توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    فضيحة إسرائيلية: حملة تضليل ممولة لخداع الجمهور الأمريكي    تراوري يسجل الهدف الأول لمنتخب بوركينا فاسو في شباك الفراعنة    القيعي: أشفق على كولر بسبب الضغوط.. وأطالب اللاعبين بالتركيز    "هدية" تطلق خدماتها لقرابة ال 10 ملايين حاج ومعتمر وزائر    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    بظل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اقتحام واسع للمسجد الأقصى وطقوس ل"أمناء الهيكل"    الأربعاء ..الصحفيين توقع بروتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي    ارتفاع أسعار النفط وسط آمال خفض الفائدة الأمريكية في سبتمبر    نور الشربينى تواصل الدفاع عن اللقب وتتأهل لنصف نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    الأرصاد تكشف حالة الطقس أيام عيد الأضحى وتؤكد: الجمعة ذروة الموجة الحارة    عمرو دياب يُحيي حفل زفاف جميلة عوض وأحمد حافظ    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السفير عبد الرحمن صلاح آخر سفراء مصر في تركيا يكشف حقيقة»السلطان« المزعوم: ثورة 30 يونيو أصابت أردوغان بالجنون
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 04 - 2019


السفير عبد الرحمن صلاح خلال حواره مع »الأخبار«
عندما تجلس إلي السفير عبد الرحمن صلاح، تشعر أنك في حضرة مؤرخ، ولست في ضيافة دبلوماسي قدير، فهو يمتلك من دقة المعلومات والحرص علي توثيقها، بالإضافة إلي القدرة علي التحليل الموضوعي والعلمي، ما يجعلك تري الصورة كاملة، وتلم بأطراف ما يرويه من مختلف جوانبه..
وقد شاء القدر بالفعل أن يكون السفير عبد الرحمن صلاح شاهدا علي العديد من اللحظات التاريخية في عمر مصر، منذ أن التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1980، وعمل في سفارة مصر في واشنطن مرتين حيث اختص بالاتصال بالكونجرس الأمريكي، وصولا إلي معايشته لواحدة من أعقد صفحات العلاقات المصرية التركية قبل وبعد أحداث ما يسمي بالربيع العربي، فكان سفيرا لمصر في تركيا تحت قيادة أربعة رؤساء »الرئيس الأسبق حسني مبارك، المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، المعزول محمد مرسي، الرئيس المؤقت عدلي منصور»‬، وكان شاهدا في تلك الفترة علي رحلات »‬الحج» الإخوانية ل»‬السلطان» أردوغان، والذي كان يطمع عبر سيطرته علي مصر في أن يستعيد مجد »‬العثمانية» الغابر، كما أصابه الجنون عقب إطاحة المصريين بواليه »‬الإخواني» في ثورة 30 يونيو 2013.. في تلك الأجواء العاصفة، مارس السفير عبد الرحمن صلاح عمله، منحازا للمصالح المصرية العليا، ومدافعا بقوة عن إرادة شعبها، ويعد الآن بعد تقاعده من العمل الدبلوماسي أطروحة لنيل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية حول السياسة الخارجية المصرية إزاء تركيا وفلسطين خلال الربيع العربي من جامعة تشارلز في براج بجمهورية التشيك.. وعلي مدي ثلاث ساعات حاورت “الأخبار” السفير عبد الرحمن صلاح، حول سنوات عمله في تركيا سفيرا لمصر، وهي الرحلة الشائقة والشائكة التي حاول تسجيل بعض صفحاتها في كتابه “كنت سفيرا لدي السلطان” الذي أصدره مطلع العام الجاري.. وإلي تفاصيل الحوار.
