قبل انطلاق العام الدراسي.. وزير التعليم ومحافظ أسيوط يتفقدان 9 مدارس بالمحافظة    الطرق الصوفية توضح موقفها من واقعة اتهام الشيخ التيجاني بالتحرش    عيار 21 الآن بعد ارتفاع كبير.. سعر الذهب اليوم الجمعة 20-9-2024 (تحديث جديد بالصاغة)    النقد العربي: البورصة المصرية الأكثر ارتفاعًا بين أسواق المال العربية خلال أغسطس    ماكرون يتهم إسرائيل بدفع المنطقة إلى الحرب    بقيادة بيرسي تاو.. يلا كورة يكشف قائمة الأهلي لمواجهة جورما هيا    مالك نانت ردًا على شائعات بيع النادي: لا أعرف أرنولد.. وكفاكم هراء    تراجع الحرارة وشبورة مائية.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس السبت    بفستان مكشوف.. الجمهور يعلق على أحدث ظهور ل أسماء جلال    محافظ القاهرة ووزير الثقافة يشهدان الملتقى الدولى لفنون ذوى القدرات الخاصة    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    ما العضو المسئول عن خروج الصفراء من الدم؟.. حسام موافي يوضح    فيفا يعلن تفاصيل كأس العالم للأندية 2024 بمشاركة الأهلى والنهائى فى قطر    صبري فواز: الرقابة تتربى داخل كل إنسان ونتماشى مع ما يناسبنا    4 أبراج أقل حظا في شهر أكتوبر.. «الفلوس هتقصر معاهم»    مسؤول أممي: 16 مليونا في سوريا بحاجة للمساعدة.. ومعاناة الأطفال تتفاقم    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر    الصحية النفسية والذهنية فى خريف العمر    الجناح المصري في معرض Leisure السياحي بموسكو يحصل على جائزة «الأفضل»    إعلام فلسطيني: 13 شهيدا فى غارة إسرائيلية على منزلين برفح الفلسطينية    قصائد دينية.. احتفالات «ثقافة الأقصر» بالمولد النبوي    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    على رأسهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا للجولة الخامسة من فانتازي الدوري الإنجليزي    طرح الإعلان التشويقي لفيلم "دراكو رع" تمهيدا لعرضه تجاريا    زيدانسك تضرب موعدا مع سرامكوفا في نصف نهائي تايلاند    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    مصر للطيران تكشف حقيقة وجود حالات اختناق بين الركاب على رحلة القاهرة - نيوجيرسي    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    محافظ قنا ونائبه يتابعان تنفيذ أنشطة بداية جديدة بقرية هو    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    وزير الزراعة يبحث مع المديرة الإقليمية للوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في مجال ترشيد المياه والاستثمار الزراعي    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    روسيا: تفجير أجهزة ال"بيجر" في لبنان نوع جديد من الهجمات الإرهابية    خبير يكشف تفاصيل جديدة في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بلبنان    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    نشوب حريق هائل في مخزن للبلاستيك بالمنوفية    البيت الأبيض: الجهود الأمريكية مستمرة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    لجنة "كوبرا" بالحكومة البريطانية تبحث تطورات الوضع فى لبنان    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    معلق مباراة النصر والاتفاق في الدوري السعودي اليوم.. والقنوات الناقلة    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديبة الأردنية سميحة خريس:مكتبتي وزن زائد.. ولها قصة حزينة
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 10 - 2018


ردا علي سؤال لماذا تكتب؟
أجابت الروائية الأردنية سميحة خريس: لعلنا نشعر بالخوف دائما من تبدد الحياة التي نعرفها، نخاف من تلاشي شهادتنا علي الحياة.. ونسعي لطرائق مختلفة في تثبيتها وترك بصماتنا حية تدل علينا، الكتابة بهذا المعني محاولة للبقاء، حيلة لإبعاد الملل.. صوت يكسر الصمت، معني يملأ الفراغ.
