"مش تعصب".. وكيل "الأزهر" يرد على المتطاولين على التراث    غدا- بدء حجز أراضي بيت الوطن.. ننشر الأسعار والأماكن    بالصور- محافظ القليوبية يتفقد سير العمل في مشروعات "حياة كريمة" بشبين القناطر    غدا بدء التشغيل التجريبي بالركاب لمحطات الجزء الثالث من المرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق    بالصور- تطهير الترع الرئيسية بالبحيرة استعدادا للزراعات الصيفية    وزير الخارجية التركي: قتل إسرائيل الفلسطينيين بشكل ممنهج "إبادة جماعية"    الخارجية السعودية: عدوان إسرائيل أضعف النظام الدولي    شولتس: ألمانيا لن تعود إلى جيش الخدمة العسكرية الإلزامية    التشكيل - بواتنج يعود للاتحاد.. والبدري يقود هجوم سموحة في دربي الإسكندرية    أخبار الأهلي : كولر يستقر على مهاجم الأهلي في نهائي أفريقيا    أخبار الأهلي : رسالة نارية من أحمد شوبير لحسام وابراهيم حسن    وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال بعد انهياره فى أول نزال احترافى في المملكة المتحدة    إلغاء امتحان طالب صفع معلما على وجهه بالغربية    اليوم.. التعليم تنشر فيديو توضيحي لطريقة الإجابة على البابل شيت    وائل كفوري يطرح «لآخر دقة» على يوتيوب    الخميس.. انطلاق فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة على مسرح الهناجر    مبادئ كتابة السيناريو في ورشة ابدأ حلمك بالإسكندرية    يعلمون أنهم على الباطل.. عبدالله رشدي يعلق على تهديد يوسف زيدان بشأن مناظرة "تكوين"    الموافقة على موازنة القومى لحقوق الإنسان، ومطالبات برلمانية بوقف إهدار المال العام في بند الصيانة    الهجمات الإسرائيلية على غزة: أحمد أبوالغيط يعبر عن استنكار جامعة الدول العربية    ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي في الإسكندرية    قرار حاسم من «التعليم» ضد 5 طلاب بعد تسريبهم الامتحان على «السوشيال ميديا»    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    تنطلق الأربعاء 15 مايو.. جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي الأزهرية 2024 بالمنيا    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    المصريون في الكويت يبحثون طرق قبول أبنائهم في الجامعات المصرية    البنتاجون يرفض التعليق على القصف الأوكراني لمدينة بيلجورود الروسية    درجة الحرارة الآن.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 14-5-2024 (تفاصيل)    خلال 24 ساعة.. ضبط 14028 مخالفة مرورية متنوعة على الطرق والمحاور    ضبط المتهمين بترويج العقاقير المخدرة عبر «الفيس بوك»    كوريا الجنوبية تعزز جاهزية الجيش للرد على جميع التهديدات    توقعات إيجابية للاقتصاد المصري من المؤسسات الدولية لعام 2024/ 2025.. إنفوجراف    محافظ كفر الشيخ: اعتماد المخططات الاستراتيجية ل 23 قرية مستحدثة    بمناسبة يومها العالمي، وزارة الثقافة تفتح أبواب المتاحف مجانا عدة أيام    بسبب أعمال التطهير، خريطة ومواعيد انقطاع المياه في الدقهلية غدا    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    تنظيم مقابل الخدمات بالمستشفيات الأبرز، تعرف على توصيات لجنة الصحة بالبرلمان    طريقة عمل وافل الشيكولاتة، لذيذة وسهلة التحضير    جامعة القاهرة تقرر زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين    5 أبراج تتميز بالجمال والجاذبية.. هل برجك من بينها؟    