الباحث خلال المناقشة حِكم ابن عطاء الله السكندري.. دراسة بلاغية، قدمها الباحث (علي محمد إبراهيم فرج، للدرس البحثي، نظرا لقيمتها وأهميتها واعتناء العلماء القدماء قديما وحديثا بها، بين محقق لها وشارح، فكثرت الدراسات حولها حسب قول الباحث- كما انتشرت طباعتها نظرا لما اشتملت عليه من مواعظ وحِكم. وذكر الباحث ان ابن عطاء الله السكندري توفي في عام 709ه لافتا إلي أن الحكم العطائية، هي أفضل مصنف في علم التوحيد، وأفضل مرشد للسالكين والعارفين، وأنها قد بلغت قدرا كبيرا من الحبكة الفنية، والجودة البلاغية، وأن القول بسطحية وسذاجة الأدب- إبان هذه الحقبة- قول غير دقيق سار الكثير في ترديده، اقتفاءا لبعض المستشرقين الذين ارادوا إهمال هذه المدة من تراثنا وتاريخنا لأسباب عديدة، منها أنها حقبة عودة الوعي الاسلامي والعربي، وعصور الوحدة القومية في مجابهة الصليبيين والتتار، فضلا عن كونها حقبة الموسوعات لتراثنا، قام بها علماء كبار يشار إليهم بالبنان في عالم العلم والعلماء. وقد أرجع الباحث سبب اختياره للحكم ليطبق عليها النظريات البلاغية أن هذا البحث البلاغي لم تتعرض له من قبل دراسة بلاغية شاملة، وان ما حدث حين تم دراسة ابن عطاء الله السكندري، أن تم تناول حياته، تصوفه تدرجه في السلوك الصوفي ومنزلته بين الصوفية القدامي والمحدثين. وأن ثمة سببلً آخر هو منزلة ابن عطاء الله بين معاصريه، ولاحقيه، سواء في عالم التصوف أو في غيره، فالرجل كان ذا قدر عال ومكانة مرموقة في عصره وبعد عصره فهو كاتب وشاعر، وعالم في علوم الشرع، وصوفي من طراز فريد، جمع بين الشريعة، والحقيقة، أو بين علوم الشرع وعلوم التصوف. وله جهد واسع في تقريب التصوف من الشرع، وإزالة الشبهات حول التصوف ورجاله، بل ورد دعاوي الصوفية الفلاسفة، أو المتفلسفين الذين أضروا التصوف ضررا بالغا، حين مزجوا بين التصوف الإسلامي،والغنوصي بنوعيه (الشرقي والغربي)، حيث تكلموا في: وحدة الوجود، الاتحاد والحلول، والحقيقة المحمدية، ووحدة الأديان، وعصمة الأولياء والأقطاب، وغيرها من النظريات والأفكار التي تصطدم بالعقيدة الإسلامية وتناقضها، ولم يكن ابن عطاء الله مشاركا في ذلك، بل حمل علي عاتقه الرد علي هذه الدعاوي الباطلة والأفكار الفاسدة فضلا عن نقد المقلدين والمشعوذين من انتسبوا الي الصوفية، وهو منهم براء. وقد عرف الباحث ابن عطاء الله السكندري، فقال هو تاج الدين أبوالفضل أحمد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالرحمن بن احمد بن عيسي بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسبا، وفد اجداده المنسوبون الي قبيلة جذام إلي مصر بعد الفتح الإسلامي، واستوطنوا الاسكندرية، حيث ولد ابن عطاء الله حوالي عام 658 ه الموافق 1260م، ونشأ كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبدالكريم بن عطاء الله فقيها، يشتغل بالعلوم الشرعية. وفي هذه البيئة الإسلامية نشأ ابن عطاء الله، وأصبح من أركان الصوفية الراقية من أي شوائب، فهو فقيه مالكي، وصوفي شاذلي الطريقة، بل أحد اركان الطريقة الشاذلية الصوفية، وتوفي عام 709ه، ولقب بقطب