الشراء بالتجربة دون وصفة طبيب والبائع ممارس بالخبرة 10 جنيهات للمستعمل و15 بالأسواق الشعبية وتصل إلي 160 علي الإنترنت »منتجات طبية».. جملة كثيرا ما تُلقي علي مسامعنا حتي تقذف في أذهاننا صورة العقاقير الطبية المتنوعة ما بين الكبسولات والشراب والقطرات والحقن، تلك الأنواع الممنوع تداولها بدون وصفة طبيب وفقاً للقانون، لكننا لم نتخيل أن تكون »النظارات» ضمن تلك المنتجات، ومنها »نظارات القراءة » والتي تعد العامل المساعد الأول لغالبية المواطنين الكبار والشباب ممن يعانون من ضعف البصر ، وبطبيعة الحال البشرية فكافة الأعضاء تصاب بالعجز بعد سن الأربعين والعين تأتي ضمن تلك الأعضاء، ومن أشهر ما تصاب به ما يسمي بطول النظر الشيخوخي فيشعر الإنسان أنه غير قادر علي القراءة من قرب، فيتوجه للطبيب ليصف له نظارة قراءة بمقاسات محددة خاصة بكل حالة، إلا أنه خلال الآونة الأخيرة دخلت المنتجات الصينية إلي مجال نظارات القراءة، لتباع دون وصفة طبيب ودون التأكد من مناسبتها لعين المريض، ليدخل في دائرة مفرغة مع الأطباء لمحاولة إصلاح ما أفسدته تلك المنتجات... وخلال هذا التحقيق ترصد »الأخبار» فوضي تداول » نظارات القراءة » ما بين الأرصفة والمحال والصيدليات وحتي صفحات الإنترنت وتفتح نقاشاً حول مخاطرها. البداية كانت من قلب القاهرة وتحديدا من ميدان العتبة، حيث أقدم محال وورش النظارات الطبية، توجهنا إلي ممر بناصية شارع عبد العزيز لطلب شراء إحدي تلك النظارات، وما إن طلبنا من البائع نظارة طبية حتي سأل عن الفئة العمرية لصاحب النظارة، فأخبرناه أنها سيدة في العمر الخمسين تعاني من عدم القدرة علي القراءة من المصحف إلا من بعد، فأخرج لنا نظارة قائلاً »دي مقاسها واحد ونص هتبقي كويسة جدا معاها تقرا منها من المصحف أو الكتب وهتدعيلي». 20 سنة خبرة تعجبنا من إجابته وبادرنا بسؤاله حول مدي ملاءمة ذلك المقاس لحالتنا الطبية، وما إذا لم يكن ذلك المقاس هو الصحيح، فبادر قائلاً: »يا أستاذة طالما خمسين سنة يبقي مقاس واحد ونص وبعدين إحنا خبرة بقالنا في المجال دا أكتر من 20 سنة، ولو النظارة مش مظبوطة أو مشوشة تعالي أغيرهالك بمقاس أقل..بس خليكي واثقة فيا هتبقي مظبوطة وهتوضح القراية للحاجة». استمررنا في الحديث معه وسألناه عن السبب وراء عدم طلبه ل»مقاسات العدسات الطبية» فأجاب : »محدش دلوقتي بقي بيروح للدكتور إلا نادر أوي، لأن التكلفة بقت أغلي من النظارات الجاهزة، وعشان تكشفي وتشتري شامبر وتركبي عدسات النظارة ممكن تكلفك 250 جنيه، لكن الجاهزة دي ب 15 جنيه ومقاساتها كلها متوفرة، وفيه عدسات الزيادة فيها بالنص، وعدسات الزياة فيها بالربع كله موجود». الصيني يكسب علي بعد عدة أمتار من ذلك البائع تحدثنا مع الحاج رجب عثمان، واحد من أصحاب أقدم محال النظارات بتلك المنطقة، فأكد أن نظارات القراءة لا تختلف عن النظارات الطبية، فالأصل في صناعتها وتقديمها للزبون هو »كارت المقاسات » الذي يكتبه الطبيب خاصة أن به خانات خاصة بالاستجماتيزم والتي لا بد من مراعاتها في عدد كبير من أنواع نظارات القراءة. ومن جانبه أشار ولده عمرو رجب إلي أن المقاسات الجاهزة من تلك النظارات كانت تصنعها شركة مصرية قديماً وتوفرها في كافة المحال لصرفها للزبون بعد معرفة القياس الصحيح من الطبيب وتبدأ من مقاس واحد وتزيد بقيمة الربع أو النصف علي حسب احتياج كل مريض، لكن مع توقف الشركة المصرية عن التصنيع، غزت الأسواق المنتجات الصينية ووجدها الزبون بسعر رخيص جدا فأصبح يأتي للمحل ويجرب عدة قياسات علي عينيه، ويشتري