سلبيات الإعلام سواء التقليدي أو الجديد، خاصة الصحافة الإلكترونية التي لوحظ فيها الخلط بين الرأي والخبر عدم وجود أداة لرصد نسبة المشاهدين للقنوات الفضائية الخاصة، أو الأرقام المتعلقة بتوزيع الصحف المستقلة أو حتي الحكومية. ورش عمل وقد حاول المتدربون من خلال ورش عمل أشرف عليها عماد مبارك المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، ود. رشا علام الأستاذ المنتسب بقسم الصحافة والإعلام بكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية، اقتراح طريقة عمل لوسيلة بث عام، وقد حدد المشاركون المخاوف من إنشائها مثل: وجود نسبة لا بأس بها من الأمية، حالة الركود الاقتصادي الحالية، استخدام قانون وحالة الطوارئ، غلق القنوات بدون صدور أحكام قضائية، التخوف من سيطرة رجال الأعمال والإعلانات، عدم وجود مراكز بحثية لدراسة متطلبات الجمهور المستهدف، وفي مقابل هذه التخوفات، هناك فرص لنجاح وسائل البث العام، منها استثمار الحراك السياسي الموجود حاليا في تشكيل وعي جديد، ضرورة تعديل القوانين والتشريعات، استغلال التكنولوجيا في ظهور الإعلام البديل، المنافسة ستؤدي إلي تجويد المضمون. ولأن هناك رغبة مجتمعية في تشكيل مجلس مستقل للإعلام، وأن يكون إعلام الدولة هو إعلام الشعب وليس إعلام السلطة، قدم عماد مبارك مشروعا للمجلس الوطني للإعلام، أعده فريق من برنامج حرية الإعلام، منطلقا من تشريح الوضع- الذي لم يتغير كثيرا حتي بعد الثورات العربية- هذا الوضع، الذي يؤكد أن الإعلام الوطني تحكمه وزارات منحازة بطبيعة الحال إلي الحكومات التابعة لها، ولا يعبر إلا عن رؤية السلطة الحاكمة فقط، متجاهلا مصالح ومطالب الشعب، وتطلعاته إلي إعلام وطني حر يعبر عن كافة أطياف المجتمع، ويضع نصب عينيه دائما علي الحكومة كأداة لتقييمه، مما يترتب عليه الانحياز إلي السلطات الحاكمة، والافتقار إلي التعددية والحرية والوضوح، والجنوح إلي تهميش الأقليات، فقد أصبحت الحالة ملحة إلي تطوير الجهاز الإعلامي ليصبح جهازا مستقلا مسئولا عن تنظيم البث المسموع والمرئي، وكيفية استخدام الطيف الترددي وما إلي ذلك، ويكون الهدف من إنشاء هذا الجهاز هو تطوير الثقافة والتنمية الديمقراطية واحترام التعددية، والتعبير عن حقوق الأقليات والمهمشين اجتماعيا، وأن يكون لكل الطوائف والجماعات الحق في التمثيل عبر إعلامها الوطني، مما يساعد علي خلق مساحات أكبر لحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات، حتي تتحقق المصلحة العامة للمواطنين. وتشير الورقة إلي أهمية خدمات البث العام، ودوره في دعم الأسس الديمقراطية في المجتمعات الحديثة. حاضر في هذا البرنامج: يحيي شقير مدير تحرير جريدة العرب اليوم بالأردن، وصاحب العديد من المؤلفات في مجال التشريع الصحفي، عماد مبارك المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، و د. حسين أمين أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية، و د. رشا عبد الله أستاذ الإعلام المشارك بذات الجامعة، د. رشا علام أستاذ منتسب بقسم الإعلام بذات الجامعة، طارق عطية المدير التنفيذي لبرنامج تطوير الإعلام المصري، الإعلامي محمد ناصر، وأشرف علي البرنامج التدريبي د. دينا وفا مدير برنامج تدريب القيادات العليا بكلية الشئون الدولية والسياسة العامة بالجامعة الأمريكية