قد لا يأخذ البعض هذا النهي مأخذ الجد. قد يعتقد أنه من السهل قول ذلك بينما الصعب كل الصعب تنفيذ ذلك. أعلم أن الخوف شعور طبيعي لدي الإنسان. والخوف نوعان ، أحدهما حقيقي والآخر خيالي. الخوف الحقيقي له ملايين الأمثلة ، فالإنسان له كل الحق أن يخاف من سيارة ضخمة تتجه مسرعة نحوه ويتوقع أن تصدمه ، كما أن الإنسان له الحق في الخوف من الثعابين والعقارب فهي تلدغ وتبث سموما في جسده ويمكن أن يموت بسبب لدغتها وبالتالي فالخوف الحقيقي إحساس وقائي ينتج عن شعورنا بالخطر. أما الخوف الخيالي فواضح من اسمه ، من نسج الخيال ويتعلق بما قد يحدث من أمور لا نريد وقوعها في المستقبل. يحدث هذا النوع من الخوف بدون أن نكون كاملي الإدراك له. مما يزيد الخوف في حياتنا ، الفقر والهموم والإجهاد وغلاء الأسعار وضغوط الرؤساء في العمل والتهديد المرتبط بالمستقبل. كل هذه الأسباب وغيرها تؤدي إلي هبوط مستوي مقاومة الإنسان ويتسلل إليه الخوف ويصير مرضا ينمو داخله ويصعب بعد ذلك التخلص منه. والخوف لا يفرق بين إنسان وآخر ، فقد نجد رجالا من أصحاب المناصب الكبيرة الذين يمكنهم بجرة قلم أن يغيروا من مصائر الناس يخافون إذا شعروا أن مناصبهم قد تزول عنهم. وربما لا يكون لخوفهم أساس ، لكن مجرد تسرب هذا الاعتقاد إليهم يجعلهم مؤرقي البال ويسعون حثيثا محاولين تفادي تلك المصيبة التي ستحرمهم من مزايا المنصب. هذا الخوف لا يحول دون تنفيذ ما قدره الله ، لكن الخائف في تلك اللحظات ينسي الله وينسي كل معتقداته بالقدر والنصيب ويتذكر فقط أن شخصا آخر قد يطيح به لو لم ينفذ تعليماته. ويصل الأمر بالخائف إلي الإصابة بالملانخوليا وهو ما يجعله يشك في كل ما حوله ومن حوله ، فإذا رأي شخصا يتكلم في التليفون فهو يعتقد أن يبلغ عنه الجهات العليا وإذا سمع أصوات أقدام حول مكتبه اعتقد أن هناك من يتنصت عليه لكي يسلمه للمتربصين به ، ولو شاهد مرءوسه الأقرب يضحك ، اعتقد أن هذا المرءوس باعه وسيحل محله في منصبه. وربما يكون المصابون بالملانخوليا حولنا في كل مكان بدون أن ندقق في مرضهم أو نهتم بهم كثيرا ، فالظاهرة إذا انتشرت ، لم تلفت الانتباه علي اعتبار أن الجميع في نفس الوضع ، فلو سارت فتاة بالمايوه في شوارع وسط المدينة لأحدثت مظاهرة بينما لو سارت عشرات منهن علي أي شاطئ لما التفت إليهن أحد. في المجتمعات التي تقل فيها فرص الترقي يتزلف البعض للرؤساء لكي يقفزوا إلي مكانة أفضل توفر لهم مستوي حياة أكثر أمانا وهم في سبيلهم لتحقيق ذلك يطأون قيما كثيرة ويتجاوزون عن مبادئ يفترض أن يتحلوا بها. في طريقهم هذا ينسون كما ذكرت من قبل أن الله قدر لكل منا طريقه وفي نفس الوقت هم يخافون من الإنسان الذي يعتقدون أنه يملك قدرهم فيمجدونه مع أنه قد لا يكون أفضل منهم والمؤكد أنه يستمد قوته من ضعفهم ، فلا قوة له إلا ما أعطوه إياها ، وهم بخوفهم هذا يسلمون بإرادتهم كل ما يملكونه. أعلم أن نشأة الكثيرين في بيئة فقيرة وتعرضهم لمصاعب الحياة قد يجعلهم فريسة سهلة يمكن السيطرة عليها ، فهم لا يملكون المقاومة ويكون الحل الوحيد أمامهم الانصياع والاستخزاء لمن يعتقدون أن مصيرهم بيده ، يملك تحديد مستقبلهم ويتحكم في المنح والمنع. أقول لأخي الإنسان ، لا تخف ، ولا تستسلم لغيرك ، واعلم أن قلة هي التي تنظم الأمور لحسابها ، وأن هذه القلة حريصة علي أن تستمر خائفا فهذا يحقق أهدافها ومصالحها وهي بتخويفك تحطم قوي المقاومة في نفسك وتصهر شخصيتك في بوتقة القطيع الذي يساق مستسلما غير مدرك مصيره. عليك ألا تخاف وألا تكون العبد المأمور الذي يتقبل عبوديته بدون أن يشعر بالذل والمهانة.