عندما شاهدت مكتبتها بعمان.. استرجعت عبارتها السابقة عن الكتابة، فهي بشكل من الأشكال تنطبق – أيضا – علي مكتبتها التي تشعر أنها بمثابة شهادتها علي الحياة.. فتكوين المكتبة لديها أشبه بسيرة ذاتية حية.. كل ركن فيها لديه قصة.. بل كل كتاب اقتنته يعد جزءا من رحلتها، ولولا هذا الكتاب أو ذاك لظلت تفاصيل من هذه الرحلة في طي النسيان، فالكتب عندها شاهدة علي أماكن أحبتها، لكنها لم تستقر فيها طويلا، فالسفر كان عنوانا دائما لفترات طويلة من حياتها، وكما كان السفر دافعا في كل مرة لبناء مكتبة من جديد، كان –أيضا – عاملا من عوامل فقد المكتبة القديمة برمتها أو الجزء الأعظم منها، فقد تنقلت في طفولتها وشبابها ما بين الأردن، قطر، السودان، والإمارات، والعودة مرة أخري للإستقرار في عمان ببلدها الأردن.. وبسبب هذا التنقل شبه المستمر لظروف عائلية في البداية ولظروف عمل بعد التخرج في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، حرمت ذات يوم من مكتبتها التي أسستها في الدوحة، فقد نظر إليها علي أنها » وزن زائد»‬.
سميحة خريس عندما لاحظت تأملي في أرجاء المكتبة.. لم تنتظر السؤال.. فجاءت الإجابة: لمكتبتي قصة حزينة لم أدونها بعد، فاستأذنتها في أن أقوم بهذه المهمة، وأن تسمح لي أن أدونها نيابة عنها.
صمتت ثم استطردت قائلة: نعم لمكتبتي قصة حزينة، إذ قضيت سنوات طوالاً من عمري في ترحال إجباري بسبب ظروف العائلة، التي تسافر دوما، فما ألبث أن أحقق حلمي في أن تكون لي مكتبة.. حتي يطلب مني التنازل عنها.. تركت في الدوحة بقطر، مكتبتي الأولي حلمي الذي تفتح معي وأنا مازلت طفلة صغيرة في المرحلة الإبتدائية، التي احتفظت فيها بأعداد كثيرة من السلسلة الخضراء، وكذلك الأعداد الأولي من مجلة العربي الكويتية 1970، وعندما انتهت المرحلة الابتدائية، واستعدت الأسرة للعودة إلي الأردن، بدأت في وضع كتبي في حقائب، فقيل لي لا تفرغي محتويات المكتبة فلن تنتقل معنا، فهي »‬ وزن زائد» ، هذه الجملة تكررت في مناسبات عديدة، وبسببها فقدت كتبا جمعتها وكنت سعيدة بها.