ما يريحه بأرخص ثمن دون الكشف أو معرفة المقاس الصحيح. ويضيف أن هناك زبائن تعود مرة أخري بعد عدة أيام وتشتكي من »زغللة» بالعين مبررة أن مقاس النظارة غير مناسب فيتم استبدالها بأخري تناسبه، موضحاً أنه لا يمكن إجبار الزبون علي الكشف عند الطبيب أولاً فكل زبون أدري بمصلحته. بعد مغادرة العتبة تجولنا في محيط وسط البلد فرصدنا عددا من الباعة يفترشون الرصيف بعدد من نظارات القراءة »المستعملة» اقتربنا من أحدهم لنشتري منه واحدة فأخبرنا بأنها بعشرة جنيهات، وبرر لنا انخفاض ثمنها قائلاً »دي نظارات مستعملة وكل زبون بيجرب علي عينه الأول البضاعة والمريحة ليه بيشتريها»، أما عند سؤاله عن مقاساتها فرد قائلاً : »لأ دي أنا مفهمش فيها هو بس الواحد يلبسها ويبص في أي جورنان ولا كتاب ولما الكلام يبقي واضح بيعرف أنها مناسبة ليه». وعن مصدر تلك النظارات أجاب »م.أ» عامل بأحد المستشفيات الخاصة أنه يحصل عليها من تاجر يبيعه الواحدة ب8 جنيهات فقط، وأحيانا ب7 ونصف، ثم يعيد هو بيعها للزبون بعشرة جنيهات، لكنه لم يسأل عن مصدرها من قبل، موضحا أن أي رزق إضافي له ولأسرته يعمل به دون سؤال قائلاً : »طالما حلال فمفيش مانع». مستورد نظيف علي الجانب الآخر دخلت الصيدليات مجال بيع تلك النظارات لكنها بأسعار مضاعفة للأسواق العشوائية، فيترواح سعر النظارة من 75 جنيهاً إلي 160 وكل ذلك دون استشارة طبيب، ومن إحدي سلاسل الصيدليات بمنطقة الدقي طلبنا من الصيدلي المسئول نظارة قراءة لرجل في الستين من العمر، فبادر اولاً بالسؤال عما إذا كان هناك كارت للمقاسات، فأجبناه بالنفي، فبدأ في سرد عدة أسئلة حول أعراض ضعف النظر، وهل عدم وضوح القراءة خاص بالمواد المقروءة ورقياً فقط أم من امام الأجهزة أيضاً، فأجبناه بما تبادر إلي ذهننا في لحظتها، فأخرج لنا نظارة موضحاً أنها مقاس 3 وستناسب الحالة الخاصة بنا. وعند السؤال عن سعرها اكشفنا أنها ب 120 جنيهاً، وأكد لنا الصيدلي أنها مستوردة لكنها خامة نظيفة جدا مختلفة عن الأسواق الأخري، وبعد مناقشة قصيرة أكد أنها صيني لكنها فرز أول والعدسات الخاصة بها »بلاستيك» وخفيفة علي العين عكس العدسات الزجاج المنتشرة بالأسواق. وأخيراً سألناه ما إن كانت تلك النظارة لها أي آثار سلبية علي عين الحالة، أجاب أنه لا خطورة منها لكن عليه استخدامها عند القراءة فقط، ونصحنا أن تأتي الحالة بنفسها لقياس النظارات حتي يتأكد من ملائمة المقاس لعينيه. سوق الإنترنت أثناء إجراء التحقيق بادر علي ذهننا البحث عن تلك النظارات علي صفحات الإنترنت لربما نجد مصادر أخري لبيعها، وما أن بحثنا حتي وجدنا مئات الصفحات والحسابات الشخصية والمجموعات الخاصة لبيع نظارات القراءة، وتتراوح أسعارها ما بين 15 جنيهاً إلي 80 جنيها في أغلي الصفحات، ويوفر العديد منها التوصيل للمنازل. اختلف الأمرعلي صفحات الإنترنت قليلاً فزبونها يكون معتادا علي النظارات وعلي علم بقياسها مسبقاً، وما عليه سوي كتابة المقاس لصاحب الصفحة أو الإعلان، ويتم فوراً إرسالها له، ولعل ذلك يبدو منطقياً فبمعرفة المقاس يمكن أن يحل الأمر، إلا أن دراسات العيون تشير إلي أن قياس العين يختلف من مدة زمنية لأخري، ويتطلب التردد علي طبيب العيون كل 6 أشهر، وتقل المسافة في حالة كبار السن. بالرغم من التحذيرات من شراء نظارات القراءة الجاهزة والتي عكف أطباء متخصصون ومتطوعون علي كتابتها علي صفحات الانترنت وفي المنصات الطبية المتخصصة، إلا أن ذلك لم يثن العديد من الأهالي عن شرائها فيؤكد نظيف كريم، موظف، أنه اعتاد شراء هذه