وكيل تعليم الفيوم توجه بضرورة الالتزام بالكثافات بالمدارس|صور    في خدمتك | الأوراق المطلوبة للتقديم بكليات جامعة الأزهر 2024    «جنوب الوادي للبترول»: زيادة إنتاج الزيت الخام إلى 11.2 مليون برميل    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    ريال مدريد يستضيف ديبورتيفو ألافيس في الدوري الإسباني.. الليلة    تأجيل انطلاق دوري أبطال إفريقيا والكونفدرالية بسبب كأس المحليين    السيطرة على حريق مصنع ملابس في شبرا الخيمة    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    إصابة 11 شخصًا إثر حادث تصادم بين سيارتين في البحيرة.. بالأسماء    لعامها الثاني.. مصر تترأس تحالف أصدقاء الأمم المتحدة للقضاء على الالتهاب الكبدي    أول تعليق من مستشار رئيس الجمهورية على الوضع الصحي في أسوان    شوبير: كولر غريب بعض الشئ.. وغياب الصفقة الجديدة ستغضب اللاعب    العراق يصدر قرارات عاجلة بشأن المواطنين اللبنانيين    الأزمتان اللبنانية والفلسطينية تتصدران جدول مباحثات وزير الخارجية في نيويورك.. بدر عبد العاطى: نحشد دعما دوليا لإقامة دولة فلسطين المستقلة.. ويؤكد: القاهرة تواصل جهودها للتوصل لوقف فورى لإطلاق النار فى غزة    رسميًا.. الاتحاد اللبناني لكرة القدم يعلن تأجيل بطولاته المحلية بسبب الأوضاع الراهنة    حبس عاطل ضبط وبحوزتi مواد مخدرة قبل ترويجهم على المتعاطين بالمنوفية    «القابضة لمياه الشرب»: تلوث المياه في مصر «شبه مستحيل»    إيساف يعلن وفاة شقيقه    شيرين: حزينة على لبنان أكثر بلد علمتنى الصمود    ميرنا وليد وبناتها يخطفن الأنظار في حفل ختام مهرجان الغردقة (صور)    في ذكرى ميلاده.. «محمد طه» أيقونة الغناء الشعبي وصاحب ال 10 آلاف موال    وزير الخارجية: رعاية المصريين بالخارج أولوية قصوى لنا    جهود الدولة في التنمية البشرية تتوجها مبادرة بداية جديدة.. تساهم بجودة حياة المواطن برؤية 2030    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    خبير: الإفراط في استخدام المكملات الغذائية يؤدي لتوقف القلب    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    انتخابات أمريكا 2024.. هاريس تخطط لزيارة حدود أريزونا لمعالجة مشكلة الهجرة    ضبط مخزن في طنطا لإعادة تعبئة المبيدات الزراعية منتهية الصلاحية باستخدام علامات تجارية كبرى    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    وزير العمل: الرئيس يوجهه بمساندة كل عمل عربي مشترك للتنمية وتوفير فرص عمل للشباب    تراجع تدفق النفط الروسي يدفع الأرباح إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر    خطوات إجراءات التعاقد على وحدة سكنية من «التنمية الحضرية» (مستند)    شريف الكيلاني نائب وزير المالية للسياسات الضريبية يلتقى بجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    بحث علمي وتعليم وتبادل طلابي.. تفاصيل لقاء رئيس جامعة القاهرة وفدَ جامعة جوان دونج الصينية    ضغوط من اتحاد الكرة لإضافة مدرب مصري لجهاز ميكالي.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    لا تهاون بشأنها.. وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر وترتبط مباشرة بالأمن القومي    رئيس شركة المياه بالإسكندرية يتفقد يتابع أعمال الإحلال والتجديد استعدادا لموسم الشتاء    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    وكيل تعليم مطروح: تفعيل استخدام المعامل وانضباط العملية التعليمية بالمدارس    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    التعليم: تشكيل لجنة لإعادة النظر في الإجازات غير الوجوبية والإعارات    10 شهداء لبنانيين من عائلة واحدة إثر قصف الاحتلال للبقاع الشرقي    موتسيبي: التمويل سبب أزمة الكرة الإفريقية    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية شهرزاد الثانية بعد الألف
الحقيقة أغرب من الخيال- مثل قديم

ما أن الفرصة قد أتيحت لي مؤخرا أثناء قيامي ببعض الأبحاث الشرقية أن أراجع " أخبرني الآن هكذا الأمر أم لا"؛ وهو الذي لايكاد يكون معروفا ( مثل كتاب " زوهار" لسيمون جوشادس1) علي الإطلاق حتي في أوروبا، والذي لم يقتبس منه علي الإطلاق علي حد علمي أي أمريكي، إذا ما استثنينا علي الأرجح مؤلف عمل " غرائب الأدب الأمريكي"- أقول بما أن الفرصة قد أتيحت لي لكي أتصفح بعض صفحات العمل المميز الذي ذكرته في البداية، لم تكن دهشتي قليلة حين اكتشفت أن العالم الأدبي وقع حتي اليوم في خطأ فيما يتعلق بمصير بنت الوزير شهرزاد، طبقا لما جاء في " الليالي العربية"، وأن حل العقدة بالرغم من أنه خالي من الدقة فيما يتعلق بالنتائج المسفرة عنه، فعلي الأقل لايمكن لومه علي أن النتائج لم تمتد إلي أبعد من هذا.
