دومًا عند الحديث عن الترجمة وقضاياها، فإن النقطة الأولي التي تثار هي مسألة الاختيار، ما الذي نريد ترجمته ولأي هدف، وكتاب »عطايا الخلايا الجذعية» الصادر حديثًا عن دار بتانة يعيد تذكيرنا بالحقيقة الأساسية في مجال الترجمة ألا وهي ضرورة وضع مسألة الاختيار وأسبابه في المقام الأول. الكتاب يبدو من عنوانه أنه مغرق في تخصصه العلمي والطبي، وهو كذلك في جانب كبير منه، هذا ما يشير إليه عنوانه الفرعي »أسرار حياة صحية 100 عام مع الخلايا الجذعية للبالغين»، لكنه يتخفف من لهجته العلمية بإضافة عنوان فرعي آخر »قصة العلم واليقين»، واليقين هنا يمكن رده إلي الديني أو السماوي أو المقدس كما شئت. الكتاب من تأليف د. جيونج تشان را، وهو طبيب بيطري ويتولي إدارة شركة كورية للخلايا الجذعية فضلًا عن عمله أستاذًا بجامعة سيول الوطنية، إضافة إلي ألقاب أخري وجوائز عدة تجعله أهلًا للحديث في هذا الموضوع الذي يتعامل معه المتخصصون باعتباره الثورة الطبية المقبلة التي ستغير شكل الحياة الصحية للإنسان بحيث يبدو ما مضي وكأنه حقبة مختلفة بالكامل! يلفت النظر إلي الكتاب ليس فقط موضوعه إنما أيضًا للترجمة السلسة التي أنجزها الشاعر أشرف أبو اليزيد والتي أتت متفهمة لروح العمل التي أرادها مؤلفه، فمنذ الصفحات الأولي يؤكد علي منهجه الساعي للوصول به إلي جمهور عريض وليس للمتخصصين فقط، كأنما هي رسالة تبشير بزمن مقبل مختلف يريده أن يكون للجميع. فما هي القصة؟ ما الذي يعرضه د.جيونج؟ ببساطة يمكننا أن نعيش إلي أن نبلغ المائة بلا تعقيدات ولا مشاكل صحية ضخمة، بمعني آخر أن تظل شابًا إلي هذا العمر، ولا يبدو الأمر صعبًا عندما تقرأ الكتاب وتعرف التفاصيل، وليس سحرًا، بل فقط استخدام لهبة منحها لنا الله داخل أجسادنا اسمها الخلايا الجذعية، خلايا تملك من الإمكانات ما يجعل تلك المائة عام مجرد خطوة ربما تمهد للعودة من جديد إلي الزمن الذي عاشه الناس قبل الطوفان، إلي حدود الألف عام. يعود المؤلف إلي الكتاب المقدس لينظر في سجلات البشر وأعمارهم، تحديدًا في الفترة المحصورة من آدم إلي نوح، حيث كان متوسط العمر هو 900 سنة، وحامل الرقم القياسي بين البشر هو متوشلح الذي بلغ 969 يليه نوح 950، لكن بعد الفيضان انخفض متوسط العمر بشكل حاد إلي 450، ثم، وبحسب المؤلف، عاود النزول إلي النصف زمن فالج، ثم توالي النزول إلي أن وصل إلي متوسطه الحالي والذي بلغناه مع زمن الخروج من مصر، ليصبح بين 70 و80 عامًا. ما السر وراء هذا الانحدار في عمر الإنسان؟ الأسباب متعددة ولا يميل الكتاب لرصدها تفصيليًا، فهدفه الأساسي التأكيد علي معلومة أساسية أننا خلقنا لنتمتع بالشباب والحياة الأبدية، وإذا كان هذا ليس ممكنًا بسبب ما وقعنا فيه من خطايا وأهمها تدمير طبقة المحمية التي خلقها الله لنا، لكن برغم كل شيء فإن إطالة العمر والتمتع بالصحة أصبح مسألة وقت. الثورة الطبية الجديدة كلمة السر فيها الخلايا الجذعية وهي تلك التي ينتجها نخاع العظم ويقوم بتوزيعها إلي جميع أنحاء الجسم عن طريق الدورة الدموية، وذلك لإصلاح التالف والمتضرر، فإذا تلف أحد الأعضاء فإنه يرسل إلي نخاع العظام لإنتاج وتقديم خلايا جذعية جديدة تعمل علي ترميمه، فالخلايا الجذعية هي المسؤولة عن صيانة واستبدال الخلايا لضمان صحة الجسم