كيف يري القضاة الهجمة علي الفن والفنانين، الثقافة والمثقفين؟ كيف يرون سبهم وقذفهم والتعريض بهم والنيل من سمعتهم وتكفيرهم وإهدار دمائهم؟ في هذا التحقيق يؤكد خمسة قضاة كبار علي أنه ليس في الشريعة الإسلامية دعوة لإهدار دم أحد، مشددين علي أن ذلك جهل مطبق، لافتين إلي أن هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بأنهم دعاة يضيعون الشريعة بأفعالهم وجهلهم بها.القضاة طالبوا القضاء بألا تأخذه رحمة أو شفقة بمحركي دعاوي الفتنة والتكفير، حتي نصون أعراضنا فلا تكون عرضة لهذيان المولعين بالشهرة البائسة، وقالوا إن هؤلاء الذين ينصّبون أنفسهم كدعاة للفضيلة هم أبعد الناس عنها، وينصحون الناس وهم الذين يحتاجون إلي النصح والإرشاد، مشددين علي أن من يسب ويقذف المبدعين ويهدر دماءهم متهم بجرائم الترويع والإخلال بالأمن والسلم الاجتماعي، كما أن الخروج علي الشرائع يواجه بالطرق القانونية وليس بالإجرام وإهدار الدماء وقذف الأعراض، القضاة يرون أيضاً أن مهمة الإعلام هي نشر المعرفة لإنارة الطريق للمجتمع المصري، مطالبين الإعلاميين بحفظ كرامة المواطن واحترام حياته الخاصة. هنا يواجه القضاة الهجمة الظلامية الشرسة ويدعون إلي التصدي بعنف لها حتي تستقيم الأمور في مجتمع لا يعترف إلا بالوسطية. سمعة الشرفاء يقول المستشار محمد عزمي بكري رئيس محكمة استئناف بني سويف وعضو مجلس رؤساء محاكم الاستئناف سابقاً والرئيس الحالي لجمعية قضاة لدعم الفكر القانوني أنه وإن كانت ثورة 25 يناير 2011 قد قامت لتكون فاصلاً بين عهدين.. عهد قصفت فيه الأقلام وأخرست فيه الألسن، وعهد يخالفه بزغت فيه شمس الحرية وانطلقت فيه الأقلام تعبر عن الرأي الحر والصادق والمستنير، فقد كان من الواجب علي الكافة أن يؤمنوا بأن الحرية مهما اتسعت آفاقها فلا ينبغي لها بحال من الأحوال التجاوز والتطاول ومصادرة حرية الآخرين والتجاسر علي كرامة وسمعة الشرفاء أياً كان مذهبهم أو فكرهم.. ولا ينبغي لأي من يكون أن يتغافل عن أن الفكر المستنير والفن الهادف لهما أكبر تأثير وأعمق في تطوير المجتمع وعلاج مشكلاته التي نعاني منها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وغير ذلك، ولقد كانت الأعمال الفنية والإبداعية بأنواعها سبباً مباشراً في زيادة وعي الناس ورقي سلوكيات الأفراد والنهضة بالمجتمعات فهي تصل مباشرة إلي وجدان الناس وتثبت في عقولهم سواء كان ذلك العمل الإبداعي مقالاً في جريدة أو حكمة في رواية أو أغنية مهذبة تحقق الهدف المطلوب بأحسن مما يفعل القول العادي، ولقد كان العديد من المسرحيات والأفلام السينمائية والأغاني بل والمونولوجات سبباً مباشراً في الاهتمام بقضايا معينة وأدت إلي تعديل عديد من التشريعات ولدينا علي مدي تاريخ مصر الفني أمثلة كثيرة نذكر منها فيلم »أريد حلاً« الذي أدي إلي تعديل في قانون الأحوال الشخصية وفيلم »جعلوني مجرماً« الذي أدي إلي تغيير في قانون الإجراءات الجنائية وفيلم »غزل البنات« الذي أدي إلي إعادة النظر في كادر المعلمين ورفع مرتباتهم، وكذلك مسرحية »علي الرصيف« التي نبهت إلي معاناة المصريين بالخارج ومسرحية »الزعيم« التي هاجمت الحاكم الفرد وغير ذلك كثير مما لا يتسع المجال لتضمينه هذه الصفحات. فكر غير سوي وللأسف فقد غابت هذه الحقائق عن البعض من ذوي الفكر غير السوي فتجرأوا علي كثير من المبدعين والمفكرين والفنانين والكتّاب وأصحاب الرأي، ممن لهم آراء مجددة ومتطورة في مناحي الحياة المختلفة لم تكن علي هواهم ولم ترق لهم، فلجأوا إلي تهديدهم بجرائم لم يعتدها مجتمعنا واستخدموا في ذلك بعض الصحف والقنوات الفضائية التي سمحت لهم أن ينشروا عن طريقها دعواتهم لإهدار دماء هؤلاء المبدعين والتحريض علي تصفيتهم جسدياً، وهذا الأمر يحول مجتمعنا إلي غابة ويسقط به إلي الحضيض ويدفع بنا جميعاً إلي ظلام الهمجية وأتون التناحر، وقد نسي هؤلاء الذين يدعون أنهم أصحاب فكر ورسالة- أو