المصريون قضوا علي »‬العثمانية الجديدة».. و»‬الإخوان» كانوا يحجون لإسطنبول
قيادات إخوانية حاولت تنظيم انقلاب في الإمارات ودول الخليج.. وحكومة مرسي تدخلت لإطلاق سراحهم
رموز 25 يناير من كل التيارات تنافسوا للحصول علي رضا الأتراك واستشاراتهم
أردوغان تعامل مع مصر باستعلاء خلال حكم »‬الإخوان».. وهكذا رددت علي تجاوزاته
العلاقات المصرية التركية كانت متميزة للغاية قبل 2011، لكن تغيرات كبيرة شابت تلك العلاقة بعد ما يسمي بالربيع العربي، وتحولت السياسة التركية تجاه مصر إلي سياسة أيديولوجية لخدمة »‬الإخوان».. لماذا هذا التحول؟
بالفعل حزب العدالة والتنمية التركي منذ توليه السلطة عام 2002 رفع شعار العلمانية والبراجماتية، وخلا برنامجهم السياسي من أي شعار ديني، واعتمد فقط علي ما يخدم الناس وعلاقاتهم الدولية، ونالوا بذلك البرنامج الأغلبية المطلقة، وبالفعل امتنعوا عن اللجوء لأي مظهر ديني حتي لو كان السماح بارتداء الحجاب للنساء في مؤسسات الدولة خوفا من اتهامهم بمخالفة مبادئ الدولة العلمانية، واستعان الحزب بكفاءات من خارج الإسلاميين.. لكن نقطة التحول جاءت داخليا بعد انتخابات 2011، وكانت تلك الانتخابات هي الثالثة علي التوالي التي يفوز بها الحزب منفردا بالسلطة، وأصيبت المعارضة بالكثير من الخسائر والصراعات الداخلية، وخارجيا انفجرت ثورات الربيع العربي، وكان متصدرو المشهد في تلك الثورات من مختلف التيارات وحتي غير الإسلامية تري في تركيا وحزب العدالة والتنمية المثل والقدوة، وكان يطلبون تنظيم رحلات إلي تركيا للاطلاع علي تجربتها.. والمفاجأة التي تدعو إلي الدهشة أن كثيرا من قيادات جماعة »‬الإخوان» ممن كانوا يترددون بانتظام علي تركيا كانوا يسرون لي أنهم لا يعتبرون أردوغان مثلهم الأعلي، بل كانوا يتحدثون بكل ثقة عن أنهم سيكونون المثل الذي يحاول أردوغان الاقتداء به!!
وهل صحيح أن القيادة التركية في ذلك الوقت نصحت »‬الإخوان» بعدم الاستئثار بالسلطة، وضرورة إشراك التيارات المدنية، ولم يستمع »‬الإخوان» للنصيحة؟
الحقيقة أن الذي قدم تلك النصيحة لجماعة »‬الإخوان» لم يكن أردوغان، وإنما كان الرئيس التركي عبد الله جول، وقد قدم الرجل تلك النصيحة مرارا وتكرارا وألّح عليها، فقد كان جول هو المؤسس الحقيقي لتجربة حزب العدالة والتنمية، لأن أردوغان في فترة تأسيس الحزب كان مسجونا منذ عام 1998 بتهمة الإساءة لعلمانية الدولة، وكان جول بالفعل يمثل صوت العقل في الحزب وفي الدولة التركية، ويحظي باحترام كبير في مصر في كل الأزمات، وكان بابه مفتوحا لي تقديرا لمصر ودورها، لكن للأسف لم يستمعوا للنصيحة، وكان صوت أردوغان هو الأقوي فهو الصوت الأيديولوجي، الراغب في استعادة الامبراطورية العثمانية، وكان الوضع الإقليمي والدولي بعد الربيع العربي مواتيا لتحقيق ذلك الحلم، فبعض قيادات الثورات العربية حتي من غير الإسلاميين يطالبون أردوغان بإعادة الباب العالي، والدول الغربية تتعامل معه باعتباره اللاعب الرئيسي في مصر وسوريا وليبيا وتونس، لكل ذلك أعتقد أن أردوغان أصيب في تلك الفترة بنوع من الاختلال النفسي، الذي جعله يشعر بأنه يقترب من حلمه ليصبح سلطانا، وكنا في تلك الفترة نستقبل عشرات الوفود المصرية التي تتردد علي أنقرة واسطنبول فيما يشبه بالفعل “الحج” للسلطان الجديد، ومن هنا جاء اختياري لعنوان كتابي عن تلك الفترة “كنت سفيرا لدي السلطان”.. والحقيقة أن التجربة التركية نفسها بدأت في التحول في تلك الفترة، فبدأ أردوغان يكشف عن وجهه الحقيقي، ويتحايل علي القيم العلمانية للدولة التركية، ويبالغ في إرضاء قاعدته من الأتراك الأناضوليين وهؤلاء من الإسلاميين، مستغلا تمكنه من مفاصل الدولة، وتنامي الاقتصاد وتحوله من دولة علي حافة الإفلاس إلي الاقتصاد السابع عشر في العالم، وكل ذلك بدعم وتمويل غربي، واستغل أحداث الربيع العربي ليزيد نفوذه في أوروبا فأصبح هو من يدير الدول العربية، وأهمها وأكبرها بالطبع مصر، فصار هو المتحكم والمسيطر عليها في زمن »‬الإخوان».