يجب أن أحيل القارئ المتسائل بصدد معلومات كاملة عن هذه النقطة الشيقة إلي " هل هكذا الأمر أم لا" نفسه، لكن في الوقت نفسه سيسمح لي أن أعطي ملخصا عن ما اكتشفته.
يتذكر القارئ أن في النسخة المألوفة من الحكايات ملكا ما، لم يأمر فقط بموت مليكته، بما أن لديه سبب جيد جعله يشعر بالغيرة عليها، بل أقسم بلحيته وبنبيه أن يتزوج كل ليلة من أجمل عذراء في مملكته وأن يسلمها في صباح ليلة زواجه منها إلي السياف.
أما وقد وفي بقسمه لسنوات عديدة حرفيا؛ بالتزام ديني ومنهج أضفيا عليه مصداقية عظيمة باعتباره رجل ذي مشاعر مخلصة وإحساس مرهف، قاطعه ذات ظهيرة ( بلاشك أثناء صلواته) زيارة من وزيره العظيم، حيث خطر لابنته، كما يبدو، فكرة.
اسمها كان شهرزاد، وفكرتها كانت إما أن تخلص الأرض من الضريبة المفروضة علي الجمال أو تهلك في محاولتها بالطريقة التي وافقت عليها كل البطلات الأخريات.
بناء عليه، وبالرغم من أننا نكتشف أنها لم تكن سنة كبيسة ( حيث كانت ستضفي علي التضحية تقديرا أعظم)، تنتدب أبيها، الوزير العظيم، لكي يعرض علي الملك يدها. هذه اليد يقبلها الملك بلهفة ( كان قد نوي أن يأخذها في كل الأحوال، وأجل المسألة من يوم إلي آخر، فقط خوفا من الوزير) لكن، أما وقد قبلها الآن، فهو بهذا القبول يجعل كل الأطراف تصدق تماما أنه، سواء وزير عظيم أم غير عظيم، لا ينوي علي الإطلاق أن يتنازل عن قسمه مقدار ذرة أو امتيازاته. لذلك، عندما أصرت شهرزاد الجميلة علي الزواج من الملك، وتزوجته فعليا برغم النصيحة الممتازة التي نصحها بها أبوها بألا تتزوجه- أقول، سواء أردت أم أبيت، عندما
رغبت أن تتزوجه وتزوجته فعليا، فقد فعلت هذا وعيناها السوداوان الجميلتان مفتوحتان بالاتساع الذي تسمح به طبيعة القضية.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الأنسة الداهية ( التي بلاشك كانت تقرأ ميكيافيللي قبل هذا) كانت تحمل مكيدة صغيرة بارعة جدا في عقلها. ففي ليلة زفافها، احتالت بإدعاء ما مقبول نسيته، لكي تحتل أختها مضجعا قريبا بما يكفي من الزوجين الملكيين لكي يسمح بتبادل الحديث بينهما من السرير إلي السرير بسهولة، وقبل صياح الديك بقليل، اهتمت بأن توقظ الملك الطيب، زوجها ( الذي لم يضمر تجاهها أي رغبة مؤذية لأنه نوي أن يلوي عنقها في الصباح)- تدبرت أن توقظه، أقول، (بالرغم من أنه بسبب ضميره الممتاز وسرعة هضمه ينام نوما جيدا) بإثارة اهتمامه بقصة ( حول فأر وقطة سوداء، أعتقد) كانت تقصها ( بنبرة خفيضة بالطبع) علي أختها. عندما طلع النهار، تصادف أن هذه القصة لم تنته تماما، وأن شهرزاد، لطبيعة الأشياء لم تستطع أن تنهيها حينئذ، بما أنه الوقت المناسب لكي تنهض وتصلب- شيء أكثر متعة قليلا من الشنق؛ أكثر أناقة بمقدار ضئيل!