العارفين وترجمان الواصلين، ومرشد السالكين. إذن فإن ابن عطاء الله، مصري الموطن، عربي الأصل، ولهذا قيمة كبري، من حيث إنه يمثل التصوف الإسلامي المصري في القرن السابع الهجري. وقد تميزت حياته بثلاثة أطوار، طوران منها بمدينة الاسكندرية، وطور ثالث بمدينة القاهرة، ففي الاسكندرية عام 674ه نشأ ابن عطاء الله، طالبا لعلوم عصره الدينية من تفسير وحديث، وفقه وأصول، ونحو وبيان. أما الطور الثاني، فقد بدأ عام 674ه، وهي السنة التي صاحب فيها أبا العباس المرسي، وينتهي بارتحاله منها الي القاهرة، و فيه تصوف علي يد الشاذلي، ولم ينطع عن طلب العلوم الدينية ثم اشتغل بتدريسها. أما الطور الثالث، فبدأ بارتحاله من الاسكندرية إلي القاهرة يقيم بها، وينتهي بالقاهرة وهو طور نضوجه واكتماله كصوفي وفقيه. تعلم علي يد شيخه أبي العباس المرسي، وبعد وفاة شيخه ومعلمه أبي العباس، أخذ مكانه وورث العلم عنه (علم الشريعة، وعلم الطريقة)، واهتم بالدعوة، ودرس علم الفقه بمدينة الاسكندرية ثم رحل منها الي القاهرة ليقيم فيها وليعمل بالتدريس والوعظ. تتملذ علي يد ابن عطاء الله، جملة من الفقهاء والصوفية، أشهرهم: الإمام تقي الدين السبكي، ووالد تاج الدين السبكي، صاحب طبقات الشافعية الكبري. وابن عطاء الله في هذا العصر، كان يدرس في الأزهر الشريف العلوم من فقه وحديث الي جانب تدريسه للتصوف ووعظه للعامة، وكان قد اختفي المذهب الشيعي في عصره، بعد ان قضي عليه السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 564ه، وساد بمصر منذ ذلك الوقت، مذهب أهل السنة والجماعة. وعن تصوف ابن عطاء الله، ذكر الباحث، أن ابن عطاء الله، في البداية كان ينكر علي الصوفية أحوالهم، كما ينكر عليهم علم الحقيقة، إلا أنه بعد ذلك اعتقد به وأصبح من كبار رجاله. وعن شعره، أوضح الباحث أن أشعاره في كتابه (لطائف المنن)، جاءت مائة وستة وثمانين، وجاء شعره حسنا ونظما، رقيقا، وحول الزهد في الدنيا والسعي والعمل بجد للآخرة فمن شعره: أري الكل محتاجا وأنت لك الغني ومثلي من يخطيء ومثلك من يعفو أما أشعاره في كتابه (التنوير في إسقاط التدبير)، فقد جاءت في موضوعات مختلفة، منها ما ذكر في الصبر علي البلاء. ولفت الباحث إلي أن هذا الانتاج الأدبي الذي تركه ابن عطاء الله كان قد أنجزه في عصر كانت فيه الحياة السياسية مضطربة، يشوبها التنازع علي السلطة والاقتتال من أجلها، فقد حارب التتار سلاطين المماليك، وهددوا مصر تهديدا مستمرا إبان الفترة بين سنتي 670ه، 702ه، وكان نظام الحكم، نظاما استبداديا، ينفرد فيه السلاطين بجميع السلطات، وكثيرا ما كانت تحدث الفتن والمؤامرات بين المماليك والسلاطين طمعا في الوصول إلي الحكم، وكان ابن عطاء الله من حيث إنه فقيه وصوفي بارز في عصره، كان لايخشي بطش هؤلاء السلاطين، لأنه يري أن أهم واجبات الصوفي، أمر الجميع بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ولو كان منهم الملوك والسلاطين وعن مؤلفاته ذكر الباحث أنها كثيرة في مختلف المجالات في خلاصة الأثر، والاعلام، وفهرس الفهارس، والكتبخانة، والأزهرية، والخزانة التيمورية، ومعجم