طرح فيلم «بنقدر ظروفك» في دور العرض 22 مايو    جيسوس يحسم مستقبله مع الهلال السعودي    مصر تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في محافظة صلاح الدين بالعراق    السجن المشدد من عام إلى 5 سنوات ل4 متهمين بالسرقة وحيازة مخدرات بالمنيا    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى «كايسيد» للحوار العالمي    صوامع وشون القليوبية تستقبل 75100 طن قمح    توقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة يدخل أسبوعه الثاني    تعرف على إرشادات الاستخدام الآمن ل «بخاخ الربو»    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    ما مواقيت الحج الزمانية؟.. «البحوث الإسلامية» يوضح    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    برشلونة يسترد المركز الثاني بالفوز على سوسيداد.. ورقم تاريخي ل تير شتيجن    طارق الشناوي: بكاء شيرين في حفل الكويت أقل خروج عن النص فعلته    ميدو: هذا الشخص يستطيع حل أزمة الشحات والشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حِكَايَاتٍ سَاقِطَةً مَن جوازَ سفر
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 06 - 2019


»هكذا بدأ المشهد في شارع »‬أوتوبيني»‬؛ ذلك الشارع الضاربة جذوره في عمق القدم ؛ »‬كبساط أسود حريري»؛ يتمايل حياة علي أرجوحة نبضات قلوب المارة؛ فينفض عنه رِداء الاسفلت؛ بينما فِي أَحْشَائِهِ كان البرد كَامِنٌا ؛ ومن بين ثقوب مصفات مساماته السوداء كانت تتطاير روائح أسئلة ضائعة تنتظر أجوبة لا تأتي؛ ومن شقوق نضوبه كانت تتسرب علي استحياء من حين لآخر زخات عطر سوداء ممهورة برائحة أقدام العابرين ممزوجة بأنفاس احلام عالقة علي معالم الطريق؛ وبنهاية الشارع كانت تمتد أذرع بوابات مطار »‬هنري كواندا الدولي» منصوبة كشراك المساء ؛ تعلن نهاية درب الآلام ؛ إيذانا ببدء مراسم حفل الاغتراب في عرضها الافتتاحي ؛ فتتقدم جوقة الحنين بعزف سيمفونية الحشرجة اللانهائية؛ علي واقع نوتة الاشتياق الحزينة ؛ ويتخلل المشهد بعبثية طاغية أضواء قاسية عرت الأسفلت من جروحه ؛ لدرجة جعلتها لا تشعر بتلك العتمة التي تسيطر علي خلجات روحه المحتضرة ؛ بل لقد أمعنت في شدة قسوتها لتشعل غابات كثيفة من الحنين بداخله فتصاعدت ألسنة ألهبتها الرمادية لتغزو عباب سماء الوطن الساقط من بطاقة هويته الخضراء ؛ وكان علي واقع نبضات قلبه المتلاحقة تستيقظ أمواج عاتية من الأوجاع ؛ فقد كان المشهد غريبا بعض الشيء ؛ فهو ذلك البحار العنيد الذي اعتاد علي امتطاء صهوة الأمواج المتمردة مزهوا بأشرعته البيضاء ؛ ومجادفة الممتدة للشمس المجبولة بتاريخ غير معلن للمغامرة ؛ إلا انه في هذة اللحظة بالتحديد بدأ كقارب خشبي صغير متهالك يترنح بين رحي عمق الضياع ؛ فيتلقي الطعنات من الأمواج الغادرة طعنة تتلو طعنة ؛ بعد أن جردته الرياح الغاضبة من أشرعته وفتت عقد مجادفه ؛ لتبدو المسافة التي قطعها حتي ساحة المطار كمشاهد شريط فيلم سينمائي غارق بالتفاصيل والأحداث؛ لم يقطع تسلسل مشاهده المتلاحقة بين برهة وأخري ؛ إلا صدي صراخات ابنته تلك الزهرة اليانعة التي لم تتخط ربيعها الخامس ؛ والذي ظلت تنفجر شظاياه في أذنيه كرعد تمخض في أوج غضبه بنزيف متدفق من الدموع لتستقر وطنا أبديا في عينيه المفقودتين من صخب الإضاءة ؛ كذلك كان واقع كلمات زوجته التي هاتفته وهي تخبره بضرورة الحضور فورا لأن ابنته تحتضر ؛ تثقل وتعوق حركتة البطيئة ؛ كان الجميع يطيلون النظر إلي بالطو البحار »‬يوسف»البيج القصير المتسخ وبنطلونه الجينز القديم وحذائه الرث الذي استوطنت عليه بضعة بقايا شحوم ؛ حيث كان يحمل في يده حقيبة بلاستيكية بها قدّاحة وعلبة دخان مجهولة الهوية وبعض الأوراق الممهورة بأختام متعددة كأنها تحاكي واقع وطن ؛ تلك الحقيبة التي اعتاد علي حملها دائما في قبضة يديه وبخطوات بطيئة كمراسم جنازة انتحار نجم من عين السماء كانت إيقاعات خطواته إلي ان استقرت قدماه أمام نافذة ضابط الجوازات؛ نظر إليه الضابط بترقب شديد وعلي مايبدو انه لم يعبأ بقسمات الحزن التي كانت تفترش وجهه بقدر اهتمامه بملابسه الرثة ؛ وبعد جزء ضئيل من لحظات بادره الضابط بنبرات حادة وملامح قاسية فيما يبدو أن »‬يوسف» قد اعتاد عليها ؛ فبادره قائلا : – »‬من أين أنت أتي ؛ وما هي وجهتك الجديدة»؛ لكن »‬يوسف» علي ما يبدو كان مازال