من ناحية ثانية، حيث أن فضول الملك طغي حتي علي، أسف أن أقول، مبادئه الدينية الراسخة، فقد أغراه أن يؤجل، هذه المرة، الوفاء بقسمه حتي الصباح التالي، بغرض وبأمل أن يسمع تلك الليلة كيف سيصير حال القط الأسود ( أعتقد أنه كان قطا أسود) مع الفأر في النهاية.
أما وقد حل الليل، من ناحية ثانية، فالسيدة شهرزاد لم تقضي علي حكاية القط الأسود والفأر ( كان الفأر أزرق) فقط بالضربة القاضية بل قبل أن تعي جيدا ما هي علي وشك أن تفعله، وجدت نفسها غارقة في تعقيدات حكاية، تشير إلي ( إذا لم أكن مخطئا تماما) حصان وردي ( بجناحين خضراوين) ينطلق ويحط، بطريقة عنيفة، أوتوماتيكيا، عن طريق مفتاح نيلي اللون. اهتم الملك بهذه القصة اهتماما أعمق بكثير من القصة الأولي، وبما أن النهار طلع قبل نهايتها ( علي الرغم من مساعي الملكة للانتهاء منها مع حلول موعد الشد علي القوس) لم يكن ثمة مفر مرة أخري من تأجيل ذلك الطقس كما من قبل لمدة أربع وعشرين ساعة. حدث الليلة التالية المصادفة نفسها بالنتيجة نفسها؛ ثم التالية؛ ثم الليلة التالية، حتي جرد الملك الصالح في النهاية تماما من كل فرصة للبر بقسمه خلال فترة زمنية لاتقل عن ألف ليلة وليلة؛ إما لأنه نساه تماما بانقضاء هذا الوقت أو حل نفسه منه بالطريقة الاعتيادية، أو( وهو الأرجح) نقضه مباشرة مع الإطاحة برأس كاهنه الأب. في كل الأحوال، لعل شهرزاد التي انحدرت مباشرة من حواء، ورثت سلات الكلام السبع التي جمعتها السيدة الأخيرة، كما نعرف جميعا، من تحت أشجار جنة عدن. أقول أن شهرزا د انتصرت في النهاية وألغيت الضريبة المفروضة علي الجمال.
والآن هذه النهاية ( نهاية القصة المدونة لدينا) بلاشك ملائمة وسارة جدا. لكن للأسف! مثل أشياء أخري عديدة سارة عظيمة هي نهاية أكثر طلاوة من أن تكون حقيقية. و أنا مدين تماما ل" هل هكذا أم لا" بتصحيح الخطأ. يقول المثل الفرنسي " الأحسن هو عدو الجيد" وإذ أنني ذكرت أن شهرزاد قد ورثت سلات الكلام السبع، يجب أن أضيف أنها قامت بقرضها بفائدة مركبة حتي وصلت إلي سبع وسبعين سلة.