المطبوعات، وغير ذلك بحوالي تسعة وتسعين مصنفا، منها الصغير والكبير، والتام والناقص والمخطوط والمطبوع، ومع ذلك لم يتم التحقيق إلا لعدد قليل منها، ومن مؤلفاته ابتهاج النفوس بذكر ما فات القاموسي إتحاف الناسك بأحكام المناسك، والاتحافات السنية بالأحاديث، إتحاف الطلاب بشرح العباب، أسماء البلدان، الأحاديث المنتقاه من الميزان واللسان. جاءت أطروحة الباحث عن بلاغة ابن عطاء الله السكندري في ثلاثة فصول، كان الأول منها عن بلاغة علم المعاني في حكم ابن عطاء، وفيها بحث في بلاغة اللفظة المفردة وأسرارها البلاغية، وبناء الجملة وأشكالها، وبلاغة الوصل والفصل والإيجاز والإطناب والمساواة. واختص الفصل الثاني بالبحث في التصوير البياني في حكم ابن عطاء الله، وفيه تناول بلاغة التشبيه، بلاغة المجاز اللغوي، بلاغة الكتابة. أما الفصل الثالث والأخير فكان حول بلاغة البديع. وفي ختام عرض الباحث لرسالته أوصي بالدراسة البلاغية التفصيلية للحكم العطائية، كما اوصي بدراسة المصطلحات الصوفية دراسة وافية لمن يتعرض للحكم من خلال أي دراسة، وذلك لاستخراج ما أمكن من معانيها السامية. ولفت الباحث إلي أن الحكم العطائية تدور حول الفرق بين عالم الملك، وعالم الملكوت، فعالم الملك: ماتراه العين، تري شمسا، وقمرا ونجوما، وتري جبلا، وبحرا، السماوات والأرض وكل ما يدور بالحواس الخمس، أما عالم الملكوت فهو: أن تري ان لهذا الكون إلها عظيما بيده كل شيء، بيده ملكوت كل شيء، بيده النفع والضر، الموت والحياة، والله خلق الملائكة التي لانراها، فعالم الملك لايدرك بالحواس الخمس، والحكمة التي يرتكز عليها الهدف البلاغي هي قوله: جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته، ليعلمك جلاله قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكوناته. وأكد الباحث ان ابن عطاء الله السكندري يجمع في بلاغته بين الحديث عن الدنيا والآخرة، وعن أحوال الصوفي في الدارين ان بلاغة التواصل تقتضي هذا التشابك بين العالمين، بهدف ترغيب المتلقي في الاقتداء بالقوم، والسير علي نهجهم فمجهوداته تتمثل في الرمز، فإن للرمز معني ظاهريا، وآخر باطنيا، وغير مباشر فهو ليس حقيقة ظاهرة بل هو حجة وبرهان قائم بذاته علي المعاني الخفية.. ويبدو أن الرمز الصوفي أشمل من الرمز الأدبي، فهو متغير من صوفي إلي آخر ومن مرحلة الي اخري، ومن سياق إلي آخر، ناهيك عن ان درجة الألغاز فيه أعمق وأغور، وهذا ما يقتضيه الخطاب الصوفي، والهدف منه للصوفية ولغيرهم وهو صالح في كل زمان ومكان لذلك نلمح عنده غياب ضمير المتكلم (أنا) وتراه مهتما بضمير المخاطب (أنت). تمت مناقشة هذه الرسالة بشعبة اللغة العربية وآدابها بمعهد الدراسات الإسلامية بإشراف د. شعبان محمد كفافي (أستاذ البلاغة والنقد، وعميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ومناقشة كل من: د. نهلة صبري قطب الصعيدي (عميد كلية العلوم الإسلامية، جامعة الأزهر، د. عبدالرحمن فوده ، استاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وقامت هذه اللجنة بمنح الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز.