الأمم المتحدة: الدول العربية تساهم ب 5% فقط من الاحتباس الحراري العالمي    وفد من جامعة عين شمس في زيارة لجمعية المحاربين القدماء    «عبد اللطيف» يتابع انتظام العملية التعليمية بعدد من المدارس في الجيزة    لن يتجاوز سعرها 500 ألف جنيهًا.. شروط استيراد سيارات المعاقين (فيديو)    رجعت الشتوية.. الإسكندرية تستعد ل "رياح الصليب" ب 10 إجراءات طارئة    السكة الحديد تفصل سائق قطار لتعاطيه المخدرات وتحيله للنيابة العامة    حادث الجلالة.. النيابة تهيب بشركات نقل الأشخاص وضع أسس لفحص السائقين    عثمان الخشت: الإيمان في عصر التكنولوجيا يواجه تحديات جديدة    ناقد فني: يوسف وهبي ترك الهندسة بسبب حبه للتمثيل.. ومسرحياته تميزت بالتراجيديا    مدير التأمين الصحي بالشرقية يتفقد وحدة الكلى بمستشفى المبرة    لن تتخلص منه مجددا- 5 فوائد مذهلة لمصل اللبن    إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية اليوم    50 جنيهًا للواحدة.. قرارات هامة من التعليم بشأن صرف مستحقات معلمي الحصة    بعد "مجزرة أتوبيس الجلالة".. 7 قرارات عاجلة من مجلس أمناء الجامعة    الحكومة تدرس تمديد مهلة التصالح في مخالفات البناء    اتحاد الكرة: مكافأة خاصة للاعبي منتخب مصر.. وسنتأهل إلى كأس العالم    وفاة والد الفنان مصطفى هريدي.. والجنازة في المهندسين    "المال الحرام".. أحمد كريمة يرد على عمر كمال والأخير يعلق    حصاد محمد صلاح في الدورى الإنجليزى قبل الجولة الثامنة.. 8 مساهمات تهديفية    من هو رئيس المخابرات العامة الجديد خليفة عباس كامل؟    الكشف عن قائمة الأهلي في السوبر المصري    جوميز يستقر على هذا اللاعب لتعويض غياب دونجا في السوبر المصري    «إنت بتأذي ابنك».. رسائل نارية من شوبير إلى ياسر ريان    التابعي: الأهلي يخسر أمام سيراميكا في هذه الحالة.. ورحيل زيزو عن الزمالك "مرفوض"    أحمد عيد يطير إلى المغرب للانضمام لمعسكر المصرى استعداداً للموسم الجديد    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    "طاقة الشيوخ" تقر خطة عملها لدور الانعقاد الخامس.. تفاصيل    أسعار الدواجن تتراجع اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    «طاقة الشيوخ» تدرس آليات جذب الاستثمارات وتحويل السيارات للعمل بالوقود    اليوم.. شبورة مائية وأمطار وطقس حار على القاهرة الكبرى والعظمى 29 درجة    «التعليم» توجّه بحصر أعداد طلاب «أولى ثانوي» لتسليم التابلت    انهيار جزئي لعقار بجوار محكمة زينهم    «الحوثي» تتوعد الولايات المتحدة وبريطانيا بعد الضربات الأخيرة على صنعاء وصعدة    البنتاجون: أوستن ناقش مع نظيره الإسرائيلي خطوات معالجة الوضع الإنساني في غزة    مسؤولة أممية: مستوى المعاناة في غزة يتحدى القدرة على الوصف والاستيعاب    محمد هنيدي يكشف أسرار مشواره الفني مع أنس بوخش    حفلات ال"ويك إند".. ريهام عبد الحكيم وتامر عاشور وأحمد سعد ومدحت صالح بالأوبرا وحمزة نمرة بأمريكا    إصابة شخصين إثر الهجوم الإسرائيلي على اللاذقية في سوريا    انفوجراف.. الأزهر للفتوى: تطبيقات المراهنات الإلكترونية قمار محرم    محافظ الغربية: حملة نظافة مكبرة بمحيط مسجد السيد البدوي بطنطا    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الخميس 17-10-2024.. الاستثماري ب39.5 ألف جنيه    تعرف على أماكن القوافل الطبية اليوم وغدا.. الكشف والعلاج مجاني    وزير الصحة: اعتماد البرنامج العلمي لمؤتمر السكان والتنمية من المجلس الصحي المصري    رئيس جامعة القاهرة يوجه بسرعة إنجاز الأعمال بالمجمع الطبي للأطفال    القمة الخليجية الأوروبية تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وتعزيز التعاون الاقتصادي    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    نتنياهو يوافق على مجموعة أهداف لضربها داخل إيران    جدول ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل انطلاق الجولة السابعة    عاجل - شقة صاروخية من لبنان باتجاه شمال إسرائيل    وزير الري يشهد إعداد مشروع إقليمي في مجال التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء    تعليمات جديدة من هيئة السكك الحديدية المصرية لتأمين حركة القطارات وضمان سلامة الركاب    طرح البرومو الرسمي لفيلم "آل شنب".. وهذا موعد عرضه    بايدن يقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا ب 425 مليون دولار    هل يجوز تأدية صلاة الفجر بعد شروق الشمس.. الأزهر يوضح    5 أدعية نبوية للحماية من الحوادث وموت الفجأة.. بعدانقلاب أتوبيس الجلالة وقطار المنيا    عاجل.. تركي آل شيخ يعلن عودة يوسف الشريف للدراما بعمل درامي ضخم    وسط ترقب لقرارات المركزي..أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 17 أكتوبر 2024    قوى خفية قد تمنحك دفعة إلى الأمام.. توقعات برج القوس اليوم 17 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في عين الشمس
لذة النص في شخصية مصر
نشر في أخبار الأدب يوم 05 - 07 - 2013


(1)
جاء في الأثر التاريخي أن « الحجاج بن يوسف الثقفي» قال عن المصريين في وصيته للقائد طارق بن عمرو: ( لو ولاّك امير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل، فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم، وما اتي عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الام رضيعها، وما أتي عليهم قادم بشر إلا أكلوة كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبروجلدة وحمل، ولايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج علي رأسه، وإن قاموا علي رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فاتق غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم، فانتصر بهم فهم خير أجناد الارض، واتق فيهم ثلاثا: نساؤهم فلا تقربهم بسوء وإلا اكلوك كما تأكل الاسود فرائسها، أرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، دينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك، وهم صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها احلام اعدائهم وأعداء الله).
أستدعي هذه الصورة الرائعة والمروعة عن شخصية الإنسان المصري، والعدسة ترصد وترقب ما يجري وسيجري..
كفانا انكشافا، نحن نحتاج إضاءات ساطعة من أهل الذكر والإختصاص للإقلاع نحو المستقبل، نريد إشعال مصابيح للتنوير والإستنارة، المشوار طويل. لكن الإرادة بلا حدود، فمن يشعل المصباح؟ من يرسل النور؟ إنطلاقا من تفتيت اللحظة الراهنة وتفكيك عقدتها، وإن بدت عصية، حتي نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر الثوري، من يطرح بنية أساسية وتأسيسية ينبني عليها كل ما يقيم عمارة المجتمع الجديد، حتي يتوازن المعني والمبني، وتتوازي المعادلة المجتمعية الهادرة من الفعل الثوري الخلاق الذي لا يقبل القسمة ولا يعترف بالإنشطار.
(2)
البحث في جوهر الشخصية المصرية بحث مرهق، لكن لذة النص تحمل قدرا كبيرا من العذوبة، والنص مكون من ثلاثة حروف (ميم. صاد.راء) مصر..المصري..المصريون.
والشخصية المصرية عالم ثري جوهري..يتجلي في ضياء التحول ليجعل من حقنا أن نزهو ب (ذاتنا المصرية)التي عثرنا عليها وتقابلنا معها وتصالحنا إلا قليلا، بعد مخاض عسير لم نزل نتشرنق لننطلق ونحلق ونحقق.. لتتكشف طبقات الشخصية المصرية وهي طبقات بعضها يتداخل في بعض، ونحن هنا نهتم أكثر بما هو كائن وليس بما كان.
بعد زلزال 25 يناير وتداعياته وتجلياته كانت عودة الروح لنا حدثا عظيما في حد ذاته، وعودة الوعي أيضا، لشخصية مصر، بعث جديد لقسماتها وسماتها، خصوصيتها وعموميتها، انفتاحها وهو كثير وانغلاقها وهو قليل، أهلها ناسها ابناؤها، تاريخها وجغرافيتها، حاضرها وحضاراتها، ثقافتها وسياستها، ما لها وما عليها، مفارقات كثيرة ومثيرة، ومتناقضات لابد من فض الاشتباك بينها لفهمها ويتجلي في هذا السياق مقولة د.جمال حمدان:(في هذا الوقت الذي يضطرب فيه الفكر في مصر ويضطرم بحثا عن شخصيتها ودورها الإنساني والحضاري، فإننا في حاجة إلي فهم كامل لوجهنا ووجهتنا، لكياننا ومكانتنا، لإمكانياتنا وملكاتنا، وأيضا لنقائصنا ونقائضنا، بلا تحرج ولا تحيز أو هروب).