غارقا في أعماق شروده ؛ ضائع في دروب تيهه ؛ فلم ينتبه لسؤال الضابط إلا عند ما كرره مرة أخري ؛ فتمردت شفتاه عن الانصياع للإجابة الصعبة ؛ لأن الإجابة كانت تحتاج لسنوات بحجم سنوات الضياع ؛ فأخفض هامته ومد يديه المرتعشتين إلي أحشاء حقيبتة البلاستيكية ليخرج ما باطنها من أوراق ؛ ووضعها امام الضابط قائلا له : – »‬سيدي الضابط أنا لاجئ وأود أن أري ابنتي المفقودة في وطني الضائع ووجهتي مدينة »‬قتل الأحلام» ومنها سوف أذهب لوطني برا لأن منصات الحمام قد هدمتها الغربان في يوم من الأيام' ؛ رمقه الضابط بنظرة ممتعضة قبل أن يفحص اوراقه وجواز سفره ؛ ومن ثم أمهرها بصك المغادرة ، ليعبر »‬يوسف»مع العابرين الممر الضيق المؤدي إلي طائرتة المتجهه إلي مدينة »‬قتل الأحلام»؛ وما أن أدارت الطائرة محركاتها وعلي ضجيجها حتي عاد »‬يوسف»إلي حالة سباته الأولي فظل عاكفا علي متابعة وقائع شريطه السينمائي غائصا في تفاصيله المتشابكه ؛ لكنه لم يلبث حتي أفاق مجددا من موته المؤقت علي صوت قائد الطائرة المنساب عبر الميكرفون معلنا وصول الطائرة إلي مطار مدينة »‬قتل الاحلام»؛ فقد كانت علي وقع نداء قائد الطائرة تتزايد وتيرة نبضات قلبة وما من لحظات حتي بدا اصطاف وازدحام الركاب علي ممرات الطائرة الضيقة ؛ وهم يحملون أغراضهم وكانت تظهر علي وجهوهم بعض بقايا ابتسامة اشتياق؛ إلا أنه كان مازال قابعا علي مقعده كأنه موصود عليه حتي هم آخر راكب بالدنو ؛ لينتبه للتو أن الجميع قد غادروا مقاعدهم وتركوها فارغة إلا من بعض حكاياتهم التي لم تكتمل وبعض من آثار روائحهم ؛ وأنه لم يتبق غيره ؛ وبعد لحظة شرود همّ بالدنو من أعلي مصعد الطائره متوجها إلي شباك الجوازات من جديد حتي وصل إلي نفس الشباك الذي اعتاد عليه في كل ميناء وتلقي نفس السؤال الذي كان يتلقاه من كل شرطي حتي حفظه عن ظهر قلب ؛ وبعد أن اطلع ضابط الجوزات علي أوراقه قال له بحدة قاطعة : »‬أنت ممنوع من دخول مدينة قتل الأحلام»، هنا ارتسمت علي وجه »‬يوسف» أثار الفاجعة ؛ لكنه حاول أن يستوعب تفاصيلها ؛ وبدأ من جديد يروي للضابط مأساته علي واقع دموعه وأنه لا يريد سوي تصريح لمدة أربع وعشرين ساعة حتي يصل لوطنة برا لأن طفلته قيد الاحتضار لكن الضابط ذا الملامح الجليدية لم يعبأ بحديثه وطلب من احد الجنود المرافقين له بعد ان قام بسحب جواز سفره ؛ ان يقتاده إلي غرفة الاحتجاز حتي تأتي الطائرة التي أقلته لتأخذه مجددا؛ وعلي مايبدو أن »‬يوسف»قد استسلم في النهاية ؛ ليصعد مع الشرطي إلي مقر الاحتجاز حيث كان يقبع يمين الغرفة اثنان من الضباط يجلسان خلف مكتب معدني عليه آثار صدأ وأمام كل منهما جهاز حاسوب بدائي الصنع ؛ ومن حين إلي الآخر كانا يتبادلان الضحكات بصوت صاخب، وفي الغرفة الثانية كانت هناك فتاة شابة غاطة في نوم عميق علي فوتيه مهترئ بكامل ملابسها وقد غطت وجهها بشال أسود وعلي مايبدو من مظهرها أنها عراقية ؛ وكان يفترش أرضية نفس الحجرة شاب سوداني يتوسد حقيبة سفر بحجم مأساة وطن تحت رأسه ؛ بينما كان يمشط الممرات الضيقة بين الحجرات شخص تخطي الستين عاما في حالة قلق وتوتر يبدو من هيئته أنه يمني؛ وكان يقف ملاصقا لنافذة الغرفة شخص يبدو من ملامحه السمراء أنه مصري حيث كان عاكفا علي التدخين بصمت ؛ وعلي مايبدو أنه كان يفكر في حبيبته التي كانت تنتظره ما بين قضبان صالة الوصول ؛ وفي الغرفة الثالثة كانت تقف امرأة يبدو من ملامحها أنها من إحدي دول شرق آسيا حيث كانت من حين إلي آخر عندما يمر أما مها أحد من نزلاء الاحتجاز تطلق نداءها المتكرر : »‬مية مية» بلغة ركيكة ؛ وفي هذه الاثناء كان ينطلق »‬يوسف» بين الغرف المختلفة كطير مذبوح بنصل الأسلاك الشائكة ؛ كان يصرخ بكل ما تختلجه نفسه من جروح أمام النزلاء لعله يجد من يغيثه ؛ لكنه اكتُشِف مؤخراً ان مائدة الغربة .. ضيوفها ملامحهم واحدة»

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.