انتفاضات متعددة بين موتين ومكافأة ، يمكنها بين حين وآخر أن تراودك عن نفسك ، فتصير مأخوذا برغبة مكتملة ، تجاه شعر يعودك فقد العذرية بحركات دائرية تصدر من كائنات هشة ، هذا تماما ما يمكن أن تطالعه وأنت تراوغ صفحات ديوان اتفقد عذريتها علي مهلب للشاعرة أميرة الأدهم ، والصادر حديثا عن دار ميريت للنشر ، تجربة شعرية أولي تنتزع بتأن وحسم كاملين ، بين ألم مهترئ يسكن الفراغات ، وانتكاسات تبتلع الفواصل ، تظهر الإضاءات الباهتة لتردد شيئا ذا حسم وثقة ، لا يمكنك إذن التوقع أمام ارتباكات تقودك لمنتصف الدائرة ، وتردد لك علي مهل كل أنواع الخيبات المؤجلة . ستنتظر كثيرا ما يشعرك بيقين متوقع في القصيدة ، ستهبك الذات الشاعرة معطيات كثيرة لجدال محموم بخيبات متأنية ولذات أخري، تبدو مؤجلة افليحترق مسلسل الاستنزاف» علي الحائط، ويتركني ألعن رخاوة النائمين بقبلة، وغطاء، ودعوة بعدم الاستيقاظ للذي يسهر معي فيري فساد أخلاق الصيف، «للأحد الأبيض الشفاف»، حتي وان انتظرها هذا الشتاء بذكريات محرجة، وبتحد لكل ماتستطيع أن تبدده، فهو يعلم تماما أن جسدها الفائر ، مهما انتفض وحيدا، لا يقوي علي طرد الحلم . تلمح طوال الوقت انكفاءات معلقة حتي ولو بدت متبرئة من كل المبررات، عمق التفاصيل منهك بالحد الذي يحيطك بأرق متقن، لا غبار في صانعه . كل الأسباب المنطقية لن تقودك إلا لنتائج مقتضبة شائكة، مادامت أن االكتابة لا تحتمل براعة الأصوات»، فلن تصبح المعطيات الدلالية إلا نقيضها الذي يصفق في دهشة مملوءة بالتحدي، بينما الحبيب أصبح بلاشك اأغاني لم أعد أسمعها»، ملابس باهتة ، فواكه عطنة، محبرة يابسة، سيجارة مبتلة، لمبة محترقة، ربع كيلو جبنة تعوم فوق الفطريات ، حبيبي الآن، ممتلئ وقديم وفي كامل بهائه العاطفي، غير صالح للاستهلاكبوكشاعرة نثر في درس العروض ، تتلوي عندما تسمع أقدام الجديد اأرتعد كما الرحيق في فم النحلة الدؤوب، أرتعش كامرأة تتفاني في الأورجازمب ولكنها مرتاعة تبدو ويائسة لأنه لن يبادلها الخوف، هو حقا ايحب وأنا لا استطيع رؤية الطرف المتدلي»، تسير الذات الشاعرة بكامل انكفاءاتها وحسمها المتقن إلي مراوغات أكثر عنفا ، إلي التكشف الذي لا مجال فيه للهروب ، إحاطات كاملة لكل الثغرات التي يمكنك منها الوصول ، فتجد نفسك في كل الأحوال بين اسم الأوقات» ، «وكلما حاولت السير ستكتشف» في النهاية أن لك ا قدم منكمشةب . كل هذه المعطيات الأولي تجعل الذات الشاعرة لا تؤجل بيع مأساتها، كما أن السارق يمكنه أن يهدي مأساته اللذين أحببتهم حتي التفوا حول أنفسهم، ونظرت إليهم في عطش مخيف فخافواب فتبدو الذات عنيدة لا تؤرقها المحاصرة، لا يقلقها المحيطون حتي وإن كان هناك، معان متعددة للإدمان . ورغم أن االكتابة لا تحتمل براعة الأصوات»، فقد سارت الذات الشاعرة ببراعة مؤقتة طاردة للشوائب ، سارت فوق تنويعات تبدو غير مقصودة ، لصيغ مسترسلة شفافة التوهج، منسدلة الأركان، لتؤكد لنا في مواضع عدة، أن االقرية الفقيرة لا تحتاج للأجراس»، وأنه حقا لا داعي لاكتشافات، لأن االمنسية في الباص، اللاهي في الزحام، الوحيد في المهجر، المحترق بالتبعية، ليس عليه أن يكتشف شيئاب. لا تستطيع إذن القبض بإحكام علي تنويعات يزينها الأرق، صياغات حيكت علي أمزجة شتي، بين الحين والآخر يباغتك النص بتفاصيل لا تحتمل التأجيل، تتمازج ليكتمل التشظي النافذ في الصور، علائق بين الأشياء مرتاعة من فضول زائغ لقارئ، بينما تطالع القصيدة في شغف، تلاحقك