فقد المكتبة الأولي
وعندما عدت من قطر، فاقدة مكتبتي الأولي، بدأت في بيتنا في عمان تأسيس مكتبتي الثانية، التي كانت أكثر نضجا من الفائتة، فقد ضمت ترجمات للأدب الروسي، وإبداعات لمبدعين مصريين: يوسف السباعي، يوسف إدريس، توفيق الحكيم، إحسان عبد القدويس، نجيب محفوظ وغيرهم، وهذه المكتبة استغرقت في تكوينها ما يقرب من سنوات ست من عمري، وتحديدا في مرحلتي الإعدادية والثانوية، ولكنني للمرة الثانية أفقد وجودها، وإن لم أفقدها، بمعني أنني لم أستطع لظروف الشحن التي تعودت عليها، أن أنقل محتوياتها إلي بلد الإقامة الذي سننتقل إليه هذه المرة وهي دولة السودان، ولكن لأنها في بيتنا في عمان، لم أضطر إلي أن أوزعها علي الجيران، كما فعلت في الدوحة، ولكن المفاجأة أنه بعد سنوات أربع، عندما عادت الأسرة من الخرطوم إلي عمان مرة أخري، طلب مني التنازل عنها وذلك في إطار ترتيب البيت لمعيشتنا كأسرة، إلا أنني في هذه المرة رفضت التفريط فيها، ولم يدم هذا الموقف طويلا، فبعد مفاوضات مع العائلة تم تقليص محتوياتها.. تنازلت عن البعض وتمسكت بالبعض الاخر، الأقل من حيث العدد، ومن وقت لآخر كنت أتعرض لحملات تفتيش ليس علي محتوي ما تضمه المكتبة، بل علي عددها الذي بدأ في التزايد مرة أخري، مما استرعي الانتباه وظللت سنوات من الشد والجذب، الذي يمنعني من أن أضيف الكثير إليها، وإن كان هذا الأمر لم يؤثر في أن أمدها بكل ما هو جديد في عالم الفنون والثقافة، وأن استبدل ما هو أحدث بما هو أقدم، واستمر هذا الوضع إلي أن انتقلت لمنزلي، فأخذت الكتب تتراكم، ولا أستطيع السيطرة عليها.. فقد أصبحت المكتبة في كل جزء في البيت، وفشلت في السيطرة عليها، فكان قراري.. التمسك بجزء منها، الذي تراه الآن، وأن أتنازل عن بعض من مكتبتي، لكن هذه المرة لم تكن من نصيب الجيران مثلما حدث في قطر وفي السودان، وإنما منحتها لأماكن عامة، حتي تعم الفائدة لأكبر عدد من القراء، وسعيت بقدر الإمكان إلي أن أهدي الكتب لمكتبات القري البعيدة عن العاصمة الأردنية عمان، وفي هذا المرة لم تكن فقط كتب الغير هي فقط المهداة، بل أهديتهم رواياتي ومجموعاتي القصصية، التي أصبحت تمثل ركنا أصيلا في مكتبتي، كما أنني منذ سنوات ساهمت في »‬ كشك الكتب» الذي افتتحته مكتبة شومان في الشارع، لكي يستعير منه العابر أي كتاب يريده، كما أن هذا الكشك متاح ليس فقط أن تأخذ منه، بل أن تزوده – أيضا – بما تريد من كتب.
إذن أنت تسيطرين علي مكتبتك بأن تمنحي بعضها للغير.
صمتت سميحة خريس قليلا ثم قالت: لا .. فبالرغم من كل المحاولات السابقة للسيطرة علي مكتبتي وتوضيبها.. إلا أن ذلك يواجه دائما بالفشل، فلا تزال الكتب تتراكم، لاسيما القادمة من رحلاتي لمعارض الكتاب في: القاهرة، تونس، أبوظبي، الشارقة، عمان، فضلا عن زياراتي التي لا تنقطع للمكتبات داخل وخارج الأردن، فالمكتبة بالنسبة لي مثل مؤلفاتي هما جزءا أصيلا من رحلتي في هذه الحياة.
