جيد أن يحافظ وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي علي ابتسامته الودودة في وجه المعارضين لنسقه التعليمي الجديد تماماً علي الساحة التربوية المصرية، هذا يفتح الباب واسعاً أمام تنقيح النسق وسد النواقص، وتلقيح الفكر التربوي بروافد من خبرات سبقت إلي محاولة استنقاذ الأجيال المقبلة من موروثات تعليمية بالية. ولا يضيق بالمعارضة البناءة، ليعتبر لخبرات تعليمية غرست في الواقع التعليمي المعيش حتي لا يأتي النسق الجديد غريباً ويعود غريباً، فالنسق التعليمي الذي تقرر ليس رهناً بالوزير طارق شوقي ولكنه خطة دولة قررت الخروج من شرنقة العجز التعليمي إلي آفاق أرحب تأخرنا عنها كثيراً وخاصمناها طويلاً. وعليه أن ينزل النسق من سماء النظرية إلي أرض الواقع ملتمساً طريقه إلي قاعات الدرس، ولا يظل معلقاً في سماء الوزارة دون أن يصل مفهوم وواضح وبسيط إلي المدارس في النجوع والكفور والقري حتي ينتج أثراً، النسق التعليمي الجديد سيظل غريباً حتي يتبناه المعلمون أنفسهم، ويقتنعوا به، ويخلصوا في تطبيقه، ويعمدوا إلي تجسيده في قاعات الدرس، دون هذه القناعات وكأنك تستزرع أرضاً بوراً لا تنبت زرعاً. الجبهة العريضة التي تقاوم النسق الجديد ليست رافضة لكل ما هو جديد، ولكن يعوزها الفهم الواعي لمتطلبات المرحلة التعليمية الجديدة، كتلة المدرسين قد تصبح حجر عثرة في تعويق النسق الجديد، وهي كتلة حرجة فعلياً، إذا لم تتبن هذه الكتلة ماهية هذا النسق لن يكتب له النجاح. كتلة أولياء الأمور، وهم الأخطر وفي ظل الهجمات الممنهجة والمضادة للنسق التعليمي المستحدث، وغيبة التمهيد المعلوماتي، واستمرارية آفات العملية التعليمية وأخطرها الدروس الخصوصية، واستنفاد طاقة أولياء الأمور في مشتريات تعليمية لا قبل لهم بها، يحولهم إلي معارضة لنسق واعد في تذليل سبل التعليم الحديث الذي تخلفنا عنه بفعل العاملين عليها أقصد العاملين علي الدروس الخصوصية. النخب لم تلتف حتي ساعته من حول النسق الجديد، لا أقول حول الوزير شوقي، وإن كان محتاجاً لهذا الالتفاف، ولكن الالتفاف درس وفحص وتمحص لهذا النسق الذي جاء به الوزير بعد سنوات من الدراسة المعمقة لكل الأساليب المتبعة عالمياً. النخب تقف علي الحياد، وهذا لا يوفر دعماً فكرياً مهماً يحتاجه النسق الجديد، شراكة النخب ضرورة قصوي، ومستقبل التعليم في مصر لا يحتمل احتراباً، لأنها في التحليل الأخير مستقبل وطن يترجي منذ سنوات تعليماً مدنياً حديثاً يتفق مع أصول الدولة المدنية الحديثة، لم يعد لدينا رفاهية تجارب في عمق مستقبل هذا الوطن. كيف لا تجتمع نخب المجتمع علي هذا النسق درساً وتحليلاً ليس للرجوع عنه وقد صار واقعاً معاشاً، ولكن لتعميق الفكر وراء هذا النسق، التعليم ليس مدارس ومدرسين وطلابا فحسب.. بل وأفكار، أخشي تغييب الأفكار، أقصد الإطار الفكري الحاكم لهذا النسق، ماذا يدرس ولماذا وفي أي مرحلة، خاصة في ظل ملهاة فكرية تصطخب في المجتمع وتضرب حوائطه بعنف وتزلزل ثوابته وقيمه الفكرية والروحية والعقائدية. الإرادة السياسية التي تجسدت في تطبيق هذا النسق عن قناعة بمقرراته وبأعبائه المالية الثقيلة، تستوجب حفز الإرادة المجتمعية، وهذا دور الوزير وطاقمه الوزاري، فلا يجب أن يعتزل الأفكار المطروحة، ويخاصم المعارضة الوطنية، وأن يقف من كل هؤلاء موقفاً منصفاً بالإنصات إليهم والتفكير معهم، والوصول إلي حلول لما يستجد من إشكاليات في التطبيق.