في المقال السابق تناولنا مفهوم التطبيع، ونتابع اليوم توظيف هذا المصطلح في الزمن السياسي الأخير، حيث انحصر المصطلح في الدعوة للعلاقة بين اسرائيل والعرب، وارتفع الصوت الإسرائيلي بالدعوة إلي التطبيع، علي أن يكون ذلك من جانب العرب، وعلي العرب ان يهرولوا إليها بالمشروعات المشتركة اقتصاديا وسياسيا، ثم الأهم (التطبيع الثقافي) لكي تصبح العلاقة طبيعية، دون أن تتحمل إسرائيل أي دور في هذا التطبيع. والمؤسف أن هناك فئة استجابت لهذه الدعوة، بحجة أن هذا التطبيع سوف يكسر الحاجز النفسي الذي يفصل بين الطرفين، ليسيرا معا حسب (اتفاقية كامب ديفيد) وهنا يلح علينا السؤال: هل ما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين عموما، وفي القدس خصوصا، يمثل خطوة حقيقية نحو التطبيع، وهل مجزرة اسرائيل مع (قافلة الحرية) في المياه الدولية، تأتي خطوة في اطار التطبيع؟ وهل عند دعاة فهم العدو الإسرائيلي تفسير لهذا لجرم؟ التفسير الذي عندي، أن هذه هي طبيعة الإسرائيليين، حتي لو ظهر بينهم قلة ترفض هذا الاجرام. إن دعاة التطبيع، والممهدين للتطبيع، يقولون إن اقترابنا من الإسرائليين، سوف يفتح وعينا علي ما عندهم من فكر، وسوف يكشف لنا أهدافهم الظاهرة والخفية، ومن ثم يتيح لنا أن نتعامل معهم للوصول إلي السلام الحقيقي، وفي رأيي أن هذا شبيه بوجود (قاطع طريق) يتسلط علي الآمنين، فيقتل صغيرهم وكبيرهم، ورجالهم ونساءهم، فيأتي المطبعون، ويقولون لنا، يجب ان نقترب منه، لنعرف دوافعه إلي هذا الاجرام، دون أن نتعرض له بأي شيء يوقف عدوانه. ألم يكن جديرا بهؤلاء أن يعلنوا أن المهمة الأولي في مواجهة الايجابية، وإما بمقاطعته وحصاره، حتي يتوقف عن اجرامه، وهي المواجهة السلبية، أي أن الدعوة للتطبيع دعوة فاسدة، لأنها في غير سياقها الصحيح، وتكون المقاطعة هي السلاح الوحيد المتاح، سواء جاءت دعوة التطبيع من إسرائيل، أو جاءت من الجانب العربي، لأنها دعوة زائفة، ينطبق عليها المثل الشعبي: (أسمع كلامك يعجبني ، أشوف امورك استعجب) ، فأفعال إسرائيل التدميرية لا تتوافق مع الدعوة للتطبيع، وفي رأيي أن التطبيع الصحيح، هو ما نفهمه من حديث الرسول (صلي الله عليه وسلم) عندما قال لبعض اصحابه »انصر اخاك ظالما او مظلوما، فقال له أحدهم: يارسول الله، أعرف كيف أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: أن تمنعه من ظلمه »أي أن الأخوة الحقة لا يمكن ان تكون مع بقاء الظلم، بل والتمادي فيه.