العيد فرحة تكتمل باستمرار روح التكافل والتعاون ليست الأيام المباركة التي مرت بنا منذ أيام مجرد مواسم للطاعات، وإنما هي مدارس ربانية ينبغي أن تظل دروسها في أذهاننا طوال أيام العام بل طوال العمر، فينبغي علي الحاج العائد بعد أداء الفريضة أن يستغل المنحة الربانية بأن عادت صفحته بيضاء فلا يعمل علي أن يسودها بالمعاصي، وكذا يجب أن تستمر روح التكافل والتراحم التي رأيناها في العيد بين الناس حتي يكونوا أهلا لرحمة الله..في هذ السطور يسرد العلماء الدروس المستفادة من الحج والعيد. في البداية يدعو الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق إلي ضرورة استلهام معاني الفداء والتضحية، والانتصار علي النفس والهوي والشَّيطان، والتَّداعي إلي الوحدة والمحبة والسلام، ونبذ أسباب الفرقة والشقاق؛ لتفويت الفرصة علي المتربصين بأمن أمتنا واستقرارها . وأكد أن الحج درس عمليٌّ في التعاون والتراحم والإخاء باعتباره مثالًا فريدًا علي وَحدة الهدف، ودعوة صريحة للوحدة والوئام ، وهو الأمر الذي يجب أن يسود بين المسلمين والمواطنين في كل زمان ومكان. ويؤكد أن وسطية الدين التي رأيناها في العيد، والمتمثلة في بهجة للنفس مع صفاء العقيدة، وإيمان للقلب خاصة وأنه يأتي مع شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام هي نموذج لما ينبغي أن يكون عليه حالنا مع بقية أيام العام ففرحة العيد التي شملت الغني والفقير، وما تجلي من تكافل وتآخ بين أفراد المجتمع، لا ينبغي أن تتوقف ،فالمواطنون الذين يبسطون أيديهم بالجود والسخاء، إلي إخوانهم الفقراء وتتحرك نفوسهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روح المحبة والتآخي، يجب أن يستمروا علي هذا قدر استطاعتهم ،لنري النتيجة متحققة وهي أن يذهب عن الناس الضغائن وتسودهم المحبة والمودة. العودة للصفاء ويشير الشيخ عبد التواب قطب وكيل الأزهر الأسبق إلي أنه علينا أن نستلهم من معني »العيد» الذي هو بمعني الرجوع والعودة في أن نعيد إلي النفس البشرية صفاءها الفطري وأخلاقها الحميدة، فنفس الإنسان في الأساس نفس صافية ونقية، مما ينعكس بالضرورة علي السِلمْ المجتمعي. ويدعو قطب إلي نبذ كل ما يدعو إلي الكراهية والشقاق، والأفكار الهدامة والمتطرفة التي ترهب الناس وتهدد أمن البلاد والعباد وتعيث في الأرض فسادا ، كما يدعو الأمة العربية والإسلامية إلي التعاون والاتحاد، ونبذ التنازع والخلاف والشقاق ، لتفويت الفرصة علي المتربصين بأمن الأمة واستقرارها، حتي تحتل الأمة الإسلامية مكانتها اللائقة بين الأمم والشعوب. ويؤكد د. عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، أن علي المسلم أن يعمل عقله ويستخلص العبر من الأيام وأن يعي الدروس المستفادة من فريضة الحج، مشيرا إلي قوة العلاقة بين الحج وتحقيق الأمن الاجتماعي بين البشر . ويوضح أن فريضة الحج التي فرضها الله تعالي ليست طقوسًا تؤدي وكفي، وإنما لها حكمة ربانية ومنافع دنيوية، مشيرًا إلي أن منافع الحج كثيرة و متنوعة، لا تكاد تجتمع في غيرها من العبادات، و هذه المنافع بعضها عبادية وبعضها تربوية، وأخري اقتصادية واجتماعية، قال الله تعالي : ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَي كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾. ويضيف أن من أعظم منافع الحج، التي تعود علي المجتمع والبشرية والتي نراها بأعيننا، هو تحقيق الأمن الاجتماعي بين بني البشر، متمثلا في اجتماع تلك الجموع الغفيرة مع اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وأوطانهم، تحت راية واحدة، شعارهم واحد، نداؤهم واحد، لا شحناء بينهم ولا بغضاء ولا تنازع، لافتًا إلي أن في هذا نفعاً عظيماً يعود في المقام الأول علي الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء. ويوضح أن هناك علاقة وثيقة بين الأمن وفريضة الحج، ففي شعيرة الحج تَحِلُّ الألفة وتظهر المودة ويتحقق الأمن والمحبة والسلام، فالمسلمون في الحج يجمعهم لباس واحد، ومكان واحد، وزمان واحد، وقبلة واحدة، وينادون ربا واحدا، ويؤدون مناسك واحدة، وهذا أكبر دليل علي أهمية وحدة الأمة الإسلامية. • ضياء أبوالصفا