في الكتاب الصادر حديثاً عن هيئة قصور الثقافة تحت عنوان »حكايات أسرة أرمينية«، يرصد الكاتب نبيل حنفي محمود تاريخ الأرمن في مصر. يذكر في متن كتابه أن البعض يؤكد أن هجرة الأرمن إلي مصر تعود إلي عصر الأسرات المصرية القديمة، ثم تزايدت إلي حد ما خلال الحكم البيزنطي(527-640). مع ذلك، بدأ الأرمن في الظهور نسبياً منذ بداية الفتح الإسلامي لها، حيث شارك من أسلم منهم في هذا الفتح مثل القائد وردان الرومي الذي شيّد سوقاً في الفسطاط(أول عاصمة في مصر الإسلامية) وعُرف بسوق وردان. وتولّي مع خلافة عثمان بن عفّان خراج مصر. وخلال الحكم العباسي، تولّي بعض الأرمن المسلمين إمارة مصر مثل علي بن يحيي الذي تقلدها في عامي 840-841 وفي العصر الفاطمي عاش الأرمن فترة مزدهرة، وكانت لهم جالية تتمتع بكامل الحريات الدينية والثقافية والتجارية. يقول الدكتور محمد رفعت الإمام في مقدمة الكتاب إن الزمن الذي دارت فيه أحداث الكتاب »عصر سلاطين المماليك« وهو من العصور الكلاسيكية في التاريخ المصري العام، ورغم سلبياته التي يمكن حصرها في الصراعات الداخلية العنيفة فيما بينهم ونظرتهم المتعالية علي بقية قطاعات الشعب المصري، إلا أن هناك إيجابيات كثيرة. يشير الإمام إلي »تبلور دولة المؤسسات وإقامة علاقات دبلوماسية خارجياً، وقيام مصر المملوكية بدور محوري في الدفاع عن دولة الإسلام عندما أخذ الضعف يدب في كيان الدولة العباسية أو بعد سقوطها علي يد المغول«. علي أن أكثر ما يميز مصر المملوكية ما خلّفته من إرث حضاري ومعماري وثقافي. يثير الكتاب قضية الأرمن عبر أسرة من أصول أرمينية، طارحاً الآراء المتباينة في الأصل الأرميني. فالبعض يري أنهم خليط جنسي يتكوّن من العنصر القوقازي، رغم هذا يُعد الأرمن من أقل العناصر المخلطة في العالم. لم تعرف أرمينية الدولة المركزية، وصارت المسيحية ديانتهم الرسمية في عام 301 ميلادية لتكون أقدم دولة في العالم تعتنق المسيحية وكان هذا سبباً رئيسياً في الصراع الأرميني-الفارسي. وثابت تاريخياً أن أرمينية وقعت في أغلب العصور تحت سيطرة قوة كبيرة مهيمنة علي المنطقة، مما أضطرهم للصراع باستمرار للحفاظ علي لغتهم ودينهم وهويتهم. ولهذه الظروف المعقدة، هاجر منها الكثير من أهلها وشكّلوا جاليات متناثرة في مناطق شتي. في حكايات أسرة أرمينية قسّم المؤلف الكتاب إلي سبعة فصول. تناول في الفصل الأول »مؤسس الأسرة أبو الفرج بن نقولا الأرمني«. وفي الثاني »عبد الرزاق بن أبي الفرج الأرمني« ثم تابع تسلسل العائلة. ومن خلال هذا التتبع لهذه الأسرة، يسلط المؤلف الضوء علي فترة هامة في تاريخ مصر، فيعرض من خلالها الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. جدير بالذكر أن المؤلف، الدكتور نبيل حنفي محمود، صدر له من قبل »معارك فنية« و»من أجل ثقافة علمية« و»نجوم العصر الذهبي لدولة التلاوة«.