مصر قاهرة غير مقهورة، منتصرة غير منكسرة، دهاء وبراءة، طيبة وتوحش، غواية وهداية، عذاب وعذوبة، عبقرية المكان أيضا ثنائيات متجاورة، بحران ونيل، كازينوهات وملاهي ليلية طوال شارع الهرم وفي نهايته يقف أبو الهول رابضا أمام الأهرام والفراعنة، بين حي بولاق الشعبي جدا وحي الزمالك الراقي جسر في المعني والمبني، يشمخ الأزهر الشريف وضريح الحسين وخلفهما (حي الباطنية) الذي كان معقل المخدرات، قصور وفيللات وشاليهات تبحث عن سكان، وعشوائيات يرقد فيها 25 مليون كائن بشري والعشرة في غرفة غير آدمية، ومقابر يسكنها أحياء أكثر من الأموات دون كل دول العالم قاطبة.
عظماء وعلماء ومفكرون وفائزون بجائزة نوبل العالمية، وفقهاء في الدين والقانون والدستور والجامعات، وعجز عن التوافق والحوار أما لعبة الدستور، صحافة وفضائيات ومتحدثون بالمئات ومع ذلك هناك حالة خرس عن جملة مفيدة، ثورة شعبية أبهرت العالم وثورة مضادة، ثائرون وخامدون، ناشطون وخاملون، أغلبية نخبوية وأغلبية صامتة، دين وديناميت، ملايين وملاليم، ألف كيف ، وألف لماذا، وألف هل، تنفجر من ثنايا البحث التنويري شظايا وجواهر، ولآلئ ومحارات من نهرالروح المصرية، بكل عذاباتها وعذوبتها.
(3)
جاء ذكر مصر في القرآن الكريم في ثمانية و عشرين موضعا، تصريحا وتلميحا ، أشهرها خمس مرات :
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَي لَن نَّصْبِرَ عَلَيَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون)( البقرة 61)
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَي أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف 21).
(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَي يُوسُفَ آوَي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) (يوسف 99 )
(وَأَوْحَيْنَا إِلَي مُوسَي وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين) (يونس 87)
(وَنَادَي فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون) ( الزخرف 51
و منها ما جاء بشكل غير مباشر في قوله تعالي ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَي خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ( يوسف55 )وخزائن الارض هنا وزارة مالية مصر والتي تعد خزائن الارض كما ذكر ربنا فقيمة مصر في ذلك الوقت تعادل الكوكب الارضي بأسره
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ( القصص6) و الأرض في الآية هي مصر و قد ذكرت في عشر مواضع باسم الأرض في القرآن كما ذكر عبدالله بن عباس .
(وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ يَسْعَي قَالَ يَا مُوسَي إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين) (القصص20)
جاء في الأثر النبوي الشريف: (ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم ذمه و رحما) وقوله:(إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير اجناد الأرض ، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم في رباط إلي يوم القيامة ).
وجاء ذكر مصر في التوراة: ( مصر خزائن الأرض كلها ، فمن أرادها بسوء قصمه الله ).
أنبياء وصديقون ولدوا في مصر : ذكر من ولد بمصر من الأنبياء و من كان بها منهم عليهم السلام، كان بمصر إبراهيم الخليل ، و إسماعيل ،و إدريس ، و يعقوب ، و يوسف ، و اثنا عشر سبطا . وولد بها موسي ، وهارون ، و يوشع بن نون ،و دانيال ، و أرميا و لقمان، وكان بها من الصديقين و الصديقات مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن في مواضع كثيره و قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اسمه حزقيل ، و كان بها الخضر ،آسيه امرأة فرعون وأم إسحاق و مريم ابنه عمران ، و ماشطة بنت فرعون، ومن مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم اسماعيل و تزوج يوسف من زليخا ، و منها أهدي المقوقس الرسول عليه الصلاة و السلام ماريا القبطية فتزوجها وأنجبت له إبراهيم .و قد ذكر الكثيرون من المسلمين الأوائل و غيرهم من فضائل و صفات مصر و أهلها الكثير و الكثير ، و ما يناله حاكمها من البركه و الرزق و الخير .(يا أرض مصر فيك من الخبايا و الكنوز ، و لك البر و الثروة ، سال نهرك عسلا ، كثر الله زرعك ، و در ضرعك ، و زكي نباتك ، و عظمت بركتك و خصبت ، و لا زال فيك يا مصر خير ما لم تتجبري و تتكبري ، أو تخوني ، فإذا فعلت لك عراك شر ، ثم يعود خيرك).