الكتاب الأم
ورغم تجربتها الطويلة في الترحال وترك مكتبتها خلفها في هذا البلد أو ذاك، وكذلك بداياتها المبكرة مع القراءة والكتابة منذ صغرها، مما علمها أن تحتفظ بكل مرحلة في حياتها بكتاب تعتبره »‬الكتاب الأم» الذي لا تتنازل عن اصطحابه معها في أي مكان، وهو ما شعرت به عندما تأملت بعض العناوين..وهذا ما قلته لصاحبة »‬تقاسيم العشق» ولم تنفه، بل زادت: من الكتب التي اقتنيتها في المرحلة الإعدادية، وللأسف ضاع مني وظللت لسنوات أبحث عنه، حتي أعدته مرة أخري لمكتبتي، كتاب »‬أحجار علي رقعة الشطرنج» لمؤلفه وليام جاي كار، الذي قرأته مرات عدة، وفي كل مرة ومع تقدم العمر والخبرات، يفقد الكتاب جزءا من بريقه، وكلما أعيد قرأته.. اكتشف ملامح الزمن والتكوين.. بمعني كل مرة ونتيجة لتراكم المكتسبات الشخصية والحياتية تقل درجة الانبهار به، لأصل الآن إلي مرحلة نقده، وعدم الاعتراف بأفكاره الرئيسية، فهذا الكتاب يتحدث عن المؤامرات التي تحاك علي العالم العربي، لا أنكر ذلك ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالطرف الاخر، بقدر ما أن الأرض عندنا رخوة، وهناك ثغرات كثيرة في أنظمتنا، تسمح باختراقنا، وهنا المسألة معقدة فهذا الاختراق ليس فقط لذكاء الآخرين بقدر ما هو استثمار لسلبياتنا.. هذا الكتاب يميل إلي أن هناك مؤامرة عظيمة من جهات تفوقنا خبرة وذكاء، وهذه هي وجهة نظر مؤلفه، في حين أري أن نقاط الضعف لدينا هي السبب الأساسي، بهذه القراءة الأخيرة للكتاب لم أعد منبهرة به مثلما كنت في السابق.
ما إن انتهت من الحديث عن هذا الكتاب، الذي كانت في السابق تحمله معها من مكان لآخر منبهرة به، إلا أنه مع تقدم العمر وتقلبات الحياة والمجتمعات، بدأ الانبهار يتلاشي رويدا رويدا إلي أن تحول الأمر إلي النقيض تماما، لكن ألا يوجد كتاب آخر بدأت به رحلتها في عالم القراءة ومع تقدم العمر تمسكت به أكثر، ومازالت حريصة علي الرجوع إليه وتصفحه من جين لآخر.. بحسها الروائي شعرت في قرارة نفسها بما يدور داخلي، لذا واصلت حديثها دونما انقطاع قائلة: لا يمنع ما قلته عن هذا الكتاب، أن لدي تجارب مختلفة مع عدد من الكتب، التي تمثل لي بنية معرفية ومرجعية لا غني عنها، وكلما قرأتها أضاءت لي جوانب كانت غافلة عني.. وازداد بها أنبهارا.. فهي تملأ الروح والإحساس بالجمال والمتعة، وأقصد علي سبيل المثال عدداً من المؤلفات منها ألف ليلة وليلة.. هذا العالم الأسطوري والملاذ لنا نحن معشر الأدباء في الاستمتاع بعوالم قادرة علي إثارة كل حواسك، وفي هذا المعني – أيضا – يأتي كتاب »‬كليلة ودمنة» لأبن المقفع، و»‬الحيوان» للجاحظ، وأضف إليهم الموسوعة العبقرية »‬شخصية مصر» التي أقرأها مررا وتكراراً لأتوقف عند الذكاء الخارق لمؤلفها الفذ جمال حمدان، فبعض ما ذكره حينها كان أقرب للخيال، ومع مرور الوقت كل ما دونه صار حادثا وواقعا، وأتوقف دائما عند سؤال؛ كيف رأي هذا الشخص العظيم ما ستسفر عنه الأحداث بهذه الواقعية التي نشهد عليها الآن؛ كيف وصلت بصيرته منذ عقود طويلة إلي ما صارت إليه الأمور في وقتنا الراهن، هذه الكتب التي ذكرتها داعبت كثيرا عقلي وروحي، أضف إليها كتبا لامست عاطفتي بشكل جعلها جزءا من تكويني في مختلف سنوات عمري، فكتاب »‬المنشق» ل نيكوس كازانتزاكيس، صرت لمدة عاما لا أنام إلا بعدما اقرأ صفحات منه، وكان موضعه الدائم في هذه الفترة بجانب السرير، فقد سيطر علي تماما، فالنوم لا يقترب من جفوني إلا بعد أن يطمئن أنني عشت ساعة علي الأقل مع هذا الكتاب، الذي