لعنات الوقوف طويلا، علي حافة معطيات مهترئة لموجودات متأرجحة، تلك الجملة الطويلة المسترسلة تسلمك للقصيرة البائسة، وتلك الإجابات القاطعة الحاسمة تسلمك للأسئلة المبتورة، وتلك الشفرات الغامضة المدسوسة تقودك إلي عناوين صادمة اليلي قبل القتل وبعده»، ليلي التي رفضت أن تنزل في ثورة الغضب الثانية ، وفضلت أن تموت في كنيسة مرتين، مرة علي يد مسيحي لأنها أسلمت، ومرة علي يد مسلم لأنها مسيحية، وستشعل من شظايا الانفجار شموعا ليست لمريم العذراء في أفئدة كل متديني هذا الوطن، ليلي أيضا، فقدت عذريتها علي مهل متقن المشهد، لا يمكننا إلا التصديق ، بينما حواف الموت ممتدة وطويلة ، متسعة للإحاطة بكل الأوجاع المرتبكة، الموت العميق المكتمل التفاصيل، الموت الذي لا يبرح الأشياء تصل، مادام لم ينج شيء . وباستراحة رمزية كالأطفال الذين يشبهونها، تنتقل بك الذات الشاعرة لأفق مختلف، مخادع التفاصيل، لتقنعك تماما بذلك االغائب من الجدول»، في خفة تقتضي الإنصات، وعبور يقتضي التحديق، تنصت للرمز اأدخل البيت، والأمس يجلس أمام التلفاز، كزوج، لامرأة عاملة، لا يستحم، ويزداد، وزنا واتساخا»، تلمح الإيقاع السريع المتجاوز حدود الموت، خاصة عندما تقرر اسأدخل الجنة ، حينما، أظل معك، وأنا لا أحبك»، كانت قصيدة االغائب من الجدولب هي تلك القصيدة التي حولت الأمس رجلا والغد ورقة، دون قصد ، فصار الرمز بطلا يلمع في منتصف الديوان برشاقة المنتصر، بينما الذات الشاعرة، تؤجل البريق . إقرار البريق يحتاج دوما للعديد من التجاوزات، يحتاج للتضحية والتفويت المتقن الرائق، تنتقل بين القصائد متسامحا مع تفاصيل فائتة لن تسمح لك بالزهو، حتما أنت مجبور علي اتجاوز الماذ»، يمكنك ساعتها الوقوف علي بزوغ يقين ما اأنت لا تحتاج الآلهة في شيء، فقط حكك اليتم فصليت، والمثير للشفقة أنك دوما تكفر بحجة الحقيقة، وتتعلل بالحيرة، لأنك لم تتعلم بعد لغة الموتي»، مخارج آمنة تبحثها معك القصيدة، مبررات جديدة لتتجاوزا معا أي شيء، حتي وإن طلبت منك الذات الشاعرة أن تعشقها بعيدا عن القصائد، وأن تقتنع تماما بحب كالسقوط في حضن غريب بالمطار يبتسم لك متفهما لحاجتك، أكثر من الذي قال عن نفسه حبيبك . كل المقدمات الفائتة لا يمكنها غير صناعة قصائد أكثر حسما وأكثر ضراوة ، لا وقت إذن لزوائد مرهقة، لشوائب تمنعنا من الصدق، لا حاجة إلا للتكشف الصادم، ومحاولات أكيدة للتخلص اساق مبتورة وأنوية قاسية»، تلك الساق المبتورة التي تقودنا إلي نهاية تجربة شعرية مزدحمة المعطيات، «لا أحب أن أبقي في المنزل، ففي الشارع، أتربة عظام تقبل قدمي، أدعية مدفوعة الأجر، رزم السجائر المتراكمة عند الباعة، أطفال مدارس لا يفكرون في الموت، أطفال شوارع لا يفكرون إلا في الموت، أسفلت يحفظ تواريخ الحوادثب. الآن فقط، يمكن لتلك الساق المبتورة أن تقودك لذلك البريق المؤجل، حتي وإن كان بريقا زائفا هو الآخر، كاشفا عن وجه آخر لتناقض مخبأ بين التفاصيل، وخصوصا اعندما عرفت، أن سبب نعومة شعر عبد الحليم في أواخر أيامه، أستروجين تليف الكبدب يمكننا بكل وضوح تأكيد المعاني الناقصة، مباغتتها، الانقضاض عليها بلا هوادة، قتلها وقتلنا معها، بعد قراءة تجربة شعرية تسير علي هوادة كافية لإزاحة العقبات الزائفة، لغة صدامية وصورة تحاول الوصول عبر معطيات مختلفة، رمز يحاول منفردا النفاذ إلي المعني العميق المتشظي بداخل الدوائر، ليعبر عن قصيدة أخري، شائقة تماما، ككل القصائد التي تفقد عذريتها علي مهل.