(4)
استرجع الأعمدة السبعة للشصية المصرية مع المفكر الراحل د.ميلاد حنا في أطروحته (شخصية المصريين) حيث كانت مصر بوتقة للحضارات المتعاقبة عليها، وقد أثر ذلك علي شخصية شعبها الفريدة التي جعلته متميزا عن سائر شعوب الأرض. فحضارة مصر مكونة من أربعة رقائق متفاوتة السمك علي عكس الحضارة الصينية مثلا التي تتكون من رقيقة واحدة علي مدي تاريخها فهي حضارة واحدة ودين واحد، أما حضارة مصر فهي تتكون من رقيقة فرعونية ورقيقة يونانية ورقيقة قبطية ورقيقة إسلامية، كما أن شعبها الآن بشقيه المسلم والقبطي شعب متماسك لا يعرف العرقيات التي تعرفها دول أخري مثل لبنان مثلا، وذلك لأن شعبها المسلم هو سني المذهب ولا يوجد به طوائف شيعية أو درزية أو ما شابه ذلك، وكذلك شعبها القبطي. أما عن الأعمدة التي توثر في الشخصية المصرية فهي سبعة أعمدة أربعة أعمدة من التاريخ وثلاثة من الجغرافيا، فمن الناحية التاريخية لا بد أن تتأثر الشخصية المصرية بالرقائق المتتالية من الحضارات التي عاصرتها مصر والتي تتمثل في الحقبة الفرعونية بمراحلها المختلفة وما تلاها من الحقبة اليونانية- الرومانية وهي متداخلة في المرحلة القبطية ثم الحقبة الإسلامية بمراحلها المختلفة كذلك. أما من الناحية الجغرافية مصر لها انتماء عربي وانتماء لدول حوض البحر المتوسط وانتماء أفريقي وهو العمود السابع والأخير وهو انتماء المستقبل لمصر. فمصر كما يقول جمال حمدان ( فرعونية هي بالجد، ولكنها عربية بالأب) فهذا المزيج الفريد جعل من الشخصية المصرية شخصية فذة لها خصائصها التي تميزها عن سائر شعوب المعمورة
(5)
وفي السياق تبرق رؤية د. طه حسين، عن مستقبل الثقافة في مصر، 1938: (العقل المصري ليس عقلاً شرقياً إذا فُهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الأقطار.. وكان من أشد الشعوب تأثراًبهذا العقل المصري أولا، وتأثيرا فيه بعد ذلك العقل اليوناني) و(معني هذا كله آخر الأمر بديهي، يبتسم الأوربي حين ننبئه به لأنه عنده من الأوليات، ولكن المصري والشرقي العربي يلقيانه بشيء من الإنكار والازورار، يختلف باختلاف حظهما من الثقافة والعلم وهو: أن العقل المصري منذ عصوره الأولي عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط،وإن تبادل المنافع علي اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط وإذا أردت أن تحلل الثقافة المصرية إلي عناصرها الأولي فهذه العناصر بينة واضحة: هي التراث المصري الفني القديم، وهي التراث العربي الإسلامي، وهي ما كسبته مصر وتكسبه كل يوم من خير ما أثمرت الحياةالأوربية الحديثة. هي هذه العناصر المختلفة المتناقضة فيما بينها أشدالاختلاف والتناقض. تلتقي في مصر في صفي بعضها بعضا.
(6)
ويمر علي الخاطر نظرة المفكر الغربي جوستاف لوبون في كتابه (الحضارة المصرية القديمة):الظرف والمرح والتلطف من أبرز خصال المصريين القدماء، وكثيرا ما دعا أدباؤهم وحكماؤهم إلي الأخذ بأسباب البهجة والمرح في الحياة أينما كانت وحيث وجدت . بل لم ينسوا أن يحضوا علي الإبتهاج وإشاعة السرور حتي وهم في زيارة المقابر وبين الموتي . تقول إحدي الأغنيات في ولائمهم التي كانوا يقيمونها في المقابر: (متع نفسك مادمت حيا ، ضع العطر علي رأسك ، والبس الكتان الجميل ، ودلك يدك بالروائح الزكية المقدسة ، وأكثر من المسرات ، ولا تدع الأحزان تصل إلي قلبك ، كن مرحا حتي تنسي أن القوم سيحتفلون يوما بموتك)
(7)
وأما عبقرية المكان فتتجلي في عبقرية الطرح العميق والمصدر الوثيق(جمال حمدان ، شخصية مصر) حيث المكان الذي يحكم شخصية المجتمع والضمير الجمعي للمجتمع المهم موقع مصر الاستراتيجي جدا جعلها دوما بمثابة المسئول عمن حوله فتسمية ام الدنيا لم تأت من فراغ ،فمصر المحاطة بالصحراء من الشرق وبالبحر من الشمال وبالسودان من الجنوب وببلاد الشام من الشرق والتي يشقها النيل من اولها لاخرها كانت دوما محل اطماع الغزاة فالكل اجمع علي اهميتها وعلي رغبته باحتلالها ومن المثير ان نعرف ان مصر استغرقت الالاف من السنين ليعود ويحكمها احد ابنائها الرئيس جمال عبد الناصر.