يمثل واحدا من الكتب التي تندرج لدي تحت ما يسمي »‬الكتب العاطفية» التي نشب بيني وبينها نوع خاص من العلاقة، ففي كل فترة من حياتي هناك »‬الكتاب الأم» الذي يمتلك حواسي وعقلي، ومن ذلك رواية »‬ ذهب مع الريح» ل مارجريت ميتشل، ولها قصة طريفة أحب أن أرويها، هذه الرواية أهدتني إياها معلمتي في المدرسة الإعدادية، عندما لاحظت أن وجهي دائما يتجه ناحية الأرض وهي تشرح، فجاءت إلي جانبي لتكتشف انني وضعت أحد دواوين نزار قباني بين رجلي، وبينما هي تشرح أنا مشغولة بالقراءة، فسكتت ولم تعلق وفي اليوم التالي جاءت لي بهذه الرواية، وقالت: سميحة هذه رواية أتمني أن تقرأيها، ولكن ليس في الحصة، وإلا سأنزل من علاماتك، واستكملت عباراتها وهي تضحك: »‬ علي فكرة هذه الرواية أحلي من ديوان نزار قباني»، وبالفعل سمعت الكلام ولم أعد اقرأ في الحصة وانهمكت فيما بعد في قراءاتها، وبعد سنوات وجدت طبعة جديدة منها فاشتريتها، وإذا بي أكتشف أن الرواية المهداة لي من معلمتي لم تكن كاملة، وهي كانت موجهة لليافعين، فقرأت – بعد سنوات طوال - الرواية في نصها الأصلي كاملة غير منقوصة.
التشكيل الوجداني
ألمح في مكتبتك مؤلفات لكبار المبدعين المصريين، وبعضها لطبعات نفدت من زمان، تقاطعني قائلة: بالفعل هذه الكتب تعبر في اقتنائها عن مراحل مختلفة من التشكيل الوجداني، النابع من تدرجنا العمري، ففي مرحلة المراهقة كنا متعلقين بكتابات يوسف السباعي، ولكن لما كبرت ونضجت اقتنيت إلي جانب إبداعات السباعي أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فمما لاشك فيه أن هؤلاء الرواد شكلوا المزاج العربي للرواية، فهم بمثابة المدرسة التي تخرجنا منها جميعا، فنحن ندين لهم بفضل كبير في تكوين هذا المزاج الحلو الذي جاء إلينا من مصر.
صياغة العالم
أكاد أجزم أن مكتبة سميحة خريس هي معادل موضوعي لما تؤمن به من أفكار ورؤي خاصة بالكتابة، فالمكتبة في حالتها هي الواقع الفعلي الذي تراه انعكاسا لذلك، هذا ما رسخ في يقيني وأنا أتأمل أرفف المكتبة المختلفة، وهو – أيضا – ما يتواءم مع مقولات عديدة لها تخص العملية الإبداعية، فهي تري ان الكتابة لا تخلو من »‬ رغبة دفينة في صياغة العالم علي ما نحب ونشتهي ونتوقع، وأنها بحث عميق في دواخلنا وتحايل للبوح بالأفكار والمشاعر»، ومن وجهة نظري أن من يمهد لها للبوح بالأفكار والمشاعر أدوات كثيرة من أهمها هذا التكوين لمكتبتها، الذي ينحاز – علي سبيل المثال - للمشهد الروائي العربي بكل تجلياته، فمن يطلع علي مكتبة صاحبة »‬ دفاتر الطوفان »‬لا يراها سوي أنها واحدة من رواياتها كتبتها بعمرها وبانحيازاتها المعرفية.. هذا ما ذكرته لها وأنا لا أنظر إلي وجهها بل إلي انعكاسه في مكتبتها، لتجيب: عندك حق.. لايمكن لأي أحد أن يكتب دون معرفة قوية، وأهم مصادر المعرفة هي القراءة المتواصلة التي تبني علي بعضها البعض، ومما لاشك أن المكتبة توفر لي هذه المتعة، التي تنعكس في مفهومي لما أقدم عليه من أعمال إبداعية، فكما أشكل مكتبتي كما أريد، نفس الأمر في الإبداع، وللحقيقة فإن المكتبة بوضعيتها الراهنة تمثل لي عالمي القرائي، كذلك الكتابة، فكل رواية هي عالم جديد يشكل علي سن القلم، أو في بقعة الحبر، إذ يولد هذا العالم محملا بدلالاته ومعانيه، فالكتابة مثل المكتبة صورة حية عن الحياة التي نأملها ونتمناها؛ صورة ليست جامدة، بل هي نتاج بحث عن أسرار الأشياء الصغيرة وتطلقها علي السطح، فالكتابة تتيح للإنسان أن يتمني وأن يحقق حلمه ويغير مصيره بالحلم.