فترة حكم »‬الإخوان»
وكيف عايشت فترة حكم »‬الإخوان» وعلاقتهم بتركيا خلال فترة عملك الدبلوماسي؟
هناك الكثير والكثير من التفاصيل في هذا الشأن والتي رصدتها بشكل دقيق وموثق في كتابي”كنت سفيرا لدي السلطان”، لكن المؤكد أن أعضاء الجماعة ووزراءها كانوا لا يتمتعون بالخبرة السياسية الكافية، كما كان بعضهم لا يبدي اهتماما كافيا بالأعراف الدبلوماسية، فعصام الحداد مستشار الرئيس مرسي وقتها مثلا أصر علي الاجتماع مع الأتراك دون حضور أو حتي استقبال طاقم السفارة له، ولم يتردد عندما أبديت تعليقا حول الأمر في القول “أننا جميعا فلول” في إشارة إلي الجهاز الدبلوماسي، كما كان الأتراك يتعاملون دون التزام أيضا بالقواعد المرعية في هذا الشأن خلال حكم »‬الإخوان»، فقد كانوا ينظرون إلي الجماعة علي أنها تابع لهم، وهناك العديد من التفاصيل حول التجاوزات التي قام بها حرس أردوغان خلال زيارته لمصر، والتي وصلت حتي إلي الوزراء المصريين وكانت مثار استهجان ورفض منهم.. وحدثت بالفعل أزمة مع السفيرة فايزة أبو النجا داخل مقر مجلس الوزراء، ودخلت الوزيرة إلي مقر الاجتماع في قمة غضبها تطلب من أردوغان اعتذارا مباشرا عن تجاوزات أفراد حراسته، بل وصل الأمر إلي حد أن هؤلاء الحرس حملوا رئيس الوزراء في حكومة »‬الإخوان» هشام قنديل من ذراعيه ودفعاه خارج أحد حمامات قصر الرئاسة بالاتحادية لمنعه من دخول الحمام الذي كان يوجد به أردوغان، بل إن أردوغان في ختام تلك الزيارة في نوفمبر 2012 طلب من حكومة »‬الإخوان» أن تخصص أرضا كبيرة علي النيل لإقامة سفارة تليق بمكانة تركيا، لتكون علي قدم مساواة مع السفارة والقنصلية المصرية في أنقرة واسطنبول، واللتان تعدان من أجمل المباني في تركيا، مستشهدا بما فعلته الصومال عندما أهدت تركيا20 فدانا لتقيم عليها سفارة، وكان وزير الشباب الإخواني أسامة ياسين حاضرا، ولم يفهم مغزي الإهانة الأردوغانية، التي لا تري في مصر والصومال سوي ولايتين في امبراطوريته العثمانية، وتوليت الرد بتوضيح أن مصر ليست كالصومال وأن مبانيها الدبلوماسية في تركيا لم تكن منحة من أحد وإنما هي ممتلكات مصرية تاريخية، وأن الحكومة المصرية يسعدها أن تقدم كل التسهيلات لبناء مبني جديد للسفارة التركية، عندما تشتري تركيا أرضا مناسبة.
والحقيقة أن علاقات »‬الإخوان» بتركيا تعود إلي ما قبل 2011، فعلي سبيل المثال كان بعض أعضاء مجلس الشعب المصري علي متن السفينة “مرمرة الزرقاء” التي حاولت الدخول إلي غزة عام 2010، وتم القبض عليهم وكان من بينهم سعد الكتاتني، ورغم انتمائهم للإخوان وعدم حصولهم علي تصريح بالمشاركة، إلا أن الرئاسة المصرية وقتها تدخلت للإفراج عنهم فورا، واستجابت إسرائيل.
وكيف تغيرت المعاملة التركية معكم كسفير لمصر بعد ثورة 30 يونيو 2013؟
بالتأكيد تغيرت المعاملة بشدة، فكانت هناك العديد من التظاهرات ضد مصر، ونالت السفارة نصيبا وافرا منها، وحتي المعاملة الرسمية اختلفت، فعلي سبيل المثال كانت الساحة تمتلئ بالبيانات السياسية الحادة ضد مصر، وكنا في تلك الفترة في شهر رمضان وكنا ندعي لحفلات إفطار كانت تلقي بها كلمات ضد مصر، إلي أن جاء إفطار حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقد التقيت قبله بيومين بمستشار أردوغان للتعاون الدولي، وهو وزير الخارجية حاليا “مولود شاوش أوغلو”، وكنت متأكدا أن أردوغان سيستغل الحفل للهجوم علي مصر، فحاولت قبله التوصل إلي اتفاق بأن تدير البلدان خلافاتهما بهدوء وبعيدا عن الصخب الإعلامي، لكن اللقاء مع شاوش أوغلو تحول إلي مواجهة عنيفة للغاية، فقد حاول الرجل الهجوم علي مصر فقمت بالرد بكل قوة، وهذا مجرد مثال علي تغير المعاملة من الود والاحترام الكبير في العلاقات الثنائية إلي الصدام والمواجهة والتوتر.
تحول هائل
أي متابع للسياسة التركية حاليا يندهش من ذلك التحول الهائل من دولة ترفع شعار العلمانية والدولة المدنية إلي دولة تساند تنظيمات إرهابية وتؤوي متطرفين، ومن دولة تعلن تبنيها لسياسة »‬صفر مشاكل» مع جيرانها، إلي طرف متورط في كل صراعات المنطقة.. كيف نفهم ذلك التحول؟
الحقيقة أن ذك التحول بالفعل أمر مثير للدهشة، فالمعارضة التركية غالبا ما كانت تؤكد في كل لقاءاتي معها أن سياسات أردوغان وشعاراته ليست سوي مرحلة من أجل التمكن، وأن حكمه سيتحول إلي حكم ديني وديكتاتوري مطلق، وبالفعل بدأ هذا التحول داخليا وخارجيا منذ 2011، فحتي علي المستوي الداخلي، بدأ أردوغان في التدخل بشكل سافر في القضاء وفي تعيين قيادات الجيش، وفي عزل من يحاول الكشف عن مخططاته، فمثلا عزل قضاء ووكلاء نيابة وهم يحققون في قضية تقديم مساعدات ودعم استخباراتي لتنظيمات إرهابية في سوريا، والحقيقة أن هناك عدة دوافع وراء ذلك التحول، منها ما هو شخصي، حيث يسعي أردوغان للبقاء في الحكم حتي عام 2023، وهو عام الاحتفال بمرور مائة عام علي تأسيس الجمهورية التركية، وبالتالي يبدأ بعدها الجمهورية التركية الثانية وهو علي رأس السلطة، وبالتالي هو يبالغ في إرضاء قاعدته الكبيرة من الإسلاميين الأناضوليين، ومن أجل ذلك يستخدم ورقة دعم »‬الإخوان» في مصر وفي تونس وفي أي مكان، بل والمبالغة في تعقب قضية جمال خاشقجي، خاصة في ظل تراجع شعبيته، وخروج العديد من التظاهرات ضد سياساته، وفي مقدمتها مظاهرات حديقة غازي، لذلك فإن الحفاظ علي تأييد الإسلاميين هو ملاذه الأخير، أما فشل سياسة »‬صفر مشاكل» فجزء منه بالطبع تتحمله سياسات أردوغان، ولكن حتي نكون منصفين فإن جزءا آخر مرتبط بانفجار الأوضاع في الشرق الأوسط بعد الثورات العربية، وأهمها علي الإطلاق ما حدث في مصر، وهو ما لم يستطع أردوغان نسيانه.
وهناك بعد آخر، ربما لا يتعلق بمصر وحدها، وإنما بتحولات السياسة التركية نفسها، فقد كان أردوغان قبل 2011 يستعين بالكفاءات، حتي تلك التي لا تنتمي لحزبه مثل علي بابا جان وكمال درويش وغيرهما، لكن بعد 2011 تغير ذلك النهج وصار يستعين بأقاربه وأنصاره، كما استبعد الرعيل الأول من مؤسسي الحزب ومنهم عبد الله جول وهو ما انعكس علي السياسة التركية تجاه مصر وتجاه المنطقة كلها، بل وعلي أداء الاقتصاد التركي الذي كان الإنجاز الأهم لإدارة أردوغان.
هذه مسألة جديرة بالاهتمام، فجميع ثورات المنطقة لم تحظ بذلك الاهتمام التركي، مثلما حدث مع الأوضاع في مصر، فلماذا ذلك التشنج الأردوغاني تجاه مصر، خاصة بعد 30 يونيو 2013؟
الإجابة ببساطة لأن مصر أفشلت مشروعه السلطاني العثماني للهيمنة علي المنطقة، فهو لا يستطيع نسيان أن التحول في مصر حطم مشروعه الكبير، فمنذ 2013 لم يكن التحول مقصورا علي مصر، بل خسرت تركيا كثيرا من نفوذها في ليبيا، ورغم كل التمويل القطري والدعم التركي والأوروبي أحيانا للجماعات المسلحة هناك، لم يستطع استعادة السيطرة علي ليبيا كما كان في السابق، في تونس أيضا لم تعد حركة النهضة حليفه الأساسي بتلك القوة التي كانت عليها، في سوريا أيضا بدأ النظام يستعيد قوته وسيطرته الميدانية، وبدأت الأوضاع تتجه في غير صالح الجماعات المدعومة تركيا.
والأهم والأخطر أن المخطط التركي للهيمنة كان سيمتد إلي دول الخليج، وثابت بالوثائق أنه كانت هناك محاولات لقلب نظام الحكم في الإمارات، بمشاركة قيادات من جماعة »‬الإخوان» المصرية، وكان ذلك في آخر شهرين من مهمتي في تركيا، وقامت السلطات الإماراتية بضبط خلية إخوانية متحالفة مع “إخوان” إماراتيين، وقد سعت حكومة الإخوان في مصر في تلك الفترة للإفراج عن عناصر الجماعة المضبوطين في الإمارات، لذلك فإن تأثير ثورة 30 يونيو الأهم كان هو وقف التمدد الإخواني والأردوغاني في المنطقة والسيطرة علي كل دولها.
العلاقات الاقتصادية
هل ذلك يفسر استمرار العلاقات الاقتصادية وعمل الكثير من رجال الأعمال الأتراك في مصر، رغم التوتر السياسي؟
هذا جانب مهم، فهناك أكثر من 200 مؤسسة أعمال تركية لا تزال تعمل في مصر باستثمارات كبيرة وناجحة، ويجب أن ندرك أن الأتراك لا ينظرون إلي مصر فقط ككتلة سياسية مهمة، ولكن أيضا يعتبرونها سوقا ضخمة ينبغي أن يتواجدوا فيها بقوة، لأنها مليئة بالفرص الواعدة اقتصاديا، فالمجتمع المصري مجتمع شاب والأيدي العاملة والطاقة أرخص منها في تركيا، كما أن مصر ترتبط باتفاقيات تجارة مع أوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة تمنح منتجاتها تيسيرات لدخول تلك الأسواق، وبالتالي يحاول الأتراك الاستفادة من كل تلك الفرص لصالحهم، حتي رغم التوتر السياسي.
ولكن تركيا في المقابل تستضيف الكثير من المطلوبين جنائيا في مصر، وتحولت أراضيها لمنصة تحريض ضد مصر.. كيف يؤثر ذلك علي إمكانية عودة العلاقات؟
لا توجد اتفاقية تسليم مجرمين بين مصر وتركيا، ولكن يوجد اتفاق تعاون قضائي، نستخدمه دائما لإمدادنا بمعلومات ومساعدتنا بتنفيذ أحكام، كما نخطر السلطات التركية بالأحكام التي تصدر ضد من يؤونهم ليعلم أنه يؤوي مجرمين صادرة بحقهم أحكام نهائية،وهذا في الشق القضائي، أما في الشق السياسي وأنا هنا أتحدث من خلال وجهة نظر شخصية، وأري انه لا بد - كما فعلنا مع الكثير من الدول الأوروبية- أن نقدم أدلة كافية وموثقة عن كل ما يقوم به هؤلاء من تحريض ضد الدولة المصرية ومحاولة إشعال الاضطرابات والعنف بها، إضافة إلي استخدام الضغوط الدولية المتاحة علي تركيا التي تؤوي مجرمين هاربين، ويمكن لدول قريبة من الطرفين أن تقوم بجهد في هذا الشأن، تماما كما فعلت مصر في الوساطة ووقف اندلاع حرب بين تركيا وسوريا في التسعينيات، فالتحريض علي العنف لا يقل خطرا عن توريد الأسلحة لإشعال الصراعات داخل الدول، وهذا مجرم دوليا، وقد بدأت مصر تتحرك للتصدي لهذا النهج الذي يمول ويؤوي ويدعم المحرضين.
شعارات كاذبة
وكيف نفهم أيضا التناقض في مواقف أردوغان بشأن فلسطين، فبينما يردد دوما شعارات دعم الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة، نجد تعاونه مع إسرائيل علي أشده اقتصاديا واقتصاديا، وحجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب يتضاعف عدة مرات في عهده؟
الحقيقة أن ذلك بالفعل وجه آخر من وجوه الازدواجية والتناقض التركي، ويجب أن ندرك أن خطاب أردوغان الحماسي تجاه فلسطين ودعم حقوق شعبها أكسبه شعبية طاغية في المنطقة العربية، ومثلا الحركة المسرحية التي قام خلالها بانسحابه من جلسة منتدي ديفوس بحضور الرئيس الإسرائيلي وقتها شيمون بيريز، حازت إعجاب الشعوب العربية، رغم أنها حركة مسرحية بلا قيمة، في وقت تتضاعف معاملات تركيا مع إسرائيل اقتصاديا، بل وعسكريا، فتجارة الأسلحة بين البلدين تضاعفت عدة مرات في عهد أردوغان، بل إن علاقة أردوغان بإسرائيل أكسبته قوة لدي الدول الغربية، وصار هو أحيانا الوسيط بين إسرائيل وبين بعض الدول العربية ومنها سوريا علي سبيل المثال، فقد أخبرني أحمد داود أوغلو شخصيا أنه كاد أن يتوصل إلي صيغة اتفاق سلام دائم بين الإسرائيليين والسوريين عام 2009، وأن وصول نتانياهو إلي الحكم أجهض تلك المساعي، ورغم شكي في صحة تلك الرواية، لكن ذلك يكشف حجم التعاون بين تركيا وإسرائيل.