والبقاء علي قيد الحياة، والمرض والشيخوخة يحدثان عند ضعف إنتاج هذه الخلايا، وهنا يأتي اقتراح العلم الثوري، بإعادة زرع هذه الخلايا من جديد وحثها علي النمو لإبطاء عملية الشيخوخة والتقدم في السن. من الواضح بالطبع لمن يقرأ الكتاب حرص مؤلفه علي تأكيد إيمانه بالله وقدرته، وعلي أن المجال الذي يقدم فيه مؤلفه وجهده لا يتعارض مع المعتقدات الدينية، وعلي هذا فإنه يسعي لتنبيه القارئ للتفرقة بين نوعين من الخلايا الجذعية، الأولي الخلايا الجذعية الجنينية، والثانية الخلايا الجذعية للبالغين، الجنينية يتم إنتاجها من خلال تقسيم البويضة المخصبة، والثانية موجودة داخل الأنسجة والأعضاء الحية وهي تظهر بعد مرحلة النمو، وتعتبر مصطلحًا شاملًا لجميع أنواع الخلايا الموجودة في الجسم. هذا من ناحية التعريف والذي يليه اختلافان علي قدر بالغ الأهمية والتأثير سواء في كيفية استخلاص الخلايا أو في استخدامها، الخلايا الجنينية والتي تم تسميتها ب»متعددة القدرات» يتم استخلاصها من خلال حقن الخلايا الجسدية لأول مرة في البويضة التي يتم إخراج نواتها يليه تعريض البويضة لعمليات كيميائية وكهربائية وذلك لإجراء عمليات الاستنساخ وهي التجارب التي شهدت رفضًا بعد جدل ديني وأخلاقي عالمي، وذلك ما يسعي المؤلف للابتعاد عن شبهته بتأكيده علي الفروق مع الخلايا الجذعية للبالغين التي يطلق عليها »عديدة الإمكانات» والتي يتم استخلاصها من الأنسجة والأعضاء البالغة ما يعني أنه لا توجد قضايا أخلاقية بيولوجية تتعلق باستخدامها. من الواضح بالطبع وكما يرصد المؤلف أن أبحاث العلاج بالخلايا الجذعية قد انطلقت حول العالم (المتقدم) لكن بنسب متفاوتة، فلا تزال كوريا الجنوبية في المقدمة، ثم اليابان التي فتحت المجال الآن، وقد وصل العلاج بالخلايا إلي مراحل يمكن من خلالها سماع قصص أقرب إلي المعجزات مثل حالة المطرب ديوك باي تشو الذي أصيب بسكتة دماغية في العام 2009 نجا منها لكن بعجز كامل فشل الأطباء في التعامل معه، كان المفترض أن حياته هكذا قد انتهت، لكنه اكتشف طريقًا لهذا العلاج السحري: الخلايا الجذعية البالغة، تلقي حقنا ب200 مليون خلية في المرحلة الأولي، استعاد بها بعض نشاطه وتمكن من النوم بشكل أفضل، ثم تلقي جرعة ثانية ليتمكن بعدها من تحريك ساقه واستعادة قدرته علي الكلام بشكل مترابط وبعد العلاج الثالث تخلي عن الكرسي المتحرك ليبدأ العودة تدريجيًا في العودة إلي حياته الطبيعية. الفكرة إذًا تكمن في إبقاء الجسد قادرًا علي إصلاح نفسه، ويفسح الكتاب صفحاته لقائمة طويلة بالأمراض المستعصية التي يمكن للخلايا الجذعية التدخل وعلاجها: تلف الكلي، فقدان السمع، التهاب المفاصل الروماتويدي، رفض العضو المزروع، التصلب المتعدد، أمراض الكبد، الانسداد الرئوي المزمن، السكري، السرطان. مع قراءة كتاب »عطايا الخلايا الجذعية» يمكنك أن تغلق عينيك وتحلم أنك وصلت إلي المائة تتمتع بجسد وصحة شاب في الثلاثين، غير أن الأمر وإن بدا ممكنًا لكنه مع ذلك لا يزال في بدايته، العلاج مكلف وليس متوفرًا في أي مكان، عليك الاتصال بالشركة الكورية لاستخلاص بعض من خلاياك والاحتفاظ بها في بنك خاص بها قبل تحديد موعد حقنك بها، لكن مع ذلك لا بأس فما يبدو أن الإنسان بدأ بالفعل أولي خطواته نحو الاحتفاظ بالشباب.