قالت في الليلة الثانية بعد الألف ( هنا أقتبس حرفيا لغة "هل هكذا أم لا"): " أختي العزيزة، أما وقد انقضي زمن الصلب العصيب قليلا، وألغيت تلك الضريبة الشنيعة بنجاح، أشعر أنني مذنبة باقتراف عمل أحمق عظيم؛ بأن أحجب عنك وعن الملك ( الذي أسف أن أقول، يغط في نومه- وهو الأمر الذي لايفعله الجنتلمان) النهاية الكاملة للسندباد البحري. لقد خاض هذا الشخص مغامرات عديدة أخري أكثر تشويقا من المغامرات التي حكيتها، لكن الحقيقة هي أنني شعرت بالنعاس في الليلة التي كنت أحكي فيها عنه، وهكذا أغراني النعاس أن أبترها- نموذج محزن من سوء التصرف- توكلي علي الله في أن يغفرها لي. لكن مع هذا أيضا لم يفت الوقت لكي أصلح استخفافي العظيم، وما أن أقرص الملك قرصة أو قرصتين لكي أوقظه بالقدر الذي يتوقف فيه عن إصدار هذا الضجيج الرهيب، سأسليك علي الفور ( وهو إذا أحب) بتتمة هذه القصة الرائعة ذاتها."
علي هذا، لم تعبر أخت شهرزاد كما بين يدي من " هل هكذا أم لا" عن امتنان خاص جدا؛ غير أن الملك، وقد قرص بما يكفي، توقف في النهاية عن الغطيط، وقال أخيرا " هم!" ثم " هوو!"، فقامت الملكة حينها، إذ فهمت أن هذه الكلمات ( التي هي بلاشك باللغة العربية) تدل أنه منتبه تماما وسوف يبذل ما في وسعه لكي لا يغط بعد ذلك- أقول أن الملكة، إذ رتبت تلك الأمور علي هواها- باشرت مرة أخري علي الفور قصة سندباد البحري:
" في النهاية، في شيخوختي ( هذه هي كلمات سندباد نفسه، كما ترويها شهرزاد)- " في النهاية، في شيخوختي، وبعد أن استمتعت بسنوات عديدة من الهدوء والسكينة في بيتي، تملكتني مرة أخري الرغبة في زيارة البلاد الغريبة. وفي أحد الايام، بدون أن أعلم أي فرد من أفراد عائلتي بعزمي، حزمت بعض الحزم من تلك البضائع التي كانت الأغلي والأخف وزنا، وإذ اكتريت حمالا ليحملها، ذهبت معه إلي شاطئ البحر، أنتظر وصول أي سفينة ما بالصدفة قد تنقلني خارج المملكة إلي إقليم ما لم أكتشفه بعد.
" وبعد أن وضعنا الرزم علي الرمال، جلسنا تحت بعض الأشجار وتطلعنا إلي المحيط علي أمل أن نري سفينة ما، لكننا ولساعات لم نر أي شيء من أي نوع. في النهاية تخيلت أنني أسمع أزيزا ما أو غمغمة ما، والحمال بعد أن أصاغ السمع قليلا، أعلن أنه يستطيع أن يميزه. غدا الصوت فورا أعلي ثم أعلي بحيث لم يعد لدينا شك أن الشيء الذي يصدر عنه هذا الصوت يقترب منا. في النهاية، اكتشفنا عند خط الأفق لطخة سوداء، تزايد حجمها بسرعة حتي تبين لنا أنها وحش ضخم، يسبح جزء كبير من جسده فوق سطح البحر. أتي نحونا برشاقة عجيبة، وقد تناثرت حول صدره أمواج ضخمة من الزبد، وأضاء ذلك الجزء الذي يعبره من البحر خط طويل من النار الذي امتد بعيدا إلي الأفق.
استطعنا أن نري هذا المخلوق بوضوح تام بينما يقترب منا. كان ارتفاعه يعادل ارتفاع ثلاث أشجار سامقة، وكان عريضا بعرض قاعة عظيمة من قاعات قصرك، يا أجل وأكرم خليفة. كان جسده الذي لايشبه جسد أية سمكة صلبا صلابة الصخر، والجزء الذي يطفو منه فوق المياه ذا لونا أسود فاحم باستثناء شريط ضيق بلون الدم يحوطه كله. أما بطنه التي تعوم تحت السطح والذي لم نستطع إلا أن نلمحها حين كان الوحش يعلو ويهبط مع الأمواج، فقد كانت مغطاة بحراشف معدنية ذات لون يشبه لون القمر في جو ضبابي. كان الظهر مسطحا وأبيض تقريبا، وامتد منه طوليا ستة نتوءات، يبلغ طول كل واحدة منها نصف طول جسده.
