في كتابه المعنون «رسائل إلي روائي شاب» يقول ماريو بارغاس يوسا مخاطباً شاباً يعزم علي السير في درب الكتابة الوعر: «إصرارك علي أن تكون كاتباً، وتصميمك علي توجيه حياتك الخاصة، في خدمة هذا المشروع، هي طريقة، الطريقة الوحيدة المحتملة، للبدء في أن تكون كاتباً». ولكن حركة الأدب والإبداع العالميين، وخاصة في العقدين الأخيرين، في أوروبا وأمريكا، أثبتا بشكل قاطع، أن الإصرار والتصميم وحدهما أعجز بكثير من أن يخلقا كاتباً مبدعاً. وبالتالي فإن جزءاً من «خدمة الكاتب لمشروع كتابته» يأتي عبر الإطلاع المستمر لجديد الجنس الأدبي الذي يشتغل به، والأجناس الأدبية الأخري المتصلة به، ومحاولة النفاذ إلي كنه الإبداع الإنساني الجديد المتجدد، إضافة إلي التواصل، بشكل أو بآخر، بما بات يُعرف بورش الكتابة الإبداعية، والوقوف علي أسرار الكتابة الإبداعية عند الكتّاب المبدعين. إن فهماً عاماً شائعاً بإمكانية أن تكون الحصيلة الأدبية العامة، المتآتية من القراءة، إضافة إلي شيء من موهبة قادران علي خلق كاتب، إن مرحلة جديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية، تدخل إليها أقطار الوطن العربي، بُعيد انتصار ثوراتها المجيدة، لتستحق منا تفكيراً وسلوكاً جديدين بات فهماً قاصراً، ففي زمن ثورة المعلومات والاتصال، ومحركات البحث، ومواقع شبكة الإنترنت، وعالم الفضاء المفتوح، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومجانية الكتابة لكل متصفحي الكمبيوتر، وما تقدمه المطابع من نتاج أدبي يومي، يعجز المرء عن متابعته، وحركة الترجمة العالمية النشطة، كل هذا مجتمعاً جعل الكتابة الإبداعية، ترتكز علي الموهبة في جزء منها، لكنها تعتمد علي البحث والدراسة والتحضير المسبق، وذلك لإنتاج عمل إبداعي يستطيع أن يلفت النظر إليه، وأن ينافس في سوق تجارية متوحشة. لقد انتشرت في أوروبا وأمريكا، جامعات وهيئات ومراكز بحثية ومؤسسات متخصصة، لتنظيم ورش عملية، ليس في الاقتصاد وعلوم الإدارة والتنمية البشرية، بل وفي مختلف أنواع الأجناس الأدبية، تنهض بحضور أهم القامات المبدعة العالمية، لتقديم شهادات ومحاضرات حول خبراتها الإبداعية. وهذه الورش غالباً ما تتبني عملاً أو عملين مبدعين لأهم المشاركين فيها من فئة الشباب، لطباعتها ونشرها، مما قد يشكل الطريق الأول والأهم للمبدع الشاب في عالم الكتابة. إن الإشارة إلي أن الشعوب العربية في مجملها شعوب عالم ثالث متأخر، ينطبق علي عموم مناحي الحياة في أي من الأقطار العربية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وحتي اجتماعياً. لكن، هذا القول غير متحقق لحظة ننظر إلي الإبداع، فالقصيدة العربية المبدعة، والقصة والرواية واللوحة التشكيلية والمسرحية، وحتي الفيلم الروائي أحياناً، يقف جنباً إلي جنب، نداً لأي إبداع عالمي. فالعالم العربي يتوفر علي مبدعين لا يقلون إبداعاً عن أي مبدع آخر، وهذا ما يدعو إلي الفخر والاعتزاز، وهذا عينه ما يدعو إلي مزيد من الاهتمام وتسليط الضوء علي النتاج الإبداعي والمبدعين في طول وعرض العالم العربي. وربما كانت ورش الكتابة الإبداعية، أحد أهم المحفزات لخق أجيال شبابية عربية، قادرة علي المنافسة في إبداعها لأي إبداع عالمي آخر. لقد قدمت القصة القصيرة والرواية نفسيهما، خلال القرنين الماضيين، عبر أشكال وصيغ عالمية متنوعة، وبالرغم من ذلك فلقد اكتسبا أصولاً وقواعد فنية ناجزة، لكن هذه القواعد والأصول، بقدر ناجزيتها فهي متغيرة ومتأثرة بما يحيط بها من رتم اللحظة الإنسانية العابرة. وهذا جوهر ما تقدمه الورش الإبداعية، في كشفها عن المتحرك في الثابت الإبداعي. إن مرحلة جديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية، تدخل إليها أقطار الوطن العربي، بُعيد انتصار ثوراتها المجيدة، لتستحق منا تفكيراً وسلوكاً جديدين يأخذان بالحسبان محاولة النظر إلي ما يجري حولنا في عالم بات يُعرف ب «القرية الكونية»، وربما كانت الورش الإبداعية المتخصصة في الآداب والفنون هي إحدي المحطات التي تستحق الوقوف عندها. قاص وروائي كويتي