تناسوا- أن الرأي يقابل بالرأي، والحجة تقرع بالحجة. القانون يحمينا والقانون الذي يحكم مجتمعنا ونعيش في كنفه يحمينا ولا يقف عاجزاً أمام هذا الانفلات الغريب علي مجتمعنا، فالمادة 172 من قانون العقوبات تعاقب كل من يحرض أحداً- بوسيلة من وسائل العلانية- علي القتل أو النهب أو ارتكاب جناية أو جنحة عموماً بالحبس مدة تصل إلي 3 سنوات إذا لم يؤد تحريضه إلي نتيجة، أي حتي لو كان قولاً مرسلاً ولم ينفذه أحد فعلاً.. أما إذا استجاب فرد من الأفراد لهذا التحريض، فيعد المحرض الذي نادي بهذا الكلام شريكاً في الجريمة ويعاقب بالعقاب المقرر لها إن كانت الجريمة نفذت أو تم الشروع فيها. وتنص المادة 327 من قانون العقوبات أيضاً علي أن من يهدد غيره بالكتابة بأنه سيرتكب جريمة ضد نفسه أو ماله أو نسبت أمور له تخدش شرفه فإنه يعاقب بالسجن. سب وقذف علني لذلك فنحن نستنكر بشدة ما يحدث من انفلات البعض عديمي المسئولية بقيامهم بمهاجمة صور الإبداع والمبدعين والتطاول علي الفن والفنانين ورميهم لهم بالابتذال واتهامهم بنشر الفساد في المجتمع وتشجيع أفراده علي الانحلال الأخلاقي، ونأسف كثير الأسف لإلقاء التهم بالزنا علي عديد من الممثلات والادعاء بارتكابهن الفاحشة مع الرجال في الأعمال الفنية، وكل ذلك يشكل جريمة السب العلني المنصوص عليها في المادة 306 من قانون العقوبات والتي تفرض عقوبات مغلظة علي كل من يخدش شرف غيره أو ينتقص من اعتباره ويوجه إليه ما ينطوي علي المساس بقيمته الإنسانية أو يحط من كرامته أو سمعته، وما يتم توجيهه للممثلات في أعمالهن الفنية هو سب صريح ينطوي علي طعن في عرضهن معاقب عليه بالحبس والغرامة المشددة إلي جانب التعويض المادي والمعنوي للمضرورة لما أصيبت به من ضرر أدبي وآلام نفسية، ونظراً للإساءة البالغة إلي سمعتها والنيل من كرامتها جراء هذه الجريمة النكراء. وعلينا أن نذكر وننبه إلي أن شريعتنا الإسلامية الغراء تحيط المرأة بسياج من العفة وتدرأ عنها ما يحط من كرامتها وينال من شرفها، فتعاقب بالجلد من يرمي المحصنات بالزنا زوراً وتجعله في عداد الفاسقين ولا تقبل له شهادة أبداً. الفاسقون ويلتقط طرف الحديث المستشار محمد حسن العفيفي الأستاذ بالمركز القومي للدراسات القضائية والنائب الأسبق لرئيس محكمة النقض فيذكر قول الله تعالي في سورة النور الآية 4 »والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون« ويشرح أن ذلك هو حكم الله، فيمن يقذف أعراض الناس إذ لابد من جلده ويصبح من الفاسقين ولا تُقبل شهادته أبداً في أي أمر حتي بعد جلده مع ملاحظة أن لفظ »المحصنات« لا يقتصر علي النساء فقط بل يقصد بهالنفس المحصنة.. وهذه الجريمة شديدة الخطورة علي المجتمع وهي من جرائم الحدود التي قدر الله سبحانه وتعالي أثرها السلبي المؤلم علي من يتهم بها فوضع لها عقوبة غاية في الشدة، وكذلك القانون الوضعي راعي ذلك فوضع العقوبات المغلظة علي من يرتكب جريمة السب والقذف وأفرد قانون العقوبات المصري باباً كاملاً لها هو الباب السابع حتي يرتدع هؤلاء الذين يسبون الناس بغير الحق ويقذفونهم في أعراضهم وغير أعراضهم بما لو كان حقيقياً لاستحقوا أن يحتقرهم أهل وطنهم وهذا أمر لا يقبله أحد ولا يتحمله المقذوف زوراً، كما أوجب عقوبة الحبس علي كل من يخدش حياء الأنثي أو يتعرض لها ويشدد العقوبة لو عاد إلي هذا الفعل مرة أخري، ونحن مع تطبيقنا في المحاكم لهذا القانون إلا أننا ندعو لتنقية مواده ويتم تطويرها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية الغراء ليتم تفعيلها في المجتمع ويتم تطبيقها بحسم علي هؤلاء الذين يأتون المنكر ويتهمون الأبرياء ويقذفون المحصنات. والقاذف ليس له استتابة كما نادي البعض وأعلن أن ذلك يعفيه من الاتهام والعقوبة، أن هؤلاء القاذفين لا يعفون عما يقولون زوراً وبهتاناً فإن الاستتابة تكون في الردة عن الإسلام.. أما في السب والقذف- خاصة في الأعراض- فلا استتابة ولا