وهل تتوقع أن يستمر ذلك المشروع التركي المليء بالتناقضات، رغم تحولات الظروف الإقليمية والدولية؟
الشيء الغريب حقا أن الإدارة التركية، ورغم ما كانت تتمتع به من براجماتية وقدرة علي إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية بفاعلية، باتت تصر علي استمرار نهجها رغم التحولات العميقة في الظروف الإقليمية والدولية، فما كان يسميه أردوغان مقاومة عراقية وسورية تحول إلي »‬داعش» وأدرك العالم الغربي الذي كان يدعم أردوغان خطر تلك التنظيمات التي تساندها وتدعمها تركيا، وبدأت الولايات المتحدة وأوروبا حربا علي التنظيم انتهت بهزيمته، كما غيرت الولايات المتحدة من سياساتها الداعمة للتغيير بالقوة في دول الشرق الأوسط، وبات هدفها الأهم ليس تغيير الأنظمة وإنما محاربة الإرهاب، وبالتالي فقدت تركيا ورقة مهمة كانت تستخدمها، والمشكلة أن أردوغان الذي يحيط نفسه بمجموعة من الأيديولوجيين الذين يوافقونه الرأي وبسبب تخليه عن الكفاءات السياسية، يصر علي اتباع سياسات ربما تجره بالاصطدام مع المتغيرات الدولية في المنطقة والعالم، وبقوي كبري مثل روسيا صار لها نفوذ علي الأرض، وبالتالي هناك حقائق جديدة علي الأرض يحتاج أردوغان إلي إدركها.. لكن في الوقت ذاته لابد أن ندرك أن ذلك المشروع الأردوغاني يعتمد علي تأييد 51٪ من الشعب التركي له من خلال انتخابات ديمقراطية، فضلا عن تحالفه مع حزب القوميين الأتراك، وهذا يمنحه استمرارا في السلطة حتي2023 علي الأقل، لكن هناك مؤشرات مهمة في الفترة المقبلة ستكون دليلا علي شعبية أردوغان ومنها الانتخابات المحلية.
مصر وأمريكا
وإذا ابتعدنا قليلا عن تركيا، فإن لكم تجربة دبلوماسية حافلة في العمل بالسفارة المصرية في الولايات المتحدة، كيف تنظر اليوم إلي سياسات واشنطن تجاه المنطقة العربية، خاصة في ظل الكثير من القرارات الصادمة من جانب إدارة ترامب؟
بالفعل أنا خدمت لمدة تقرب من 21 عاما في أعمال دبلوماسية متعددة في الولايات المتحدة، وأستطيع القول إن الولايات المتحدة اليوم تدرك أنها لم تعد القوة العالمية الوحيدة علي الساحة، ولم تعد لهم نفس القوة التي امتلكوها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، فالآن روسيا عادت لتمثل قطبا سياسيا وعسكريا مهما وفاعلا، والصين كذلك تبرز كقطب اقتصادي عالمي، وقوة إقليمية عسكرية ضخمة في إقليمها، حتي أوروبا نفسها تغيرت، وتوسعت شرقا، بينما فقدت دول أوروبا الغربية التماسك بسبب الهجرة التي قسمت الصف الأوروبي بشدة، وتتصاعد مخاطر تلك الهجرات اجتماعيا.
وكيف تنظر إلي التعامل مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل تعقيدات المشهد والقرارات المتصارعة والمرتبكة أحيانا في صناعة السياسة الامريكية المعقدة ؟
علاقتنا بالولايات المتحدة ينبغي ألا تقتصر علي الإدارة، رغم أهمية دور الإدارة في صناعة السياسة الأمريكية، فهناك مؤسستان كبيرتان يجب أن نهتم بهما ونقيم معهما علاقات فعالة، وهما مؤسسة الكونجرس، ومؤسسة الإعلام ومركز الفكر والبحث، فالسياسة الأمريكية تتبع ما يسمي بسياسة “الأبواب الدوارة”، أي أن من يخرج من منصبه في الإدارة يتجه إما إلي الكونجرس أو إلي مراكز الفكر والبحث، ثم يعود إلي الإدارة في فترة لاحقة، ويجب ألا يكون الاهتمام مقصورا فقط علي القيادات، ولكن ينبغي أن يكون هناك استثمار حقيقي في بناء علاقات فعالة مع أعضاء وباحثي وموظفي اللجان ومساعدي النواب في اللجان الرئيسية مثل العلاقات الخارجية والمالية والقوات المسلحة، ومن المهم دعوة هؤلاء لزيارة مصر وربطهم نفسيا بها من خلال تنظيم زيارات منتظمة لهم، ولقاء كبار المسئولين المصريين والاستماع لرؤيتهم، ويجب أن ندرب دبلوماسيينا علي تنشيط تلك العلاقات، وأذكر هنا بالفضل للسفير عبد الرءوف الريدي الذي أسس لهذا النهج خلال عمله سفيرا بالولايات المتحدة، كما يجب علي إعلامنا وأجهزتنا الإعلامية أن تلتزم بالصدق في التعامل مع الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.