(8)
أتذكر قبل عامين تقريبا موقفا لواحد من المنظريين الاجتماعيين. أحمد زايد أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة حين هاجم خلال المؤتمر السنوي الأخير للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية كل الأوراق التي وصفت الشخصية المصرية بصفات السلبية والخضوع، باعتبارها صفات انطباعية لم تكن مبنية علي الواقع، وأن دراسات ما يسمي بالشخصية القومية قد بدأت خلال الحرب العالمية الثانية وتخلي عنها علماء الاجتماع الآن، ومن كانوا يصفون المجتمع المصري بهذه الصفات يريدون أن يظهروا بدور البطل المثقف الشريف الذي يدافع عن الفضيلة، وبالتالي يدفعون عن أنفسهم صفات السلبية والانصياع والخضوع التي يصفون بها باقي المجتمع، بعد شعور عام بالانهيار الاخلاقي للقيم المصرية، إن المجتمع المصري بعد 25 يناير أكثر إيجابية في المشاركة في العمل الاجتماعي والسياسي، وستسود الشفافية والمساءلة في مناخ أكثر نضوجا ووعيا وتضامنا وتعاونا، ولن يتمكن أي شخص من الاستئثار بالقرار مرة أخري، بعد ثورة الشباب المنفتح علي عوالم الحرية علي شبكة الإنترنت،لإحساسهم بالتباين الطبقي وعدم العدالة.
(9)
نعم.. انتهي مفهوم الزعامة في العالم العربي، وأن القادم في المنطقة هو دول ديمقراطية، هكذا يقول د. محمد عفيفي أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، في كتابه (المستبد العادل): إن الجيل الجديد لا يؤمن بفكرة الزعيم ولا الأب الرئيس، بل بفكرة الرئيس الذي يأتي ويذهب، الشخصية المصرية شخصية تنبع من المجتمع الفلاحي، الذي يمسك الفأس ليزرع ويأتي بالخير، وليس ليقتل ويحارب، مسالم لكن عندما يفيض به الكيل يثور، وقد تأخذ فترة المسالمة فترة طويلة يظن فيها أن لحظة الثورة لن تأتي، وقد لا يري البعض أن لحظة الثورة تولد، ،وقد يفاجأون بها، ولهذا فشباب ثورة 25 يناير جيل بلا آباء، بمعني أنهم تخلصوا من عيوب شخصية الآباء والأجداد، ليس فقط الشباب الذين قاموا بالثورة، ولكن أيضا الشباب الذين سهروا يحرسون البيوت والشوارع، فقد تغيرت علاقة هذا الجيل بآبائه، ولهذا لا يعترفون بفكرة (الرئيس الأب )، وسيأخذ التغيير الاجتماعي فترة أطول ليشمل باقي فئات المجتمع، وما حدث في مصر سيهز العالم العربي كله، وسيغير شكل الصحافة والإعلام والكتابة وأشياء أخري كثيرة، وقد حدث وسيحدث.
(10)
في الذاكرة الشعبية يصرخ الموال المصري ضد كل حاكم ظالم عبر التاريخ:
أنا جمل صلب لكن علتي الجمَّال
غشيم مقاوح ولا يعرف هوي الجْمال
لوي خزامي وشيلني تقيل الأحمال
إن قلت يا بين هو الحمل دا ينشال
يقول لي خف الخطا وسير علي مهلك
وكل عقدة ولها عند الكريم حلال .
ومنا منا لا يتغني من كل جوارحه برائعة شاعر النيل حافظ ابراهيم التي تشدو بها أم كلثوم:
وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الأهرام في كل عصر كفوني الكلام عند التحدي
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي
أنا إن قدر الإله مماتي لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.