ما يخطه قلمي - في السطور القادمة - لا يعدو أن يكون خلاصة تجربتي في فن القصة القصيرة؛ ولذلك سأبتعد عن المصطلاحات الأكاديمية والنظريات النقدية؛ سأتحدث عن عالم الإبداع - وبالتحديد في القصة القصيرة - كما تكشفت أبعاده خلال سنين طويلة من القراءة والكتابة؛ بتأني وروية. من هنا، علينا أن نتفق من البداية، أن موهبة الكتابة الإبداعية، هبة من الله - جل شأنه - يتحلي بها بعض الأشخاص؛ لأسباب متعددة، منها: النفسي والاجتماعي. ومن ثم، تكون لديهم قدرة علي التعبير عما تجيش به مشاعرهم - في فكرة ما - في قالب فني له أصوله؛ حتي نستطيع أن نطلق عليه؛ هذه قصيدة ، وتلك قصة. لذلك؛ اللبنة الأساسية،الموهبة؛ وتكون في البداية هشة، حائرة؛ لا تستطيع الإمساك بحرفيه؛ هذا الفن الذي يحبه. تجابهه مشاكل التقنية؛ وكيفية صهر الفكرة، وصياغتها في قالب فني جيد؛ يصل في النهاية إلي القارئ، بصورة صحيحة. إن القصة القصيرة في شكلها التقليدي؛ لابد أن يتوافر لها بداية ووسط ونهاية عند تكشف لحظة التنوير.. وبطبيعة الحال؛ سيجول بخاطرك؛ ماذا أقصد بقولي؛ هذا.. إن القصة القصيرة، يبني نسيجها السردي بلحظة بعينها؛ يبدأ الحدث - وليس كل خبر، يصلح لقصة؛ وفي القصة القصيرة ( الحدث ؛ هو الخبر الذي له أثر كلي ). يتصاعد دراميًا إلي أن يصل إلي لحظة التنوير؛ والتي يتكشف عندها حل العقدة القصصية؛ أي النهاية المنطقية للحدث. ولا يستطيع الكاتب، أن يضيف حرفًا بعدها؛ لأن الإضافة ستفسد البناء القصصي؛ وما سرد بعد ذلك من أحداث لا طائل منها. في بداية - أي كاتب - تكون رؤيته للعالم ضيقه؛ فلا يهتم إلا بذاته فقط؛ ثم تتسع بعد ذلك رؤيته؛ التي تتبلور بالتجارب الحياتية؛ وصهر الإبداع ومشقته؛ فتكون رؤية أشمل وأعم من قبل. ومن ثم ينطلق إلي آفاق أكثر رحابة. ولكن - مع ملاحظة - أن كل مبدع يسكب جزء من ذاته؛ ويعجن بمشاعره وإحساساته. هب أنني أعطيت فكرة ما إلي كاتب ما . ثم أعطيت نفس الفكرة ؛ لكاتب آخر. هل تكون المحصلة قصة واحدة. أم أننا؛ سنجد كل كاتب نسج القصة، برؤيته الخاصة؛ رغم الفكرة الواحدة . علي كل الكاتب؛ أن يحدد - من البداية - علي حد قول: ا الكاتب الكبير رستم كيلاني- رحمه الله -ب : لماذا يكتب ؟ ولمن يكتب..ب القصة القصيرة؛ كاللقطة الفوتوغرافية؛ هي مقطع من مشهد ما ؛ محدد الإطار، محدود الشخصيات؛ والفنان البارع: من يستطيع أن ينجح في تكوين هذا المشهد بجميع أبعاده. والمصور - الماهر - هو من يستطيع أن يكون عناصر الصورة بشكل صحيح. من ضبط الإطار المناسب؛ وتشكيل اللقطة.. والنجاح في اقتناص اللحظة المناسبة؛ لأخذ الصورة. كذلك الكاتب ذ المتفوق ذ هو الذي يستطيع أن يكون المشهد القصصي؛ بكل عناصره من رسم الشخصية من الداخل والخارج، ونسج أحداث القصة بحنكة وسلاسة؛ ووضعها في الإطار المناسب لها ،دون افتعال . القصة القصيرة؛ غالباً ما تكون قصة سردية فقط، أو يتداخل السرد مع الحوار. وفي أحايين أخري تعتمد القصة علي الحوار فقط . السرد في القصة، له دور مهم؛ لتوضيح حدث القصة؛ يبث الكاتب بفرشاته لمساته ذ الماهرة ذ فلا يفرط في وصف المكان، الذي يدور فيه الحدث؛ أو وصف ملامح الشخصية، بإسهاب؛ حتي لا يشعر القاريء بالملالة. أما الحوار؛ فيكون ضروريًا إذا كانت القصة؛ تستلزم ذلك.. ولابد أن يكون الحوار متصاعد دراميًا، وليس ترديدًا؛ لمقاطع قولية، متكررة؛ لا طائل منها.. ، مثال ذلك : صباح الخير.. ذ فيرد الطرف الأخر : - صباح النور. وهكذا ... أري، أن اللغة ذ مهمة - للكاتب؛ فهي وسيلته في التعبير عن أفكاره المصاغة في قالب فني. وكيفية التعبير عن مشاعر و إحساسات شخصياته؛ باختيار المفردة اللغوية؛ المناسبة؛ والتي لا يستطيع أن يضع بديل عنها. وكي يتمكن الكاتب من ذلك؛ عليه أن ينهل من نبع الكتب المختلفة؛ حتي يزيد معجمه اللغوي الخاص؛ ليستطيع أن يضع المفردة اللغوية في مكانها واستخدامها الصحيح؛ دون شطط .