أما قبل.. (اتخذت مكانا قصيا في بيت الله الحرام، قبل أيام قليلة، بعد أحاسيس لم أمارسها من قبل، كيف كان الطواف ؟ كم مرة ؟ ماذا قلت ؟ لا أعرف ؟ كل ما أعيه أنني اسلمت نفسي لقوة مركزية، جعلتني أدور حول الكعبة.. لأصبح: ذرة.. قطرة.. كائنا متحركا وسط موجات بشرية متلاحقة متدفقة.. ولم أشأ ان انتشل نفسي من طوفان النور.. كنت غريقا لا يريد النجاة، ولا يبحث عن طوق.. إنه الغرق المنشود.. أو الاستغراق.. ومكثت أستعيد هذه التجربة، بعد أن زلزلني زلزالها ، فتنزلت تجلياتها، وحالت بيني وبين أن أكتب في السياسة والثقافة والمهمة الصحفية التي كانت ومضة السفر إلي الرياض.. فالارتعاشة الوجدانية كانت.. طاغية، وما أعظم هذا الطغيان.. وما ألذ نشوته). صوت من السماء: ( لو أنزلنا هذا القرآن علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون...) إلهي دكّني دكاً .. ولا تأخذك بي رحمة !! وحطم ما تبقي فيّ حرّقني ولا تبقِ. رمادا من جزيئاتي .. ولا أثرةْ ! فإن تنثر بقايايا .. أخاف أخاف طهرالملك والملكوت والعظمة ! إلهي .. وانتزع ذاتي ، فذاتي لم أعد يارب أعرفها !! أمانتُك التي أودعتها فيِّ أضيّعها أفرط في قداستها وأهتك سرّ حرمتها ! مدينتك التي قد ناهزت عقدين ، رافعة لواء الحب والطاعة .. قد انطمست معالمها ! قد انغلقت موانئها ! مدينتك التي لم ترتفع راياتها البيضاءْ ولا انجرفت مع الطوفان ذات مساءْ قد انهارت شواهدها قد انتحرت مشاهدها ! صوت من السماء: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) شرايين الوصول إليكَ .. قد نضبتْ ! وأوردة الحنين إليكَ .. قد جفتْ، وقد سقطت ، محاريب الصلاة إليك يا ربي .. وقلبي ماتَ، سمعي مات ، وَجْدي مات، كلّي مات يا رباه ! صوت من السماء: ( ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) وماذا أبتغي يا رب ؟ وقد دالت إليّ دولْ ! وأشجار الخلود تمايلت حولي ..! وملك ليس يبلي .. هكذا يارب خيّل لي ! فمن أي المواد خلقتني يارب ! أمن طين ..؟ أمن نور.. ؟ أمن نار.. ؟ ولكن كل شيء أنت خالقه . يسبح لكْ ! لماذا لم أسبح باسمك الأعلي ؟! وكيف أشيح ياربي ، بوجهي عن سنا وجهكْ ؟! وأين أنا .. بملكك أنت ..كونك أنت ، أرضك أنت ، خلقك أنت ، أين أنا .. وكيف أنا ؟! صوت من السماء: ( إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) أنا »الفرعون« يا ربي فأغرقني، أنا »النمرود« ياربي فحرقني ، عقرتُ »الناقة« الآية.. فدمدمني ، طغيت ك »عاد« ياربي فسوطني ، أنا »الشيطان« يا ربي ولست أريد »تنظرني« فأهلكني ..! أنا لا شيء ياربي فخلصني من اللاشيء ! إلام أظل بين البيْن ؟! إلام أظل أحيا ميتاً ياربْ ! وهل أحيا ألوّث هذه الدنيا ، وأركض بالخطايا في ربي الملكوتِ ، أعصف بالثوابت ، والتوازن كيف لي أنا ان أخل بهِ ، أبعثر في قوانين الوجود ، وأدعي أني أنا سلطان قانون الوجود.. أنا! إلام أظل بين النار واللانار ؟! متي أدفن متي يا ربنا المؤمن ؟ متي أفهم .. بأوهامي أنا المغرمْ .. باَثامي أنا المتخمْ ! أنا يارب عبد خاطيء أبداً . أهيم وراء أهوائي ، وأجوائي .. تحلق في ثناياها خطيئاتي. صوت من السماء: (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك... ) نعم .. ورفعت لي ذكري ، وكم يسرتني لليسر وحين فرغت ،لم أنصبْ ، ولم أرغبْ ، إليكَ وما استحي وجهي ، وقد عنت الوجوه إليك يا ربي !! إلهي .. إن وجهيَ قد تغرب عن هويتيَ التي، فضت براءتها الليالي، والتجارب ، بين منصور ومهزوم ، ومكسور .. ومكلوم ، ومغضوب عليه، ومِن ، ومغصوب ، ومغتصب ، وبين وبين ! إلهي .. إن وجهيَ أدمن الزيفَ المعتق ، بين أقنعتي التي التصقت بأوردتي ! وقد هلكت بها نفسي .. وقد ضجت بها ذاتي ! فكان هبوط أشرعتي .. وكان سقوط أجنحتي !! إلهي .. إن وجهيَ قد تفتتَ ، أين مني ذلك الوجه الذي كرمتَ فيه الآدميةَ، ما تخلّق، ما تصدع، ما تخشع، ما تدبر أحسنَ التقويمِ، والتكريمِ، والتعظيمِ، والروحَ، الذي فيه نفختَ ، فما تدارك سر ذلكَ ، أين أين له المداركُ ، والمهالك من حواليه تراقصهُ..تخاصرهُ !! صوت من السماء: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) سدي .. عبث حياتي كلها ، عبث حياتي إنها جدد نواصيها، سود صحائفها، وأسطرها بلا معني، عناويني مبعثرة ، وجدراني بلا عمد، تقومها خطيئاتي .. تغلفها حماقاتي .. وعنواني : أنا المخلوق في كبدٍ ! أأرجع لك ؟ نعم .. لكن .. بأي جوارح ألقاك ياربي ويوم لقاك حق الحق .. وكل جوارحي صارت أشد من الحجارة قسوة يارب ! بشمسك والضحي، والليل حتي مطلع الفجرِ ، بحق الشفع والوترِ، بحق العرش والكرسي واللوح ، بحق النور والروح ، برحمتك التي سبقت لظي غضبكْ ! بوجهك أنت أنت الله .. لاغيركْ ! أتوق إلي السبيل ، الي الدليل ، الي البريق ، الي الطريق .. فعلمني الوسيلة والطريقة .. وهب لي الحق ياربي وصولا للحقيقة. إلهي .. خالقي .. ربي .. واَه لو تبل شغاف قلبي ، قطرة من فيض رحماتك ! إلهي .. لو تدثرني بمس من عطاءاتك وآه .. لو تعد خلقي وتكويني ، فتكويني تباشير الرضا عني وتقذفني بيَم ليس يلقيني إلي شاطيء أطَهرُ نفسيَ الصدئة .. أجلي وجه مرآتي .. يباشر قلبي المكلوم تنوير.. وتثوير.. وتجديد .. وتحديد .. وتفريد.. وتجريد.. أري الأشياء دون هوي ولا فتنة ! صوت من السماء: ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) أعوذ بمن ؟ ألوذ بمن ؟! ومنك المن، أنت الملتجأ والمرتجي والأمن.. أتوق لمن ؟! أأبحث عن سماءٍ غير ؟ أرضٍ غير ؟ رب غير ؟ وما مثلك ..ولا غيركْ ..ولا .. إلاكَ .. أنتَ الله .. أنتَ الله .. أنتَ الله .....