" هذا المخلوق الرهيب لم نستطع أن نري فما له، لكن كأنه تعويض عن هذا النقص، كان مزودا بثمانين عين علي الأقل تجحظ من محاجرها مثل تلك التي لدي التنين الطائر، ومرتبة حول الجسد كله في صفين؛ واحد فوق الآخر وموازية لذلك الشريط الأحمر الدموي الذي بدا أنه يقوم بوظيفة الحاجب. عينان أو ثلاث من تلك العيون أضخم من الأخريات ولها مظهر الذهب الصلب.
بالرغم من أن هذا الوحش كان يقترب منا كما ذكرت سابقا بسرعة عظيمة، فلابد أن السحر كان يحركه، لأنه لم يملك لا زعانف مثل السمكة ولا أقدام كفية مثل البطة ولا أجنحة مثل المحار الذي ينتفخ طوليا مثل السفينة، ولم يتلو حتي كما يفعل سمك الإنقليس. رأسه يشبه ذيله تماما باستثناء فتحتين صغيرتين لاتبعدان عن ذيله كثيرا تقومان بوظيفة فتحتي الأنف، من حيث كان الوحش ينفخ أنافسه الثقيلة بعنف شنيع وبضجة صاخبة ومنفرة.
كان عظيما الرعب الذي تملكنا ، غيرأن دهشتنا طغت عليه، إذ بعد أن خول لنا رؤية الوحش عن قرب، رأينا فوق ظهر المخلوق عددا كبيرا من الحيوانات بحجم الإنسان وهيكله تقريبا وتشبهه كثيرا كلية باستثناء أنها لا تلبس ملابس ( كما يفعل الإنسان) لأنها مزودة ( من الطبيعة بلاشك) بغطاء قبيح غير مريح، يشبه القماش إلي حد كبير، لكنه يلتصق تماما بالجلد، بحيث جعل البؤساء المساكين ذات شكل غريب مثير للضحك وسبب لها كما يبدو ألما حادا. علي قمة رأسها كان يوجد صندوق مستطيل الشكل، أعتقدت للوهلة الأولي أن الغرض منه أن يعمم به، لكن سرعان ما اكتشفت أنه ثقيل للغاية وصلب، ولذلك انتهيت إلي أنه وسيلة مصممة، بسبب وزنه العظيم، بغرض الحفاظ علي رؤوس الحيوانات ثابتة وآمنة فوق أكتافها. وحول أعناق المخلوقات كان مثبتا أطواق سوداء ( شارة العبودية، بلاشك) كتلك التي نضعها لكلابنا، باستثناء أنها أعرض وأكثر تيبسا، بحيث كان من المستحيل تماما بالنسبة لتلك الضحايا المسكينة أن تحرك رؤوسها في أي اتجاه بدون أن تحرك أجسادها في الوقت نفسه. وعليه، كان محكوما عليها أن تتأمل إلي الأبد أنوفها- صورة فطسية وتشبه كلب البج رائعة لولا أنها واقعية لدرجة مروعة.
عندما وصل الوحش تقريبا إلي الشاطئ حيث نقف، دفع عينا من عيونه إلي الخارج لمسافة عظيمة ونفث منها وهج رهيب من النار، صاحبه سحابة كثيفة من الدخان، وصوت لا أستطيع أن أقارنه إلا بصوت الرعد. بعد أن تلاشي الدخان رأينا مخلوقاً من المخلوقات الحيوانية-الإنسانية الغريبة يقف بالقرب من رأس الوحش الضخم مع بوق في يده، حيث من خلاله ( وقد وضعه علي فمه) خاطبنا علي الفور بنبرات عالية، فظة ومنفرة، كان يمكن أن نعتقد خطأ أنها نبرات لغة ما لولا أنها تخرج كلية من الأنف.
وحيث أن الكلام كان موجها لي، احترت كيف أجيب بما أنني لم أفهم علي أي نحو ماذا قيل. وفي خضم هذا العسر، التفت إلي الحمال الذي كاد أن يغمي عليه من الخوف وطلبت رأيه فيما يخص نوع الوحش، وماذا يريد، ومانوع المخلوقات التي يعج بها ظهره. أجاب الكاري علي هذه الأسئلة إجابة واضحة بقدر ما أسعفه ارتجافه، بأنه سمع ذات مرة عن هذا الوحش البحري، وأنه عفريت وحشي بأمعاء من


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.