التجربة .. سيدة الموقف
أراك تضعين رواياتك تحديدا ليس طبقا لزمن الصدور، ولكن تبعا للتجربة الروائية نفسها، أي أن هناك عدداً من الروايات مجتمعة تمثل مرحلة ما في تجربتك؟ معك كل الحق، فتجربتي في روايتي الأخيرة »‬فستق عبيد» الحاصلة علي جائزة كتارا للرواية، هي تجربة تنبع من انشعالي في السنوات الأخيرة بموضوع الحرية والعبودية، ولا أخفي عليك سرا أن في هذه الرواية جزءا حياتيا عشته في السودان، وفيه اقتربت من نماذج قريبة مما عبرت عنه في هذا العمل، الذي جاء – أيضا – بعد قراءة دراسات مستفيضة في علم الاجتماع، ساهمت في معرفتي الكثير عن هذه المجتمعات، فالرواية مزيج بين مشاهدات حياتية وجهد شاق في معرفة تاريخ »‬ دارفور »‬ في الماضي والحاضر، بينما في أعمال أخري أكون مشغولة ومهتمة برصد التاريخ المسكوت عنه في المنطقة وتحديدا بالأردن، وانعكاس ذلك علي التطور الاجتماعي والسياسي، وهذا ما ينطبق علي رواياتي: شجرة الفهود، تقاسيم العشق، القرمية، وفي مجموعة أعمال أخري تكون ذات طابع نسوي، مثل روايتي الصحن، وخشخاش، وأنا هنا لا أصنف هذين العملين بشكل نوعي، أي أن الكاتبة سيدة، بل بشكل يحلل طبيعة التجربة، ففي هذين العملين الطبيعة الأنثوية بكل معانيها هي الطاغية، ولا يعني ذلك أن المراة فقط هي القادرة علي التعبير عنها، بل هناك رجال يستطيعون ذلك وآخرون لا يتمكنون من خوض هذه التجارب، فالعبرة هنا بمدي التمكن من التعبير عن العالم الأنثوي، أما في رواية »‬ الرقص مع الشيطان» فقد كانت التجربة مختلفة تماما، فقد ملت فيها إلي التحليل النفسي، وما جعلني أقدم علي هذه التجارب المختلفة، إيماني بأن الإبداع الروائي يتطلب التصدي في كل مرة لتجربة جديدة، تفرض عليه تجاوز نفسه في كل نص يكتبه، وتحاسبه حسابا عسيرا إذا ارتخي أو تهاون أو استسهل.