النظارات من ميدان العتبة منذ أكثر من عشر سنوات، وخلال السنوات الأولي لم يجد اي مشكلة في ارتدائها، لكن بعد 4 سنوات بدأ الصداع المزمن يصيبه مع تشوش في الرؤية أثناء العمل علي الأوراق، فبادر للكشف عند طبيب رمد ليبلغه أن قياس نظارة القراءة الخاصة به خاطئ ولا يناسبه، وأنها السبب في ازدواجية الرؤية عنده والصداع المتواصل، وكتب له علي مقاس جديد مناسب محذراً إياه من تكرار الأمر تفاديا من الوقوع في مخاطر أكبر ربما تحتاج لتدخل جراحي. ويضيف نظيف: » بقالي 6 سنين كل ما النظارة تتكسر أو تضيع او تتسرق حتي في الشغل، بنزل أطلب نظارة بالكارت من أي محل نظارات، والحمد لله من ساعتها مفيش إلا الصداع العادي أحيانا لكن دا مخلنيش أرجع اكشف تاني». ازدواجية النظر علي الجانب الآخر تواصلنا مع عدد من خباء الرمد لاكتشاف أضرار تلك النظارات فيقول د. محمد الباز، استشاري رمد، إن تداول بيع نظارات القراءة بالأسواق وغيرها من منافذ البيع بدون كشف طبي، أمر في غاية الخطورة انتشر بالآونة الاخيرة، فهي تسبب أضرارا كبيرة علي العين أولها وأبسطها صداع شديد بشكل مزمن نتيجة المقاس الخاطئ للنظارة وعدم ملاءمته لعين المريض، كما أن الخامات الرديئة التي تصنع منها النظارة سهلة التجريح، مما ينتج عنه تشويش في الرؤية بشكل سريع من الممكن أن يغطي علي أمراض أخري تعاني منها العين فلا ينتبه لها المريض. ويضيف أن العين في سن صغيرة من الممكن ان تتكيف مع أي إصابة أو خطأ في القياس، لكن باستمرار هذا التكيف يحدث نوعا من أنواع التيبس في عضلات العين، والتي ينتج عنها ضعف مستمر في النظر لا يمكن وقتها معالجته بالنظارات الطبية، ويتابع الباز أن من توابع استخدام هذه النظارات الإصابة بما يسمي ازدواجية النظر، وهو يعني رؤية الأشياء بشكل مشوش ولها ظل أو خيال، نتيجة أن العين تكيفت علي وضع ومقاس خاطئ لفترة طويلة. ويؤكد الباز أن الإقبال علي هذا النوع من النظارات يكون من الفئة العمرية بعد سن الأربعين لأن العين تفقد في هذه المرحلة جزء من مرونة العدسات وبالتالي تري في مستوي رؤية واحد، أما المستوي البعيد فتكون فيه الرؤية جيدة أو المستوي القريب، وبالتالي يلجأ المريض في هذه الحالة إلي علاج سريع متاح أمامه مثل هذه النظارات، لكن من الخاطئ تماماً شراؤها دون العودة للمتخصص تفاديا لكل تلك المخاطر. أضرار خطيرة أما د. خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، فيقول إن هناك فهما خاطئا بالنسبة للكثير فيما يتعلق بأن إصلاح ضعف النظر يكون من خلال النظارة، ولكن هناك اسباب آخري متعددة من ضمنها مشاكل بالشبكية وتأثير مرض السكر، وارتفاع وانخفاض ضغط الدم وغيرها، كما أن استخدام النظارات مجهولة المصدر بالأسواق من الممكن أن يسبب أضرارا خطيرة علي العين، ويؤكد سمير أن المجتمع يحتاج في الفترة الحالية لضبط الأسواق، ومرجعيته الأساسية عدم صرف الدواء أو النظارات الطبية بدون »روشتة» معتمدة من الطبيب من أجل الحفاظ علي صحة المواطنين. ويتابع أنه من الضروري تشديد الرقابة علي الأسواق حتي يتم مصادرة هذه المنتجات مع فرض عقوبات رادعة. مركز بؤري ويشير د. إيهاب سعد، أستاذ طب وجراحة العين بجامعة القاهرة، إلي أن القانون المصري يمنع تداول المستلزمات والمنتجات الطبية ومنها النظارات الطبية إلا بواسطة طبيب متخصص، كما أن مقاس نظر كل مريض يختلف عن الآخر ولذلك لابد من الكشف قبل شراء النظارة حتي لا يحدث مضاعفات خطيرة، ففي كل إنسان هناك اختلافات بين عينه اليمني واليسري من حيث المقاسات التي تتعلق بطول وقصر النظر.