سجل للجوائز
مكتبتها لا تضم فقط، الكتب التي اقتنتها علي مر الحياة، ولا مؤلفاتها، بل – أيضا – هي سجل لجوائزها المختلفة، فقد علقت الخطابات والشهادات التي تشير لهذه الجائزة أو تلك، منها حصولها علي جائزة الدولة التشجيعية في الأردن عن روايتها »‬ شجرة الفهود»، جائزة أبو القاسم الشابي عن روايتها »‬ دفاتر الطوفان»، جائزة الإبداع من مؤسسة الفكر العربي عن مجمل أعمالها، جائزة الدولة التقديرية الأردنية، جائزة كتارا للرواية العربية عن روايتها »‬ فستق عبيد» كما توجت بوسام الإبداع الثقافي من الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، بعد أن قرأت هذه الشهادات التفت إليها لأسألها: هل يعني ذلك شغفك بالجوائز وحرصك علي أن تناليها؟. وبدلا من أن تجيب صاحبة »‬ فستق عبيد »‬ فوجئت بها تسألني: ماذا تفعل الآن؟، ارتبكت للحظات ثم أجبت أنظر إلي »‬ الجوائز »‬ ضحكت لتستكمل قائلة: وأنا مثلك تماما أنظر إليها؛ ولكنني لا أفكر فيها، ولما أحصل عليها أعتبرها كلمة »‬ شكرا »‬، فهي لا تؤثر في المسيرة، بقدر ما تسعدني باعتبارها كلمة شكر وتقدير.
كلمات المهدين
لا تحتفظ المتوجة بالشخصية الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب في دورته ال 18 بالكتب التي اشترتها، بل لديها كتب تعتز بها، فهي تحمل إهداءات من أصحابها لها، تعبر عن تقدير عميق لشخصها وفنها، فسميحة خريس تتمتع بشخصية إنسانية رفيعة المستوي، وهو ما بدا واضحا علي بعض المهدين الذين ركزوا في إهداءاتهم علي هذا الجانب، فقد كتبت لها الروائية سحر ملص في إهدائها لمجموعتها القصصية »‬الوجه المكتمل»: »‬أختي الفاضلة سميحة خريس، من أجل صباح لطيف بصحبتك، ويوم أجمل، من أجلك زهر محبة وأمنيات بالعافية أبدا.. سحر ملص»، وبمعني قريب مما كتبته ملص، يأتي إهداء إبراهيم نصر الله علي روايته »‬شرفة رجل الثلج»:
»‬ صديقتي العزيزة سميحة خريس، مع اعتزازي ومعا للأجمل .. إبراهيم نصر الله».
أما الكاتبة العراقية هدية حسين، فقد خصتها بإهداءين متقاربين، الأول مكتوب علي روايتها »‬مطر الله»: »‬المبدعة الكبيرة والصديقة العزيزة سميحة خريس.. محبتي الدائمة.. هدية حسين»، في حين أهدتها مجموعتها القصصية »‬ كل شيئ علي ما يرام» بذات المعني، وإن كانت أضافت أمنياتها لسميحة بمزيد من الإبداع: »‬المبدعة العزيزة سميحة خريس، إلي مزيد من الإبداع والمحبة، ولك تقديري .. هدية حسين».
ومن جانبه يصفها الروائي مؤنس الرزاز بالنبل، حينما كتب في إهدائه علي روايته »‬ليلة عسل» : »‬إلي أنبل الأديبات العربيات.. إلي سميحة خريس مع المحبة.. مؤنس الرزاز»، بينما يصفها الكاتب إحسان الفرحان بالمبدعة، وذلك علي كتابه »‬ الكناش.. أوراق من دفاتر الأيام»، إذ كتب: »‬الروائية المبدعة سميحة خريس.. مع التحية والتقدير»، في حين يكتفي الأديب سليمان القوابعة بوصفها »‬الروائية بحق»، وذلك في إهدائه لروايته »‬الرقص علي ذري طوبقال»: »‬إلي الزميلة العزيزة الروائية بحق.. سميحة خريس، مع خالص تقديري»، وعلي مجموعتها القصصية »‬تقارير السيدة راء» تصفها الراحلة الكبيرة المبدعة رضوي عاشور بالجميلة: »‬إلي الكاتبة الجميلة والعزيزة سميحة خريس.. رضوي»، وعلي روايته »‬أوراق العاشق الأخير» يكتب عبد الإله عبد القادر: »‬ سميحة.. مع كل تقديري واعجابي».
وفي إشارة واضحة لتقدير عميق لإبداعاتها وإنسانيتها، وفي ذات الوقت في ربط بين اسم العمل وما تصبو إليه سواء المهدية أو المهدي إليها، يجئ إهداء الروائية سحر الموجي علي روايتها »‬نون»، المحمل بالكثير من الدلالات الإنسانية والأنثوية: »‬ المبدعة والإنسانة الجميلة سميحة خريس.. ليس غريبا أن تكمل النون دائرتها في غفلة منا.. محبتي سحر». وبذات الربط بين عنوان العمل والإهداء، تأتي جمل الشاعرة مها العتوم علي ديوانها »‬أشبه أحلامها»، لكنها هنا لا تتحدث عن مشترك بينهما، إنما تبين طموحها في الكتابة، وأنها تحاول أن تشبه أحلامها لكي تكتب: »‬ المبدعة الرائعة والصديقة العذبة الأستاذة سميحة خريس.. أهديك ما يشبه الأحلام، وما أحاول أن أشبهه.. لأكتب.. كل المحبة والتقدير.. مها العتوم».
وبفلسفة حياتية وإبداعية يكتب لها الشاعر والأديب سيف الرحبي إهداءين ليسا بنمطين، إنما يحملان همه ورؤيته للحياة والكون والبشرية، ففي واحد منهما يفرق بين دم المبدعين ودم الآخرين، الذين يصف دمهم بالأزرق، في حين جنس المبدعين يكون دمهم »‬ أسود او أبيض»، وفي هذا تفرقة اخري، تتضح جلية في التناقض بين اللونين، وإن كان يفهم ضمنا الفارق بين الموهوبين من أصحاب القضايا التي يعبرون عنها، وهؤلاء بالتاكيد دماؤهم بيضاء، وذلك في إشارة لما تتمتع به سميحة خريس علي المستويين الإبداعي والإنساني، أما الآخرون الذين لا تمثل الكتابة بالنسبة لهم هما عاما، فهؤلاء من أصحاب الدماء »‬السوداء»، وفي إهداء آخر يهاجم الحيتان من البشر الذين سيطروا علي التراب، في إشارة إلي الأرض، بينما يطمح ويطمع سيف في أن تبقي السماء للمبدعين، ففي إهدائه علي رواية »‬حيتان شريفة»: »‬الأستاذة سميحة خريس.. الحيتان وقد جالت في ترابنا.. هرمنا. فالتراب ترابهم.. والسماء عليها أن تبقي لنا»: ، وفي الإهداء الثاني علي مجموعته القصصية »‬دم أزرق» فجاء: »‬أستاذة سميحة خريس.. دم أزرق يسير في شرايينهم، أما شرايين الكتاب، فهناك دم.. أبيض/ أسود. دمت مبدعة».
وبإحساس عال بمعني الإهداء، يكتفي الأديب هاشم غرابية بثلاث كلمات، بعد أن دون اسمها علي روايته »‬القط الذي علمني الطيران»: »‬ سميحة خريس.. أكبر من الإهداء»، وبإهداء علي عكس الكلمات القليلة التي دونها غرابية، يأتي إهداء الدكتور خالد الكركي، الذي يعد الإهداء الأطول بين الإهداءات السابقة، فهو يحلل في جمل مكثفة رحلة سميحة خريس ويصفها بأنها صاحبة رؤية وطنية سواء في إبداعاتها أو ممارساتها الثقافية الرصينة، وأن ما يجمع بينه وبينها هو انتماؤهما لجدهما »‬المتنبي» جاء هذا الإهداء علي كتابه »‬ الصالح المحكي.. صورة المتنبي في الشعر العربي الحديث»: »‬الأخت العزيزة السيدة سميحة خريس.. هذا هو »‬جدنا» المتنبي، أرجو أن يظل قريبا منك، وأنت تقفين عند رؤية وطنية قومية من خلال الكتابة الروائية المتميزة والأداء الثقافي الرصين، واعذري أخاك لجرأته علي جمر أبي الطيب.. د. خالد الكركي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.